إعداد إمكانية الوصول

خيارات الألوان

لون أحادي لون باهت مظلم

أدوات القراءة

عزل حاكم

صور لأكثر من 600 طفل سوداني تفرّقوا عن أهاليهم معروضة في موقعٍ للصّليب الأحمر الدولي في أبو شوك، شمال دارفور، 25 يونيو/حزيران 2005. وتأمل اللجنة الدولية أن يؤدّي عرض الصّور في جميع أنحاء دارفور إلى لمّ شمل العائلات.

مصادر

» دليل

مواضيع

دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: العثور على المفقودين

إقرأ هذه المقال في

ملاحظة من  المحرّر: تحتوي نهاية هذا الفصل على مقابلة خاصّة أجراها “أوليفييه هولمي” مع الصّحفيّة الاستقصائيّة “باسكال بونفوي ميرايس،  التي تعمّقت في تغطية قصص أكثر من 3000 شخص اختفوا خلال حكم الديكتاتور التّشيليّ “أوغستو بينوتشيه” الذي دام 17 عامًا.

انتهى عذاب “ياسمين المشعان” أخيرًا بعد ثلاث سنوات من اختفاء شقيقها “عقبة”، في دير الزّور، مسقط رأسهم في جنوب شرق سوريا. كانت جثته المعذَّبة بين آلاف الجثث التي تمّ تصويرها داخل سجون الرّئيس السوريّ بشّار الأسد، وهي الصّور التي نشرها على الإنترنت مصوّرٌ جنائيٌّ متعاطف.

اكتشافُ ما حدث لشقيقها خفّف عنها قليلاً لكن أثناء الانتظار، فقدتْ “ياسمين” كلّ شيء. اختفى شقيقٌ آخر من أشقائها ويُعتقد أن الميليشيات المسلّحة اختطفته. وقُتل ثلاثة آخرون في أعمال العنف. في المجموع ، فقدت “المشعان” خمسة من أشقّائها الستّة.

مئات الآلاف من النّاس في جميع أنحاء العالم في عداد المفقودين بسبب الحرب والصّراعات والهجرة والنّزوح الجماعيّ والكوارث الطّبيعيّة والجريمة المنظّمة.

بعد قرابة عقد من الزمان، أصبحت “المشعان” لاجئةً تعيش مع أفراد الأسرة الباقين على قيد الحياة في أوروبا وما زالت تبحث عن شقيقها المختَطف “بشّار”. لم يتم التّعرُّف على قتلة اثنين من أشقائها، وما زال المجتمع الدّوليّ يتناقش حول كيفية التّعامل مع عشرات الآلاف من المفقودين في سوريا.

قالت “المشعان”: “من الطّبيعي أن يخفّ الألم بعد سنوات من الانتظار، والعثور على دليلٍ على ما حدث لعقبة كان “مسكّنًا للألم”.

إن عزمها على البحث عن الحقيقة والعدالة لا يتراجعان. “الأمل دافع. القليل من الإنجازات دافع. ما يعانيه السوريون عمومًا دافع. لكنني لن أسُكت أو يُكمَّم فمي حتى نحقّق العدالة لهم جميعًا”.

تعريف المفقودين

مئات الآلاف من النّاس في جميع أنحاء العالم في عداد المفقودين بسبب الحرب والصّراع والهجرة والنّزوح الجماعيّ والكوارث الطبيعيّة والجريمة المنظّمة.

غالبًا ما تكون النّزاعات المسلّحة السّببَ الرّئيسيّ لاختفاء المدنيين والمقاتلين. يمكن أن يختفي المدنيون والمقاتلون في ساحة المعركة أو على الخطوط الأمامية بسبب القتال. يختفي النّاس في حملات القمع الحكوميّة ضد المعارضة، غالبًا بهدف إثارة الرّعب، وكذلك خلال الحملات التي تقودها الحكومة على الجريمة المنظّمة أو ضدّ الجماعات المسلّحة. ويتمّ سحب آخرين من منازلهم، غالبًا على أيدي ضبّاط يرتدون ملابس مدنيّة تحت جنح الظّلام، وتختفي أخبارهم. ويمكن أن يؤدّي التّشريد النّاجم عن القتال وعمليات الاختطاف إلى ضياع الأطفال عن أهاليهم وتفريق العائلات وتدمير الثّقافات. غالبًا ما يكون الاختفاء مصحوبًا بجرائم أخرى، مثل التّعذيب أو العنف الجنسي أو المحاكمات الصّوريّة والإعدامات. ويمكن أن يتسبّب النزاع المسلح عموما في فرار الناس طواعية، كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للعنف، ويزيد هذا النّزوح من احتمال فقدان الأشخاص.

“شادية أبو زيدي” (يسار)، التي فقدت ابنها البالغ من العمر 14 عامًا، خلال احتجاج “يوم الرحيل”، ويبكي إلى جوارها “محمد سعيد علي” بعد سؤاله عن ابنه المفقود ذي الـ16 عامًا، في ميدان التّحرير، القاهرة، مصر، 2011. تجمّع مئات الآلاف من المصريين في ميدان التّحرير أثناء ثورات الرّبيع العربي، وصلّوا وهتفوا ولوّحوا بالأعلام في مظاهرة سلميّة للإطاحة بالرّئيس حسني مبارك.

من المُرجَّح أن تكون سوريا صاحبةَ أكبر عددٍ من الأشخاص المفقودين ، اختفى معظمهم على يد عملاء الحكومة والميليشيات والجماعات المسلّحة. ووفقًا لتقديرات الأمم المتّحدة، ما زال هنالك 100 ألف شخص في عداد المفقودين منذ اندلاع الاحتجاجات المناهِضة للحكومة في سوريا سنة 2011 وأشعلت حربًا أهلية مستمرّةً منذ أكثر من عقد من الزمان.

وتقول اللجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر، وهي مرجعٌ مهمٌّ لأقارب الضّحايا المفقودين في النّزاعات في  جميع أنحاء العالم، إن عدد المفقودين في جميع أنحاء العالم قد ارتفع بنسبة 80٪ خلال السّنوات الخمس الماضية ليصل حاليًا إلى 180,000.

ومع ذلك، فمن المرجّح أن يكون العدد الحقيقيُّ للمفقودين أعلى من ذلك بكثير. يحتدم النّزاع المسلح النشط في جميع أنحاء العالم (المسجّل منها 54 نزاعًا بين الدول سنةَ 2021 قبل بدء حرب روسيا على أوكرانيا وزيادة تربو على 50٪ في النّزاعات غير الحكوميّة بين عامي 2012 و 2021، معظمها في إفريقيا وأمريكا اللاتينية)، مما يجعل تسجيل المفقودين وتوثيقهم أكثر صعوبةً وتعقيدًا بسبب عدم إمكانية الوصول، وخوف النّاجين من التحدّث علانيّة، واستمرار العنف.

وتتفاقم مشكلة المفقودين بسبب أعداد الأشخاص الذين يفرّون من بلادهم التي تزداد عامًا بعد عام، وتجرف الامواج مئات الجثث مجهولة الهوية على الشواطئ الأوروبيّة كلّ شهر، وهذا دليلٌ قاتمٌ على هذا الاتجاه. إجمالاً، كان هناك 281 مليون مهاجر في جميع أنحاء العالم في عام 2020، معظمهم من الهند والمكسيك وروسيا والصّين وسوريا.

على الرّغم من أن الألم الذي تعيشه عائلات المفقودين قد يتشابه، إلا أنّه من المفيد فهم الفروق القانونيّة بين المجموعات المختلفة لغايات الاستقصاء عن المفقودين.

  • حالات الاختفاء القسري، حيث تستخدم الدّولة (أو جهة فاعلة أخرى) القوّة لحرمان شخص من حريته وإخفاء مكان وجوده أو رفض الإقرار بمكانه. وهذا انتهاكٌ مباشر للقانون الدّولي لحقوق الإنسان. كما تنتهك حالات الاختفاء القسري، أو تهدد بانتهاك،  بعض القواعد بموجب القانون الإنسانيّ الدّولي، ويمكن أن تشكّل جرائم حرب. وإذا ارتُكبت هذه الأفعال على نطاق واسع أو منهجيّ، فإنها قد تشكّل أيضا جرائم ضد الإنسانيّة (انظر فصل الإبادة الجماعيّة والجرائم ضدّ الإنسانيّة في هذا الدّليل). في حالة سوريا، وصفت جماعات حقوق الإنسان حالات عشرات الآلاف من المختفين بأنها جريمة محتملة ضد الإنسانيّة.
  • حالات الآخرين المفقودين بسبب النّزاع المسلّح ليست مرتبطةً بالضّرورة بجرائم حرب أو انتهاكات أخرى للقانون الدّوليّ. ويمكن أن يحدث ذلك بسبب تفرُّق الأسر الفارّة من العنف في الصّراعات، أو بسبب تعطُّل الاتصالات وحفظ السجّلات النّاجم عن ضعف البنية التحتيّة. بغضّ النّظر عن كيفية حدوث الاختفاء، على الدّول التزاماتٌ معيّنةٌ بموجب القانون الإنسانيّ الدولي بالكشف عن المفقودين، والتي تشمل تتبّع مصير الأشخاص المفقودين، وإنشاء أنظمة مركزيّة للمعلومات الخاصة بالمحتجزين، والسماح لأسرى الحرب بالتّواصل مع أحبائهم، وحساب أعداد الموتى، بما في ذلك تحديد موقع القبور.

وبالتّالي فإن العثور على المفقودين ليس مجرّد قضيّة إنسانيّة. وقد وضع القانون الدّولي لحقوق الإنسان الـكثير من الأحكام التّفصيليّة لمنع وحصر أعداد المختفين في النزاعات المسلحة وفي غيرها، وتوجد معاهدات وآليّات مختلفة للأمم المتّحدة وعلى المستوى الإقليميّ لرصد هذه القضيّة.

وتقول “كاثرين بومبرغر” المديرة العامة للجنة الدّولية المعنيّة بالأشخاص المفقودين: “أعتقد أن الوقت قد حان ليبدأ الصحفيّون في النّظر إلى هذا الأمر على أنه قضية حقوق إنسان ويجب فيها ضمان حقوق عائلات المفقودين الباقية على قيد الحياة”.

يتطلّب كلٌّ من القانون الإنسانيّ الدّوليّ  والقانون الدّولي لحقوق الإنسان إجراء تحقيقات في الانتهاكات الجسيمة المحتملة. في حالة الاختفاء القسريّ المزعوم، يجب على الدّول إجراء تحقيقات رسميّة وفعّالة في مصير وأماكن وجود الأشخاص المفقودين وظروف اختفائهم، بغضّ النظر عن الخلفيّة العرقيّة أو الدّينيّة أو القوميّة للأشخاص المفقودين، أو أدوارهم في النّزاعات العنيفة أو انتهاكات حقوق الإنسان. بموجب القانون الدّوليّ لحقوق الإنسان، يجب على الدّول أن تستقصي عن المفقودين ضمن نطاقٍ واسعٍ من الظّروف، بما في ذلك أولئك الذين فُقدوا أو من يُشتبه في أنهم ماتوا في البحر. وبهذه الطّريقة، ينبغي على الصّحفيين أن يطرحوا الأسئلة حيال الفشل المنهجيّ للدّول، خاصّةً إذا كانت أفعالها تشير إلى أنماط تمييزيّة أو معايير مزدوجة تجاه المهاجرين أو غيرهم من المجموعات، مثل الأقليّات العرقية أو الدّينيّة. تقول “بومبرغر” إن الدّول مسؤولةٌ عن التّحقيق في حالات اختفاء الأشخاص على أراضيها أو ضمن ولايتها القضائيّة.

دور الصّحافة في التّحقيق مع المفقودين

إنها رحلةٌ مؤلمةٌ للعائلات أطلقت عليها اللجنة الدّوليّة للصليب الأحمر اسم “المأساة الخفيّة“. ومثل المحقّقين والمدّعين العامّين، لعب الصّحفيون دورًا مهمًا في العمل مع العائلات والنّاشطين لتسليط الضّوء على حالات الأشخاص المفقودين والمختفين، وكشفوا في بعض الأحيان تفاصيلَ عن الجناة، وأدّى عملهم في بعض الأحيان إلى لمّ شمل العائلات.

لعب الصّحفيون في سريلانكا والبلقان والأرجنتين ولبنان دورًا رائدًا في تسليط الضّوء على أهمية إثبات الحقيقة، وتحديد هويّة الجناة، والسّعي إلى المساءلة في حالات الاختفاء القسريّ. غالبًا ما يستمر السّعي لتحقيق المساءلة لعقودٍ بعد ارتكاب الجرائم.

عائلة من التاميل تأوي إلى منزل آمن في سريلانكا خشية الاختطاف، 2007.

ومن الواضح أنه الجناة يبذلون في حالى الاختفاء القسري قصارى جهدهم للتّعتيم على القضيّة واستغلالها. في سوريا، تشير التّقديرات إلى أن معظم المفقودين قد اختفوا في مرافق الاحتجاز الحكوميّة، أو عند نقاط التّفتيش، أو في عمليّات الدفن المُسْتَعجل أثناء القتال. وكذلك اختفى الأشخاص في مرافق الاحتجاز التي تديرها الجماعات المسلّحة وفي عمليات إطلاق النار الجماعي من قبل الميليشيات، بما في ذلك واحدة من أكثر الجماعات وحشيّة في العالم، المعروفة باسم داعش والجماعات التّابعة لها. نفت الحكومة السّوريّة احتجاز أيّ سجناء سياسيين ولم تكشف عن السجلات العامّة بأسماء منْ تحتجزهم، على الرّغم من الشهادات والأدلة المنتشرة على امتلاء المرافق بالسّجناء. التّحقيقات في ظروف السجون وتحديثات السجلّات الحكومية للوفيّات وقفتْ بعد سنوات في وجهِ إنكارِ الحكومة وأدّت إلى دعوات من الأمم المتّحدة لإيجاد حلٍّ لمصير السجناء.

في ميانمار، تعرّض الآلاف، بعضهم من الأطفال، للاعتقال التعسفي أو الاختفاء أو القتل في حملةِ قمعٍ لاحتجاجاتٍ مناهضةٍ للحكومة. وفي نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطيّة وغيرهما من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، اختفى الآلاف في الحروب الأهليّة أو هجمات قطّاع الطرق وعمليّات الاختطاف. (في نيجيريا وحدها، حيث يتفشّى الاختطاف على أيدي قطّاع الطّرق والميليشيات القبليّة المتحارِبة، تمّ الإبلاغ عن فقدان 25000 شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال).

في بعض الحالات، قد تشكّك السّلطات في شهادات النّاجين لأسباب سياسيّةٍ أو عرقيّةٍ أو جندريّةٍ أو اجتماعيّةٍ. الإبلاغ عن امرأة مفقودةٌ موصومٌ في بعض المجتمعات، حيث غالبًا ما يصاحبُ العنفُ والاعتداءُ الجنسيُّ عمليّةَ الاختطاف – لذا فإن الإبلاغ عن امرأةٍ مفقودة يشير إلى أن المرأة قد تعرّضت للانتهاك الجنسيّ. في وقت السّلم كما في وقت الحرب، جرى تجاهلُ اختفاءِ وقتلِ السّكّان الأصليين إلى حدٍّ كبير ولم يتم الإبلاغ عنه. الأشخاص المفقودون على طُرُقِ الهجرة، وكثيرٌ منهم فارّون من الصراع، ينتمون غالبًا إلى فئات مهمّشةٍ وكثيرًا ما لا يتمّ الإبلاغ عن الشّدائد التي يعيشونها.

لكن البحث عن المفقودين لا يسقط بالتّقادم. البلدان التي ما زالت تتعامل مع تَرِكات الصّراعات التي انتهت منذ فترة طويلة، ما زالت تتصارع مع صعوبة تحديد أماكن المفقودين وهويّاتهم. أولئك الذين “اختفوا” ما زالوا القضيّة التي يساوم عليها المشرّعون والنّاشطون لعقود بعد أن تضع الحرب أوزارها. اكتشاف المقابر الجماعيّة ما يزال مستمرًا. وفي سريلانكا، لا تزال عائلات المختفين تطالب بإجابات حول مصير المفقودين الذين يُقدّر عددهم بنحو 60,000 إلى 100,000 مفقود من أحد أطول النّزاعات في آسيا (1983-2009).

يواجه الإبلاغ عن البحث عن المفقودين الكثير من التّحدّيات. الوقت والصمت لهما أثرهما، وكذلك خوف الناجين من انتقام السّلطات أو العصابات الإجراميّة أو أطراف النّزاع الذين ما زالوا في السّلطة. الجمعيّاتُ الوطنية لعائلات المفقودين وجماعاتُ حقوق الإنسان المحليّة والإقليميّة وأرشيفاتُ وسائل التّواصل الاجتماعي، تُعدُّ مصادرَ ممتازة للبحث في الفظائع السّابقة والعثور على وثائق لحالات قد نسيتها السّلطات أو المشرّعون منذ فترة طويلة. في النّزاعات، غالبًا ما يمسح مرتكبو الاختفاء القسريّ آثارهم ويحاولون محو أيّ سجل يدلّ على وجود الضّحايا. تعذُّر الوصول إلى مناطق الجريمة والأدلّة يصعّب الإبلاغ عن القصّة. وفي بعض الحالات، قد لا يرغب المفقودون في أن يُعثر عليهم. 

هنالك تكتيكاتٌ بسيطةٌ وفعّالةٌ يمكن استخدامها عند إجراء هذا النّوع من التّحقيقات والبحث عن أدلّة لتحديد هويّة الجناة، منها البحث عن المعالم الجغرافيّة البارزة لتأكيد المواقع وإنشاء جدولٍ زمنيٍّ للتّحقُّق مرّةً أخرى من صحّة الأحداث وتسلسلها. البحثُ في وسائل التّواصل الاجتماعي عن معلومات عن الأفراد والمسؤولين الحاليين أو السّابقين والجماعات المسلّحة، يساعد في بناء قاعدة بيانات وملفّات تعريف للأسماء والوجوه التي تظهر في التّقارير الإعلاميّة أو شهادات النّاجين.

ومع ذلك، فإن الافتقار إلى المعايير السّياسيّة في التّعامل مع المفقودين هو من أبرز التّحدّيات التي تواجه المحققّين في هذه القضية، كما تقول “بومبرغر”. وتشير إلى أن “الناس يطالبون الآن بآليّةٍ إنسانيّةٍ لسوريّا، على سبيل المثال، بينما يطالبون في الوقت نفسه بإجراء تحقيقاتٍ مناسبة ومحكمة في أوكرانيا”.

توضح “بومبرغر” أن “الحرب في أوكرانيا أبرزت الحاجة إلى إجراء تحقيقاتٍ مناسبة في حالات الأشخاص المفقودين بما يتماشى مع سيادة القانون. المشكلة هي أن المعايير المزدوجة لا تزال موجودة عندما يتعلّق الأمر بالالتزام بمعايير سيادة القانون في حالات الأشخاص المفقودين في البلدان غير الغربيّة.” وفيما يتعلّق بالصّراع السّوري، حيث يوجد قرابة  100,000 شخص في عداد المفقودين، أشارت إلى أن البعض في المجتمع الدّولي قد دعوا إلى اتّباع  نهجٍ إنسانيٍّ بدلاً من نهج قائم على القانون. “على سبيل المثال، التّركيز على حق الأقارب في معرفة مصير أحبائهم، بدلاً من التّركيز على المساءلة الجنائيّة. كما أن هنالك كيلاً بمكيالين في الدول الغربيّة، عندما يتعلّق الأمر بالتّحقيق في اختفاء الأشخاص من غير المواطنين وأبناء الأقليّات”.

مع عدم الوصول إلى حلٍّ للصّراع السّوري وبقاء الرّئيس الأسد في الحكم، تتحرّك بعض الدّول في المنطقة وخارجها نحو تطبيع العلاقات مع النّظام السوري. وإلى جانب هذا الانفراج، هناك دعوات لإنشاء آليّةٍ للعثور على المفقودين دون إدخال عنصر العدالة الجنائيّة. وقد أثار هذا جدلاً بين النّشطاء والنّاجين حول ما إذا كان هذا سيمكّن الجناة، في الحقيقة، “من الإفلات بفعلتهم”.

يجب أن يكون ضمان أمن الناجين أولوية، والتي يمكن أن تشمل تكتيكات كأن يُعرَض عليهم إخفاء هويتهم وطمأنتهم بأن هويتهم أو تفاصيل مكان وجودهم محمية.

إن التّحقيق في مصير المفقودين في النّزاع ليس ضروريًا فقط لحماية حقوق النّاجين في معرفة مصير أحبائهم، إنّه أيضًا أحد أدوار الصّحافة أن تعمل على محاسبة المسؤولين عن بعض أسوأ الجرائم في الحرب، وتقديم رواياتٍ صحيحةِ الوقائع للسجل التاريخي، وتمكين المجتمعات من الانتقال إلى السّلام.

إن بناء العلاقات مع النّاجين، والتوصُّل لفهمٍ حقيقيٍّ لبيئة نزاع تكون معقدةً في الغالب، وجمع البيانات، وتوجيه الأسئلة الصّحيحة إلى السلطات وإلى القادرين على اتّخاذ إجراءات بشأن هذه القضيّة، والمثابرة، هي الأدوات الأكثر أهميّة للتّحقيق في مصير المفقودين. بالنّسبة للكثير من النّاجين، فإن العدالة هي الطّريقة الوحيدة لتضميد جراحهم.

نصائح وأدوات ومصادر

بناء الثّقة مع الناجين والشهود

عند الإبلاغ عن المفقودين، يُعدُّ بناءُ الثّقة مع النّاجين مكانًا رائعًا لبدء التّحقيق. يمكن لشبكات النّاجين، سواء في مجموعات منظّمة أو كأفراد، تقديم تفاصيل وقرائن غنيّة. لديهم التّاريخ والصّور والممتلكات وتفاصيل حياة الأشخاص المفقودين، وفي بعض الحالات ، ربما كانوا معهم عندما اختفوا ويمكنهم تحديد الموقع والجناة. إن بناء الثّقة مع النّاجين والبقاء على اتّصال معهم حتى عندما يتباطأ التّحقيق أو يتوقّف أمرٌ ضروريٌّ لكسب احترامهم وثقتهم، ويعطي فهمًا أعمق لظروف الاختفاء والنّزاع. بل إنه أكثر أهمية في الحالات التي يكون فيها الصّراع مستمرًا أو عندما يكون الجناة المزعومون في السّلطة بعد. غالبًا ما تشعر العائلات والنّاجون بالقلق إزاء التّحدُّث علنًا، وفي كثير من الحالات، تكون العائلات قد فقدت الأمل في العثور على المفقودين. يجب أن يكون ضمان أمن الناجين أولوية، والتي يمكن أن تشمل تكتيكات كأن يُعرَض عليهم إخفاء هويتهم وطمأنتهم بأن هويتهم أو تفاصيل مكان وجودهم محمية واستخدام وسائل اتّصال مشفّرة.

اللجنة الدّوليّة لشؤون المفقودين (ICMP)

اللجنة الدولية لشؤون المفقودين هي المنظّمة الدّوليّة الوحيدة التي تعمل حصريًا على قضيّة الأشخاص المفقودين. وتتمتّع المنظّمة التي أُسّست بناء على معاهدات، ومقرّها في لاهاي، بتفويض لتأمين تعاون البلدان والحكومات لتحديد أماكن المفقودين. توفّر اللجنة للأقارب والنّاجين أدوات للإبلاغ أو الحصول على معلومات حول الأشخاص المفقودين من خلال موقعها ومركز الاستفسار عبر الإنترنت وتطبيق للهاتف المحمول. تحتفظ اللجنة الدّوليّة لشؤون المفقودين بقواعد بيانات عن الأشخاص المفقودين يمكن الوصول إليها من قبل مجموعات المجتمع المدني والسّلطات المحلّية، ويمكن أن تطلب من أفراد الأسرة جمع وتخزين عيّنات الحمض النّووي. كما تقوم بعمليات ميدانيّة للطّب الشّرعيّ، بما في ذلك استطلاع المقابر والحفريّات. يعد احترام حقوق الخصوصيّة أمرًا ضروريًا عند طلب الوصول إلى البيانات، ويجب أن يوافق أفراد الأسرة.

في حالة 40,000 مفقود في حرب البلقان، حصلت اللجنة الدّوليّة لشؤون المفقودين على نصف مليون عيّنة من الحمض النووي من الأشخاص المفقودين وقارنتها بأكثر من 100,000 عيّنة مرجعيّة من العائلات. كانت اللجنة تأمل بذلك أن تحدّد هويّة الأشخاص المفقودين بيقين علمي، وأن تربط بين الأشخاص المفقودين والموقع، وأن تمكّن العائلات من طلب التعويض، وأن توثّق الأدلّة لاستخدامها في المحاكمات الجنائية. وعلى نحوٍ يصعب تصديقه، تمّ احتساب قرابة 70٪ من المفقودين من تلك الحرب في نهاية المطاف. ولا تزال هذه البيانات متاحة ومفتوحة للصحفيين للبحث فيها. في حالة سوريا، التي تخشى معظم العائلات فيها نشرَ معلوماتها لأن الحكومة المتّهمة بارتكاب جرائم حرب مزعومة لا تزال في السلطة، فإن العمل مع اللجنة الدّولية لشؤون المفقودين ضروريٌّ للوصول إلى العائلات والحصول على موافقتها للكشف عن تفاصيلها.

اللجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر

لعبت اللجنة الدّوليّة دورًا رائدًا في وضع قواعد الحرب، ويشمل ذلك تكريس حقّ النّاس في معرفة مصير أقاربهم المفقودين. وقد حدّدت تدابير أثناء النزاعات يمكن أن تساعد في منع اختفاء الأشخاص، مثل دعوة المقاتلين إلى حمل بطاقات هويّة، والقيام بحملات لحفظ سجلات الوفيّات والدّفن والاعتقالات. كما أنه يساعد على لمّ شمل العائلات وتوثيق أولئك الذين أُبلغ عن فقدانهم. كما تقوم وكالتها المركزيّة للبحث عن المفقودين، التي تأسست في عام 1870، بجمع وتبادل المعلومات بين أطراف النّزاع الدّولي وتساعد العائلات على تتبُّع أقاربها.

اللجنة الدّولية للصّليب الأحمر من بين المجموعات القليلة التي تفاوضت على الوصول إلى مرافق السجون التي تديرها الدّولة، حتى في بعض الأنظمة الأكثر استبداديّةً. وغالبًا ما تحجم اللجنة، التي تحمي حيادَها ووصولَها، عن تبادل المعلومات مع الصّحافة. ولكن موظّفي اللجنة الدّولية والصّليب الأحمر الوطنيّ في جميع أنحاء العالم يعملون مع العائلات للمساعدة في العثور على المفقودين والتّعامل مع الصّدمات النفسيّة، وهم  مصدرٌ مهمٌ في وصف الجهود المبذولة لتحديد مكان العائلات أو لمّ شملها. غالبًا ما يكون الوصول إلى العائلات هو أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كانوا على استعداد لمشاركة تفاصيل عن أقاربهم المفقودين وتتبُّع حالات الاختفاء. العودة إلى الموقع الذي شوهدوا فيه آخر مرة، إن أمكن، هي طريقة جيدةٌ دائمًا للعثور على شهود جدد وأدلّة والمساعدة في تتبُّع آخر الخطوات المعروفة للمفقودين.

“أوزياس كامبالي بيمو”، 11 عاما، من “كيوانجا”، يتحدث عمّا إذا كان والداه ما يزالان على قيد الحياة، في “غوما”، مقاطعة شمال “كيفو”، جمهورية الكونغو الديمقراطيّة، 2009. وصل الأطفال إلى هذا المكان المؤقّت لأخذ قسط من الراحة قبل أن تجمعهم اللجنة الدّولية للصّليب الأحمر مع أسرهم.

مراكز متخصّصة أخرى

الفريق الأرجنتيني للأنثروبولوجيا الجنائيّة منظّمة غير حكوميّة مقرّها “بوينس آيرس” تستخدم التّقنيات الجنائيّة والعلميّة في التّحقيق والبحث والاستعادة وتحديد سبب الوفاة وتحديد هويّة الأشخاص المفقودين وإعادتهم. يعمل الفريق مع العائلات التي تشكك في التّحقيقات الرّسميّة والمحاكم الدّوليّة والجماعات المحلّيّة التي تتعامل مع قضايا الضّحايا المفقودين في ظروف كثيرة من بينها: الاختفاء القسري؛ العنف العرقي والسّياسي والمؤسّسي والجندريّ والدّينيّ؛ الاتّجار بالمخدرات والاتّجار بالبشر والجريمة المنظمة؛ عمليات الهجرة والحروب والنّزاعات المسلّحة والحوادث والكوارث. ويدّرب فرقًا في جميع أنحاء العالم وتقدّم للصحفيين آراء الخبراء. غالبًا ما تشارك المجموعة في الحفريّات في المقابر المحلية ويمكن أن يوفّر عملها الموثّق قرائن للتوسّع في التّحقيق.

تعدّ عمليات البحث على وسائل التّواصل الاجتماعيّ وغيرها من أشكال التّحقيق مفتوحة المصدر ضروريّةً للعثور على معلومات حول الأفراد المفقودين وتحديد مواقع المقابر وجمع المعلومات حول حادث عنف معيّن.

 يدير مركز حقوق الإنسان بجامعة كاليفورنيا – بيركلي مشروع الطّب الشّرعيّ الذي يساعد في تحليل الحمض النّووي وتحديد الرّفات – ويركّز المركز على السلفادور. يعمل المركز مع خبراء الطب الشرعي ولديه مختبر تحقيقات يقوم بجمع المعلومات والتّحقُّق وتقييم الأدلّة في القضايا التي تسعى إلى مساءلة مرتكبي الإبادة الجماعيّة والجرائم ضد الإنسانيّة. يقدّم المركزُ التدريبَ للصحفيين والمحقّقين وغيرهم على التّحقيقات الرقميّة مفتوحة المصدر وغيرها من الأدوات اللازمة لإعداد التّقارير والتّخطيط وجمع البيانات.

الجمعيّات الأسريّة والوطنيّة

قام النشطاء في الأرجنتين والمكسيك وسوريا، على سبيل المثال لا الحصر، بجمع المعلومات، وإنشاء قواعد بيانات وطنيّة، وقادوا حملات للبحث عن المفقودين. النّساء الأرجنتينيّات المعروفات باسم جدات بلاسا دي مايو (أو التسمية الشائعة: أبويلاس) ، اللواتي فقدن ابنًا أو ابنة في ظلّ النّظام العسكريّ في سبعينات القرن العشرين، أنشأنَ قاعدة بيانات لتحديد هوية نحو 500 طفل مفقود منذ ذلك الحين. لقد حددن موقع 133 من الأحفاد المفقودين حتى شهر تموز 2023.

في سوريا، قام مصوّر عسكريٌّ منشقّ بتهريب عشرات الآلاف من صور ضحايا التّعذيب في مرافق الاحتجاز السورية، مما ساعد العائلات على التّعرُّف على مفقوديهم. واستخدمت الصور، التي أصبحت الآن جزءًا من منظّمة ملفّات قيصر، كدليل في أول قضيّة تعذيب وقتل في السجون السورية التي عُقدت العام الماضي في ألمانيا. التعرّف على هذه المجموعات المحليّة والوصول إليها يوفّر ثروةً من المعلومات، وهذا جزءٌ أساسيٌّ في أي عملية لجمع البيانات ويمكن أن تؤدي إلى تحقيقات مفصّلة تقرب القضيّة من عامّة النّاس.

فريق الأمم المتّحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطّوعي

هذه المجموعة المكلفة من الأمم المتّحدة منوطة بمساعدة العائلات في العثور على أقاربهم المفقودين أو المختفين، والتحدّث إلى الحكومات نيابة عن عائلات المختفين. تدعو الحكومات إلى إجراء تحقيقات في التّقارير أو المعلومات التي تتلقاها. وفي الزيارات القُطريّة، تقدّم المشورة للحكومات بشأن احترام مبادئ حقوق الإنسان المتعلقة بالأشخاص المفقودين وتحقّقُ في الحالات الفرديّة، مما يجعلها مصدرًا جيدا للصحفيين. تصدر المجموعة تقارير سنويّة عن أنشطتها بالإضافة إلى تقارير دوريّة بعد الزيارات القُطرية وتتبع المبادئ التوجيهية للبحث عن المختفين بناء على الاتّفاقيات الدّوليّة. كان التّواصل مع خبراء الفريق العامل التّابع للأمم المتحدة موردًا جيدًا للتحقُّق من حالات محددة والحصول على تحديثات بشأنها، وفهم سياق حالة مفقودة، ومتابعة التّدابير الجارية لمعالجة قضية الاختفاء القسريّ.

صور الأقمار الصناعيّة

ساعدت التكنولوجيا بشكلٍ كبير في البحث عن بيانات أفضل في خضمّ البحث عن المفقودين. من الأمثلة على ذلك هو التحقيق التاريخي لبي بي سي نيوز: تريبلينكا: الكشف عن القبور الخفيّة للهولوكوست. بفضل صور الأقمار الصّناعيّة والرادار المخترق للأرض والأدوات الجنائية الأخرى، وأُلحقت بها صور جويّة للمواقع من أربعينات القرن العشرين، حددت بي بي سي المقابر الجماعيّة المحتملة في معسكر الموت، وتمّت بعد ذلك بسنوات عملية حفرٍ أركيولوجيّة حدّدت مواقعها. تقدم Maxar و Planet Labs بيانات أقمار صناعيّة عالية الدقّة للشّركاء – بما في ذلك المجموعات الإعلاميّة – كما كانت أداة فعّالة في تتبُّع مواقع الدّفن الجماعيّ في أوكرانيا والعراق، على سبيل المثال. استخدام Google Earth للنظر إلى مكان واحد على مرّ السنوات يُعدُّ أداةً متاحةً أكثر ولكنّها أقلّ دقّة. باستخدام Maxar و Planet، يمكن تكليف الأقمار الصناعية وتكبير المواقع. بالإضافة إلى ذلك، تقدّم GIJN دليلاً مرجعيًا للعثور على صور الأقمار الصناعيّة واستخدامها.

دراسات الحالة

اختفاء اللاجئين الأوكرانيين في روسيا

ظهرتّ هذه القصّة عندما لاحظ مراسلو وكالة أسوشيتد برس إرسال اللاجئين الأوكرانيين إلى روسيا – واختفاءهم بعد ذلك. يُقدّر عدد الأوكرانيين الذين انتهى بهم المطاف في روسيا بحوالي اثنين مليون شخصًا، لهذا كان على صحفيي وكالة أسوشيتد برس إجراء مقابلات مع عشرات الأشخاص والاطّلاع على محتوى عشرات وسائل الإعلام الرّوسيّة والأوكرانيّة وحسابات التّواصل الاجتماعي للتوصّل إلى صورة دقيقة. كانت عمليّة تعقّب اللاجئين في صميم التحقيق، بما في ذلك تأمين مقابلات مع الأوكرانيين الذين ما زالوا في روسيا، وهو ليس بالأمر الهيِّن. من خلال المقابلات مع اللاجئين والنّاشطين الذين ساعدوهم في الدخول والخروج من روسيا، قام مراسلو أسوشيتد برس بتجميع الرّحلات التي قطعها اللاجئون وامتدّت رحلات الكثيرين لآلاف الأميال، واحتُجزوا خلالها وتم عزلهم عن العالم الخارجيّ. وإجمالاً، تحدّث الصّحفيون مع الأوكرانيين في سبع دول أوروبيّة، الكثير منهم ما يزالون داخل روسيا. حدّدوا نقاط اختناق متعددة في رحلتهم – الملاجئ حيث احتجزهم الرّوس لأسابيع. وعلى طول الطريق، تعرّض بعضهم للتّفتيش بعد تجريدهم من ملابسهم وعانوا من انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، حيث تمّت معالجتهم فيما أصبح يعرف باسم “معسكرات الفرز”. بعضهم لم يظهر ثانيةً. كان التّحقيق أوّل توثيق شامل للتّرحيل المنهجيّ للأوكرانيين.

إفراغ زنازين السجون السورية بالقتل الجماعي

هذا التّقرير الذي أعدّته “لويزا لوفلاك” و”زكريا زكريا” من صحيفة واشنطن بوست يستخدم التكنولوجيا لتسليط الضوء على واحد من أقسى جوانب الحرب الأهلية الطّويلة في سوريا: مصير آلاف المعتقلين، الذين غالبًا ما يُعزلون عن العالم الخارجي لسنوات، في زنازين النّظام. وقالت “لوفلاك” إن مدّة الحرب الأهلية في سوريا صعّبتْ مهمةَ التّحقيق في ما يحدث للسّجناء. مع مرور الوقت، تتغيّر الظروف في الدّاخل، والمقابلات مع الأشخاص المحتجزين في وقت مبكر من النّزاع لا تلقي الضوء دائمًا على الظّروف الحاليّة. قام الفريق بالبحث عن صور الأقمار الصناعية بحثًا عن تغييرات حديثة غير عادية – في هذه الحالة، ما بدا أنه جثث في ساحة السّجن – ثم بحث عن أفراد يمكنهم تأكيد أو نفي النّتائج الظاهرة. تواصل الصّحفيّون مع مجموعات المجتمع المدنيّ للتّواصل مع النّاجين الذين أطلق سراحهم بعد فترة وجيزة من تلك الفترة وأمضوا وقتًا في السجن بالقرب من ذلك الفناء في ذلك الحين. قالت “لوفلاك”: “ربطَنا النّاجون بناجين آخرين، وبمرور الوقت، بنت شهاداتهم صورةً حيّةً – تم توضيحها لاحقًا من خلال مصادر قانونيّة – لتسريع عمليات الإعدام بعد الإهمال المنهجيّ”. والنّتيجة هي تحقيق استمرّ تسعة أشهر كشف عن ممارسة الحكومة المتمثّلة في محاكمة صوريّة وإعدام السجناء السّياسيين في أحد مراكز الاحتجاز الرّئيسيّة – وهي انتهاكات من المرجّح أنها تُمارس في مرافق مماثلة – والتي قد تشكّل جريمة حرب كبرى. ومع أن التّقرير لم يحدد المحتجزين المفقودين، إلا أنه يساعد عائلات المفقودين على فهم ما يمكن أن يكون قد حلّ بهم.

تعقُّب الأطفال المسروقين في “الحرب القذرة” في الأرجنتين

بعد مرور أكثر من 40 عامًا، ما زال الصحفيون يسعون إلى فهم مصير الأطفال الذين اختطفوا خلال أحلك سنوات النّظام العسكري الأرجنتيني لـ”خورخي رافاييل بيديلا”. وخلال تلك الفترة، اختفى أكثر من 30,000 شخص، من بينهم ما لا يقل عن 500 طفل. أطلقت La Repubblica و Le Monde و The Guardian تحقيقًا عابرًا للحدود للعثور على هؤلاء الأطفال، الذين يُعتقد أن معظمهم يعيشون في أوروبا. تعقّب الصحفيون “لورنزو توندو” و”إيلينا باسو” و”سام جونز” طفلاً على قيد الحياة في لندن، بمساعدة من مصادر حكوميّة سابقة ومجموعات ناشطة محلّيّة. “لكن العثور عليه لم يكن أصعب جزء في هذا التّحقيق” ، أوضح “توندو”: “بل كان إجراء المقابلة معه.” مثل العديد من الأطفال، لم يكن يريد أن يُعثَر عليه. خشي الكثيرون من اتّهامهم بأنهم وشاة، أو خافوا على أهلهم بالتبني، أو من كانوا يحبونهم ببساطة. شرح الصحفيون التحقيق والغرض منه لتسليط الضّوء على الفظائع في ظلّ النظام العسكري. ثم انتظروا. بعد شهرين ، وافق الطفل المختفي سابقًا على سرد قصته. وكانت النتيجة تقريرًا شاملاً لم يكشف عن مصير الأطفال المفقودين فحسب، بل روى أيضًا جانبهم من القصّة – ولم يكشف فقط عن مكان وجودهم ولكن أيضًا عن سبب عدم رغبة الكثيرين في أن يُعثَر عليهم.

أجرت صحف La Repubblica و Le Monde و The Guardian تعاونًا عبر الحدود لتعقُّب الأطفال الذين اختطفوا من السّجناء السّياسيين الأسرى وتمّ إعطاؤهم لعائلات العسكريين ليربّوهم وكأنهم أبناؤهم خلال “الحرب القذرة” في الأرجنتين.

المتظاهرون قُتلوا واعتقلوا ولم يظهروا مرة أخرى في نيجيريا

أمضى المراسل النيجيري “فيسايو سويومبو” 10 أسابيع  في التّحقيق في مقتل واختفاء قرابة عشرين مدنيًا، بعضهم مجهول الهويّة، بعد هجوم عسكريّ على موقع احتجاج في أكتوبر 2020 في “لاغوس”. أجرى “سويومبو” مقابلات مع النّاجين وعائلات المحتجزين، واصطدم باثنين من أصعب التّحديات التي تواجه الإبلاغ عن المفقودين: خوف العائلات من التحدُّث إلى الصحفيين والرّعب الذي يستخدمه الجناة لإسكاتهم. لا يزال العديد من أفراد الأسرة يعيشون على أمل أن يظهر أحباؤهم مرة أخرى، وبالتالي يتجنّبون الإبلاغ عن حالاتهم. حدد “سويومبو” هوية القتلى والمختفين وقدّم لمحة عنهم، وتحدّث إلى الشهود والعائلات، وتعقّب مقاطع الفيديو والصّور التي تمّت مشاركتها على وسائل التّواصل الاجتماعي، ووثّق التّهديدات التي تلقّوها. وتكشف تقاريره عن معلومات جديدة وتقدّم واحدة من أكثر الرّوايات تفصيلاً عن الهجوم، بما في ذلك هويّة المهاجمين، في حادث لا يزال الجيش ينفي أي تورُّط له فيه.

تركيز خاص: على “المختفين” في تشيلي

مقابلة مع “باسكال بونفوي ميراليس” ، بقلم “أوليفييه هولمي” 

لتجميع تاريخ حالات الاختفاء القسريّ في ظلّ نظام “أوغستو بينوتشيه”، الجنرال الذي حكم تشيلي من عام 1973 إلى عام 1990، اتّخذت “باسكال بونفوي ميراليس” قرارا جريئًا: قرّرت أنّها لن تتحدث فقط مع عائلات المفقودين، بل ستحاول أيضًا مقابلة مرتكبي هذه الجرائم الجماعيّة.

باسكال بونفوي ميراليس.

ربما بدت هذه المهمة مستحيلةً في ذلك الوقت. ولكن على حد قول “ميراليس” التي تريد تشجيع الآخرين على التحقيق، لشبكة GIJN: “لا تعرف أبدًا ما الذي ستجده”.

على الرغم من رفض الكثيرين، إلا أن عددًا من ضبّاط الجيش والشّرطة السابقين تحدّثوا مع “بونفوي ميراليس” مطوّلاً. رحّب بها أحدهم في منزله بعد أن طرقت بابه دون سابق إنذار. تقول “بونفوي ميراليس” إنها لم تكن قلقة على سلامتها، لأن حالات الاختفاء كانت “حالات باردة جدًا” عندما بدأت التّحقيق فيها. تقول: “كانت عقود كثيرة قد انقضت”. “ماذا يمكنهم أن يفعلوا في هذه المرحلة؟ لم يعد لديهم سلطة، ولم يعودوا في الجيش”.

ساعدتها هذه الشّهادات في العديد من الاكتشافات الاستقصائيّة. تعرّفت على ضابط معروف بعنفه كان يعرف فقط باسم “الأمير”، وأكّدت أن الصّحفي الأمريكي “تشارلز هورمان” قد نُقل إلى الاستاد الوطني في سانتياغو  قبل قتله في أعقاب انقلاب عام 1973 مباشرة، وأثبتت كيف تخلّص الجيش على وجه السرعة من جثث أولئك الذين اعتقلهم وأعدمهم في ذلك الملعب.

تقول “بونفوي ميراليس” التي ألّفت العديد من الكتب حول حملة الاختفاء القسري التي شنّها “بينوتشيه”، إنّها تعاملت مع هؤلاء المجرمين بنفس التّهذيب الذي تُعامل به أيَّ شخصٍ تقابله. ومن خلال إظهار الاهتمام والتّعاطف، وجدت أن الضبّاط السّابقين كانوا أكثر انفتاحًا في الكلام عمّا شهدوه – على الرغم من أنه ليس من المستغرب أنهم كانوا ما يزالون مترددين في مناقشة ضلوعهم في الأحداث. تقول: “سيخبرك معظمهم بكل شيء باستثناء ما فعلوه”. “من الأفضل ألّا تدفعهم لأن يقولوا: لقد كنتم مخطئين أيضًا. لأن هذا شيء يمكنك الحصول عليه من مكان آخر”.

مصادر إضافية

دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب: بحث مفتوح المصدر

دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب: الهجمات على المدنيين

دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب: الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية

سارة الديب صحفية قديمة في وكالة أسوشيتد برس (AP). انضمت إلى فريق التحقيق العالمي التابع لوكالة أسوشييتد برس في عام 2021 قبل وقت قصير من شن روسيا حربها على أوكرانيا وكانت جزءًا من War Crimes Watch أوكرانيا، وهو مشروع تعاوني مع Frontline (PBS) لجمع الأدلة على جرائم الحرب المحتملة في أوكرانيا والتحقق منها وتوثيقها. عملت في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، ودارفور والسودان، ومصر، وليبيا واليمن.

 

رون هافيف، مؤسسة VII رون هافيف هو مدير ومؤسس مشارك لمؤسسة VII ومؤسس مشارك لوكالة VII Photo Agency. في العقود الثلاثة الماضية، غطت هافيف أكثر من خمسة وعشرين صراعًا وعملت في أكثر من مائة دولة. أعماله، التي فازت بالعديد من الجوائز، معروضة في المتاحف والمعارض في جميع أنحاء العالم.


إعادة نشر مقالتنا عبر الانترنت أوطباعة تحت رخصة النشاط الابداعي

إعادة نشر هذا المقال


Material from GIJN’s website is generally available for republication under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International license. Images usually are published under a different license, so we advise you to use alternatives or contact us regarding permission. Here are our full terms for republication. You must credit the author, link to the original story, and name GIJN as the first publisher. For any queries or to send us a courtesy republication note, write to hello@gijn.org.

إقرأ التالي

دليل فصل مصادر

خمس عشرة نصيحة للتّحقيق في جرائم الحرب

كانت تغطيةُ الانتهاكات أثناء صراعٍ مفتوح مهمّةً شاقّةً وتهدّد الحياة في السّابق، أمّا الآن فقد باتت أسهل بفضل تقنياتِ الإبلاغ مفتوحةِ المصدر. وبفضل كاميرات الهواتف المحمولة المتطوّرة، أصبحتْ المواد الرقميّة التي يرفعها المقاتلون الآن بأنفسهم على وسائل التّواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع على الإنترنت عالية الدّقة.

نصائح وأدوات

الاستقصاء عن الاتجار بالسلاح

غالبًا ما يكون الصّحفيّون الاستقصائيّون أوّلَ منْ يحدّد النّشاط غير المشروع أو غير القانونيّ أو الفاسد الذي ينطوي على أسلحة، وهي أنشطةٌ مرتبطةٌ في الغالب بنزاعات قائمة أو قادمة، وبالجريمة المنظَّمة، والفساد، واستغلال الموارد الطبيعيّة.

ورقة نصائح الأمن والأمان نصائح وأدوات

كيف يمكن للصّحفيين أن يعتنوا بأنفسهم عند التّحقيق في الصور القاسية للحرب والصراع

يواجه خبراء المصادر المفتوحة كمًا هائلاً من الصّور القاسية. فكيف يمكن للصّحفيين حماية أنفسهم من الأذى الناجم عن مشاهدة الصّور الصّادمة باستمرار؟
التّحقيقات مفتوحةُ المصدرِ التي كانت في السابق محصورةً بمواقع متخصّصة مثل Bellingcat، دخلت عالم الصحافة السائدة، مدفوعة بالحاجة إلى التحقُّق على الفور من كميات كبيرة من الصور ومقاطع الفيديو والادّعاءات. بات لدى وسائل الإعلام الكبيرة مثل بي بي سي ونيويورك تايمز فرق مخصصة للتّحقيقات البصريّة، وتزايدت أهمية عملها في سياق حرب المعلومات.