إعداد إمكانية الوصول

خيارات الألوان

لون أحادي لون باهت مظلم

أدوات القراءة

عزل حاكم

متحف الإبادة الجماعية في تول سلينغ يوثق الإبادة الجماعية في كمبوديا. يقع المتحف في بنوم بنه، وكان الموقع سابقًا مدرسة ثانوية ويعرض صورًا للضحايا الذين احتجزوا في سجن الأمن 21 وقتلوا على يد نظام الخمير الحمر من عام 1975 حتى سقوطه في عام 1979.

مصادر

» دليل

مواضيع

دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب: ما الذي يُعدُّ قانونيًا في الحرب؟

إقرأ هذه المقال في

تدفع أهوال الحرب ودمارها المرءَ إلى الاعتقاد بأنه ما من قوانين تُتّبع في الصراع، وأن أي محاولة لتنظيم العنف قد تبدو بلا جدوى. ومع ذلك فإن مجرد رعبنا في مثل هذه السياقات من أفعال معيّنة أكثر من غيرها، فهذا يدلّ على أننا نؤمن أنه يجب أن يكون هنالك حدود للحروب. هذه قناعةٌ تعود إلى قرون مضت، مع أن التوافق على ماهية هذه الحدود لم يكن موجودًا دائمًا.

بموجب القانون الدّولي اليوم، يشير مصطلح “جريمة حرب” إلى انتهاكات محدّدة وخطيرة للقانون الإنساني الدولي تؤدّي إلى مسؤوليّة جنائيّة فرديّة.

قوانيننا الحديثة للحرب استُنبطت في القرن التّاسع عشر، حيث اتّفقت الدّول على التّوقيع على الاتّفاقيات الدّولية الأولى لحماية المدنيين والمرضى والجرحى في القتال. وقد تبعَ ذلك معاهدات دوليّة متعددة، بما في ذلك اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، والتي باتت النّصوص التي تحظى بالاعتراف العالميّ الأوسع فيما يتعلق بقوانين الحرب. تمّت صياغة هذه الوثائق الأربع في أعقاب الحرب العالميّة الثانيّة مباشرة، وقد حفّزت الدول على صياغة قواعد وأعراف الحرب المتوافق عليها والالتزام باحترامها.

ظهر مفهوم “جريمة الحرب” مع ظهور هذه المعاهدات، كمصطلحٍ لوصف أخطرِ انتهاكات قوانين الحرب هذه. أرستْ محاكمُ نورمبرغ وطوكيو في أعقاب الحرب العالمية الثانية، قواعدَ هذه المحاكمات الدّولية لجرائم الحرب، وكذلك الأمر في تسعينات القرن العشرين مع المحاكم الدوليّة التي أقامتها الأمم المتحدة في يوغوسلافيا السّابقة ورواندا.

لكن قوانين الحرب قد تكون مهمةً أيضا خارج المحاكم. يمكن أن تهم الأفراد المتضررين من العنف، الرّاغبين في أن يُقرَّ لهم بأنهم كانوا ضحية للظلم، حتى لو لم يتمكنوا من رفع قضايا في المحاكم. يمكن أن تكون القوانين مهمةً أيضًا للجنود المشاركين في النّزاعات، الذين يريدون أن يعرفوا أنهم يقاتلون من أجل قضيّة عادلة بطريقة عادلة.

بموجب القانون الدّولي اليوم، يشير مصطلح “جريمة حرب” إلى انتهاكات محدّدة وخطيرة للقانون الإنساني الدّولي تؤدّي إلى مسؤولية جنائيّة فرديّة. ومع ذلك، لا يُعدٌّ كل انتهاكٍ لقوانين الحرب جريمةَ حرب، ولا تُعدّ كلّ وفيات المدنيين في الحرب جرائم حرب، أو حتى انتهاكات. علاوة على ذلك، تعتمد قوانين الحرب المعمول بها وآليات الإنفاذ المتاحة (بما في ذلك المحاكم الدولية) على المعاهدات التي وقّعت عليها كلّ دولة.

يقدم هذا الفصل لمحةً عامّةً أساسيّة عن القوانين المعمول بها في النّزاعات المسلحة – والأفعال التي قد تكون مشروعةً وقد لا تكون.

رغم أن الفهم الشائع لمصطلح “جريمة الحرب” قد بات منفصلاً تقريبًا عن السّياق القانونيّ، إلا أن فهم معناه القانوني الدقيق مفيد، وكذلك فهم القوانين الأوسع التي  يُعمل بها في الحرب، لضمان العمل الصحفي الموثوق والمساهمة في مكافحة الإفلات من العقاب على جرائم الحرب. ومن المهم أيضًا أن ندرك أن بعض أعمال الحرب لها عواقب وخيمة، بما في ذلك الخسائر في الأرواح أو إصابات المدنيين الخطيرة، دون أن تكون هذه الأفعالُ جرائمَ حرب. إن الإبلاغ عن هذه الأفعال مع الإقرار بعدم حدوث أي انتهاك قانونيّ يمكن أن يكون مهمًا لمساءلة الدّول سياسيًا للحد من الأذي اللاحق بالمدنيين في النّزاعات المسلّحة.

يقدم هذا الفصل لمحة مختصرة عن القوانين المعمول بها في النزاعات المسلحة – والأفعال التي قد تكون قانونية أم لا. وهو ليس دليلاً شاملاً ويمكن العثور على مزيد من الموارد في الأجزاء اللاحقة من هذا الدّليل. اللجنة الدّولية للصّليب الأحمر (اللجنة الدولية) مصدرٌ موثوقٌ لتفسير القواعد المعمول بها في النزاعات المسلحة، وتوفر موارد مفيدة للصحفيين الذين يغطّون النّزاعات المسلحة.

القوانين المعمول بها

محطة إذاعية تقرأ قائمةً بأسماء الأطفال المفقودين مرّتين في اليوم، تقدّمها اللجنة الدّولية للصليب الأحمر، على أمل لمّ شمل العائلات، في “مينوفا”، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، في 29 كانون الثاني/يناير 2009. تم لم شكل الكثير من
العائلات بهذه الطريقة.

بوجه عام، يُعمل بالقوانين التّالية في النّزاعات المسلّحة:

  • القانون الدولي الإنساني (المعروف أيضًا باسم قوانين الحرب أو قوانين النّزاع المسلّح)، الذي ينظّم تصرّفات الدول والجماعات المسلّحة غير التّابعة للدّول المشاركة في النّزاع. تتناول هذه المجموعة من القوانين بشكل أساسي مسؤوليّةَ الدّولة (أو مسؤوليّة الجماعات المسلّحة) بدلا من المسؤوليّة الفرديّة.

القانون الجنائي الدّولي، الذي ينظّم المسؤولية الجنائية الدولية للأفراد المرتكبين للجرائم الدولية (الإبادة الجماعيّة، والجرائم ضد الإنسانيّة، وجرائم الحرب) داخل النّزاع المسلح وخارجه. وعلى الرغم من أن القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي مرتبطان، فإنهما قانونان مستقلان عن بعضهما.

  • القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي ينظّم التزام الدول (وفي بعض الحالات الجهات الفاعلة من غير الدول) تجاه الأفراد الموجودين في إقليمها و/أو ولايتها القضائية، إلا أن إنفاذه قد يختلف أحيانًا في النّزاعات المسلّحة.
  • القوانين المحلية للدّول.
  • القوانين والاتّفاقيات الدوليّة الأخرى التي أبرمتها الدولة، على الرغم من أن إنفاذها قد يختلف في النزاع المسلح.

لا يُعمل بالقانون الدّولي الإنساني إلا في الحالات التي يُقرَّر اعتبارها نزاعات مسلحة بناء على معايير قانونيّة محدّدة.

لا يُعمل بالقانون الدولي الإنساني إلا في الحالات التي يُقرَّر اعتبارها نزاعات مسلحة بناء على معايير قانونيّة محدّدة.

القانون الأكثر صلة بأعمال الحرب هو القانون الدّولي الإنساني، الذي لا يُعمل به إلا أثناء النزاع المسلّح وينظّم مسائل مثل من لا يجوز استهدافه (انظر مبدأ التّمييز أدناه)، والوسائل والأساليب التي يمكن استخدامها أثناء الأعمال العسكريّة (مثل الأسلحة المحظورة)، ومعاملة المأسورين لدى أطراف النّزاع.  بما في ذلك الأشخاص المحتجزون وكذلك الأشخاص الذين كفّوا عن المشاركة في الأعمال العدائية.

أنواع النزاعات المسلحة

لا ينطبق القانون الدولي الإنساني إلا على الحالات التي يُقرَّر اعتبارها نزاعات مسلحة بناء على معايير قانونيّة محددة.

هنالك نوعان مختلفان من النّزاعات المسلحة:

  • النّزاعات المسلّحة الدولية بين الدّول.
  • النزاعات المسلّحة غير الدّوليّة بين الجماعات المسلّحة من غير الدول ودولة، أو بين جماعتين مسلحتين أو أكثر من غير الدّول (يشار إليها أحيانا باسم الحروب الأهلية أو النزاعات الداخلية).

وهذا التّمييز مهم لاختلاف الإطار القانونيّ المعمول به، رغم أن القواعد الأساسيّة الأساسية لا تختلف. يتميز الاثنان بالجهات المشاركة في الصّراع. وتنطوي بعض الصراعات على كِلا نوعي الصّراعات المسلّحة، التي يجب تصنيفها بشكل منفصل. تعتبر حالات الاحتلال المسلّح، التي تحتل فيها دولة جزءًا أو كامل أراضي دولة أخرى، نزاعات مسلّحة دوليّة، وتوجد قواعد محدّدة تحكم هذه الحالات في المعاهدات والعرف. قد لا يكون وجود نزاع مسلح – وما يتصل به من تطبيق قواعد القانون الدّولي الإنساني – واضحًا دائما منذ البداية (خاصةً في حالات النّزاعات المسلّحة غير الدّولية)، ولكن بعض المؤسسات تضع خريطةً بالنزاعات المحتملة الجارية في جميع أنحاء العالم.

المصطلحات: كيف يختلف “النزاع المسلح” عن “الحرب”

يُطبّق القانون الدولي الإنساني منذ بداية أيّ “نزاع مسلح”. هذا مصطلح قانوني متميّز قد يتقاطع مع مصطلحات سياسيّة أخرى مثل “الحرب”. قد يُستخدم مصطلح  اندلاع “الحرب” بالمعنى السياسي (على سبيل المثال: “الحرب الأهلية” أو “الحرب على المخدرات” أو “الحرب على الإرهاب”)، ولكنه قد يشمل نزاعًا مسلحًا وقد لا يشمله، وبالتالي يحدد ما إذا كان القانّون الدولي الإنساني منطبقًا عليه أم لا. توجد معايير قانونية لتحديد ما إذا كان هنالك نزاع مسلح أم لا:

  •  يندلع النّزاع المسلح الدولي باستخدام القوة المسلحة بين الدّول ذات السّيادة (من الناحية النظرية، مجرد إطلاق رصاصة واحدة عبر الحدود قد يفي بمتطلبات التّعريف).
  • يعتمد وجود نزاع مسلح غير دولي على طول أمد العنف وشدّته، والهيكل التنظيمي للجماعة (الجماعات) المسلحة المتحاربة.

 

لا تنطبق كل القوانين على كل الدّول

بموجب القانون الدّولي، لا تلتزم الدّول إلا بالقوانين التي وافقت عليها، عادةً من خلال المصادقة على المعاهدات (توقيعها وتنفيذها في القانون المحلي)، أو من خلال القانون الدّولي العرفي. قاعدة بيانات معاهدات الأمم المتّحدة، وقاعدة بيانات اللجنة الدّولية للصّليب الأحمر، وغيرها من المصادر على الإنترنت تحتوي على قوائم ومعلومات عن الدّول المصادِقة على المعاهدات.

تلتزم أطراف النزاع المسلح بما يلي:

  • قانون المعاهدات
  • وهو ملزِم فقط للدّول التي صدّقت على المعاهدة المعنيّة.
  • معاهدات القانون الدّولي الإنساني، مثل اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، التي صادقت عليها كلّ الدّول المعترف بها (لكنها تفتقر إلى أحكام مفصّلة بشأن قواعد معيّنة، بما في ذلك الأحكام المعمول بها في النّزاعات المسلّحة غير الدّوليّة)؛ وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1977 (التي لم تصادق عليها جميع الدول، ومنها الولايات المتّحدة وباكستان وإيران).
  • ويقصد به القوانين المستَمدّة من ممارسة الدّول وقبولها كقانون، على الرغم من أنها غير مدوّنة في معاهدات صادقت عليها الدّولة.
  • على سبيل المثال، رغم أن بعض الدّول لم تصادق على البروتوكول الإضافي الأول لاتّفاقيات جنيف، والذي يتضمن قاعدة عدم جواز استهداف المدنيين (المادة 48)، إلا أن هذه القاعدة ما زالت تُعتبر قانونًا دوليًا عرفيًا ملزِمًا لجميع أطراف النّزاع المسلّح.

تخضع شرعيّةُ بدءِ نزاعٍ مسلّح لقواعد منفصلة من القانون الدولي (القوانين المتعلّقة باستخدام القوّة بين الدول). ولكن الطريقة أو السبب الذي اندلع لأجله النزاع  لايؤثر على القواعد التي تنطبق في النزاع المسلّح. وباختصار، تنطبق نفس القوانين الإنسانيّة الدوليّة سواء بدأ النزاع المسلح بشكلٍ قانوني أم لا.

قواعد الحرب

توجد قواعد مفصّلة لتنظيم سير الأعمال العدائيّة بموجب القانون الإنسانيّ الدّولي، وهنالك قواعد لحماية الأشخاص غير المنخرطين في الأعمال العدائية أو الذين كفّوا عنها (على سبيل المثال المحتجزون والمرضى والجرحى). وتدلّ القواعد الواردة أدناه على بعض المبادئ وتدابير الحماية الرّئيسيّة بموجب القانون الدّولي الإنساني، ولكنها ليست شاملة.

سير الأعمال العدائية

وهناك قاعدتان أساسيتان تنطبقان على سير الأعمال العدائية هما مبدآ التمييز ومبدأ التناسب.

  • التمييز
  • وينصّ مبدأ التمييز على وجوب تمييزِ أطراف النزاع المسلح بشكل دائمٍ بين المدنيين والمشاركين في الأعمال العدائية (بمن فيهم المقاتلون)، وكذلك بين الأعيان المدنيّة والبنية التحتيّة والأهداف العسكريّة. ولا يجوز استهداف الأهداف العسكريّة والمشاركين في الأعمال العدائية إلا بالهجوم بصورة مشروعة.

أسرى حرب بوسنيّون وكروات في معسكر الاعتقال في “مانياكا”، البوسنة، 22 أغسطس/آب 1992. كانت جميع أطراف الصّراع البوسني تدير معسكرات اعتقال، قُتل فيها الكثيرون، واتُّهم العديد من القادة في وقت لاحق بارتكاب جرائم حرب.

من الذي يمكن استهدافه؟ من حيث الأشخاص، فإن المقاتلين والمنخرطين مباشرة في الأعمال العدائيّة هم وحدهم الأهداف المشروعة. ومع ذلك، فإن قتل المدنيين أو تعرّضهم للأذى ليس بالضّرورة نتيجةً لهجوم غير قانوني، إذا تم احترام جميع قواعد الاستهداف.

ما الذي يمكن استهدافه؟ الأهداف العسكريّة تشمل أي شيء يساهم بشكلٍ فعّال في الجهد العسكريّ من حيث موقعه أو غرضه أو استخدامه، والذي من شأن تدميره الجزئي أو الكلي أن يوفّر ميزة عسكريّة أكيدة تبعًا للظروف في ذلك الحين. ومن ثم فإن الأعيان المدنية بطبيعتها (مثل المباني المدنيّة والجسور والطّرق) قد تصبح أهدافًا عسكريّة تبعًا للظروف، مثلاً إذا استخدمت لإيواء أو نقل معدّات عسكرية. ومع ذلك، فإن طرفي النزاع ملزمان بتجنّب الاستخدام العسكري لبعض الأعيان المدنية، وخاصّة المرافق الطبيّة (انظر أدناه إلى “الشّارات المحميّة والغدر”).

إذا كان هناك أيُّ شك حول ما إذا كان الشّخص أو العين عسكريًا أو مدنيًا، يُفترض أنه مدني ويُحظر الهجوم عليه.

بموجب القانون الدّولي الإنسانيّ، فإن مصطلح “مقاتل” له تعريفٌ قانونيٌّ محدّد، يعني جميع أفراد القوّات المسلّحة للدولة (باستثناء العاملين في المجال الطبّي والدّيني). يُعتبر المقاتلون أهدافًا عسكريّة، وبالتالي يمكن استهدافهم بشكل قانونيّ، ما لم يكونوا عاجزين عن القتال (على سبيل المثال، جرحى أو مرضى أو مُستسلمين)، ويحق لهم الحصول على وضع أسير الحرب إذا أسره العدو.

بموجب القانون الإنساني الدّولي، يعتبر أي شخص غير مقاتل “مدنيًا” من الناحية القانونية. ومع ذلك، قد يفقد المدنيون حمايتهم القانونيّة من الهجمات إذا شاركوا بشكل مباشر في الأعمال العدائيّة، إلا أن تفاصيل توقيتِ ومدةِ فقدانِ هذه الحماية قد تكون موضع خلاف في بعض الأحيان. لذلك، يعتبر أعضاء الجماعات المسلّحة من غير الدّول من الناحية القانونيّة مدنيين فقدوا حمايتهم من الهجمات لمشاركتهم في الأعمال العدائيّة. تستخدم مصطلحات مثل “مقاتل” أو “وظيفة قتالية مستمرة” أحيانًا للدّلالة على أعضاء هذه الجماعات المسلّحة.

وأيًا كانت أفعال المقاتلين والمدنيين على حد سواء، فلا يمكن أبدًا أن يفقدوا جميع أشكال الحماية الممنوحة لهم بموجب القانون الدولي، مثل الحق في المعاملة الإنسانيّة.

  • التّناسب
  • ينصّ مبدأ التّناسب على كون الهجوم غير قانوني إذا كان سيتسبب في أضرار مدنيّة أكبر بكثير من التّقدُّم العسكريّ المباشر المتوقّع من الهجوم. على سبيل المثال، قصف هدف منخفض القيمة، مثل شاحنة عسكريّة فارغة، في سوق مزدحم، وبالتالي قتل الكثير من المدنيين، من المحتمل أن يفشل في اختبار التّناسب.

ومن ناحية أخرى، فإن الهجوم الذي يتسبّب في إصابة أو وفاة المدنيين أو إلحاق الضرر بالبنية التحتيّة المدنيّة قد لا يكون غير قانوني إذا كان التقدّم العسكريّ المتوقّع أكبر من مقدار الضرر المدنيّ (الذي يشار إليه أحيانا باسم “الأضرار الجانبية” أو “الضرر العرضي”). وبالتّالي، لا تشكل جميع وفيات المدنيين جرائم حرب أو انتهاكات للقانون الإنسانيّ الدّوليّ. يعتمد مبدأ التّناسب على ما كان معروفًا وقت اتّخاذ القرار والهجوم، ولا يتم تقييمه بأدلّة قد تتضح بعد وقوعه. وعلاوة على ذلك، فإنه يقوم على التوازن بين الإنسانيّة والضّرورة العسكريّة، التي لا توجد حسابات دقيقة لها. هذا يمكن أن يصعّب تقييم الامتثال لمبدأ التناسب.

الاحتياطات في الهجوم

اتّخاذ القرار حيال مشروعية الهجوم بموجب القانون الإنساني الّدولي (أي ما إذا كان يحترم مبادئ التّمييز والتّناسب) يتطلّب ممّن يخططون وينفّذون العمليّات العسكريّة اتخاذ الاحتياطات المستطاعة عند الهجوم. ويشمل ذلك توخي الحذر المستمر لحماية المدنيين من الضرر أثناء العمليّات العسكريّة، والتحقق من أن الهدف عسكري وليس مدنيًا، وإلغاء أو تعليق الهجوم إذا كانت القوة المستخدمة عشوائيّة أو غير متناسبة، وإرسال التحذيرات في الهجوم عندما تقتضي الحاجة.

الالتزام بالاحتياطات يشمل أيضًا حماية المدنيين والأعيان المدنيّة من آثار الهجوم، على سبيل المثال، باختيار عدم وضْعِ معدات عسكريّة أو أفراد عسكريين في مناطق مكتظّة بالسكان.

الأسلحة

ينظّم القانون الدّولي الإنساني وسائلَ الحرب وأساليبها، بما في ذلك أنواع الأسلحة التي يجوز أو لا يجوز استخدامها. ويشمل ذلك الأسلحة العشوائية، بطبيعتها، إذا لم تكن قادرةً على التّمييز بين الأهداف المشروعة وغيرها، والأسلحة التي من شأنها أن تسبب إصابات أو آلامًا لا مبرّر لها. كما أن بعض الأسلحة محظورة أو منظّمة بموجب معاهدات معيّنة (مثل الأسلحة البيولوجيّة والكيميائيّة، والألغام الأرضيّة، والرصاص المتفجّر).

 

أربعة إلى ستة ملايين لغم أرضي غير منفجر تُركت في الأراضي الكمبوديّة بعد قرابة ثلاثة عقود من الحرب الأهلية ، ولا تزال البلاد تعاني من عشرات الضحايا كل عام بسبب هذه الذخائر.

تدابير الحماية الأخرى بموجب القانون الدّولي الإنسانيّ

يوفّر القانون الدّولي الإنساني الحماية لمن لم ينخرطوا في الأعمال العدائية أو تركوها. هذا تلخيص لبعض هذه التدابير.

  • معاملة المحتجزين

يجب أن يُعامل أي شخص غير منخرطٍ في الأعمال العدائية أو منْ تركها معاملةً إنسانيّةً في جميع الحالات، بما في ذلك حمايته من التّعذيب أو المعاملة اللاإنسانية والمهينة. يحقّ للمدنيين المحتجزين لأسباب متعلقة بالنزاع المسلح الحصول على ضمانات قضائية محدّدة في النّزاعات المسلّحة الدّوليّة. يحقُّ لأسرى الحرب – وهو وضع لم ينصّ عليه إلا في النزاعات المسلّحة الدّوليّة – الحصول على حماية محددة تمّ تفصيلها في اتّفاقيّة جنيف الثالثة لعام 1949، بما في ذلك الحقّ في الضّمانات القضائيّة، والحماية من الخدمة في قوّات الدولة المعادية، والقواعد المتعلّقة باتصالهم بالعالم الخارجي.

  • الاحتلال

يضمّ القانون الإنساني الدّولي قواعد محدّدة تضبطُ الاحتلال، والذي يُفترض دائمًا أن يكون مؤقتًا بطبيعته. وتشمل هذه القوانين تفاصيل حول حكم الأراضي وكذلك حظر التّهجير القسريّ والعقوبات الجماعيّة. علاوة على ذلك، من المرجح أن يكون على قوى الاحتلال التزامات بموجب القانون الدّولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بمن هم تحت سيطرتها.

  • إساءة استخدام الشّارات المحمية

ينصّ القانون الدولي الإنساني على تعزيز الحماية في بعض الحالات، بما في ذلك استخدام شارات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والكريستالة الحمراء. والاستخدام المحمي لهذه الشارات أمر بالغ الأهمية لاحترام القواعد الإنسانيّة في النّزاعات المسلّحة. يجب أن تثق أطراف النزاع في أن لا أحد، بما في ذلك خصومها، يسيء استخدام الشارات من أجل الحفاظ على رمزيّتها للحياد والحماية. ويُعدُّ تشويه أيّ وضعٍ مدنيّ أو محميّ، بما في ذلك هذه الشارات، انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي. إن للجوء للغدر، أي استخدام أشكال الحماية هذه من أجل القتل أو الجرح أو الأسر، يشكّل جريمة حرب.

“ماما بونا”، متطوّعة في اللجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر لتوزيع المواد الغذائية في “ساكي”، جمهورية الكونغو الديمقراطية، 2009. وهي تعتني بالأطفال الأيتام وغير المصحوبين بذويهم منذ عام 1992. لديها أربعة أيتام روانديين وهي مسؤولة عن الإشراف على الأسر الحاضنة الأخرى.

جرائم الحرب

يتعامل القانون الدّولي الإنسانيّ مع مسؤوليّة أطراف النّزاع، مثل الدول والجماعات المسلّحة من غير الدّول. يشير مصطلح “جرائم الحرب” إلى مجموعة فرعيّة من الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدّولي التي تؤدي إلى المسؤوليّة الجنائيّة الفرديّة. لكن من المهم أن نعرف أن ليس كلّ انتهاكٍ للقانون في الحرب يُعدُّ جريمة حرب. وبالمثل، لا تشكّل جميع وفيات المدنيين جرائمَ حرب أو انتهاكات للقانون الدّولي.

انتهاكات مبادئ التمييز والتناسب تُعتبر جرائم حرب، شأنها في ذلك شأن التّعذيب والمعاملة اللاإنسانية للمحتجزين، أو الاستخدام الغادر للشّارات المحميّة. يحتوي نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدّولية على قائمةٍ بجرائم الحرب في النّزاعات المسلّحة الدّوليّة وغير الدّوليّة. رغم أن بعض الدول لم تصادق على نظام روما الأساسي، إلا أن جرائم الحرب المدرجة فيه تعتبر عمومًا تمثلُ الفهمَ الدّوليَّ العرفيَّ للمصطلح.

الدول ملزمة بالتّحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها قوّاتها المسلّحة ورعاياها، وكذلك تلك المرتَكبة داخل أراضيها و/أو ولايتها القضائيّة، ومحاكمة المشتبه بهم عندما تقتضي الحاجة. وقد تختار بعض الدول التّحقيق في أيّ جريمة حرب ومقاضاة مرتكبيها، بغض النّظر عن مكان ارتكابها وهويته، وهو مبدأ يُعرف باسم “الولايّة القضائيّة العالميّة”.

الإبادة الجماعيّة والجرائم ضد الإنسانيّة

الإبادة الجماعيّة والجرائم ضد الإنسانيّة شكلان آخران من أشكال الجرائم الدوليّة، وهما أيضًا مفهومان ظهرا في أعقاب الحرب العالميّة الثانية لمحاكمة الجرائم الدوليّة المرتكبة في السّنوات السابقة. وكلاهما مدوّن الآن في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.  تعتبر اتفاقيّة الإبادة الجماعيّة لعام 1948 أيضًا قانونًا دوليًا عرفيًا ملزِمًا لجميع الدّول. ملاحظة: الإبادة الجماعيّة والجرائم ضد الإنسانيّة لها عناصر إجراميّة مختلفة عن جرائم الحرب:

  • يجب أن تُرتكب الجرائم ضد الإنسانية ضمن “هجوم واسع النّطاق أو منهجي”.
  • يجب أن ترتكب الإبادة الجماعيّة “بقصد التّدمير الكلّي أو الجزئي لجماعة قوميّة أو إثنيّة أو عرقيّة أو دينيّة”.
  • يمكن أن ترتكب الإبادة الجماعيّة والجرائم ضدّ الإنسانيّة في الصراع المسلح أو خارجه.

وعادةً ما ترتكب هاتان الجريمتان الدّوليتان على نطاق واسع، على عكس جرائم الحرب التي يمكن ارتكابها في حالات فرديّة. وبالتّالي فإن تحديد وجود جرائم ضدّ الإنسانيّة أو إبادة جماعية يتطلّب تحديد نمط هذه الجرائم ونواياها وحجمها. تكون جرائم الحرب في بعض الأحيان جزءًا من الإبادة الجماعيّة أو الجرائم ضد الإنسانيّة.

صورة لمعسكر الموت في “أوشفيتز” وعلى مدخله يافطة “Arbeit Macht Frei” (العمل يحرر الإنسان) أوشفيتز، بولندا، 2009.

انتهاكات أخرى

إن جرائم الحرب ليست الانتهاكات الوحيدة للقانون الإنسانيّ الدّوليّ التي تؤدّي إلى عواقب وخيمة. هنالك انتهاكات أخرى، مثل عدم اتخاذ الاحتياطات في الهجوم، قد يؤدّي هذا إلى خسائر في الأرواح أو إصابة المدنيين و/أو الممتلكات المدنية بأذى بالغ، حتى وإن لم يكن هنالك مسؤولٌ جنائيٌ واحدٌ عن الفعل. يمكن أن تشكّل إساءة استخدام شارات الحماية جريمةَ حرب إذا ارتُكبت بطريقة غادرة، ولكنّها في جميع الحالات تشكّل أيضًا انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي ويمكن أن تكون لها عواقب وخيمة إذا قوّضت الثّقة في الأعيان الطبّية والإنسانيّة والعاملين في المجال الطبي. الدّول ملزمة بالتّحقيق في هذه الانتهاكات المحتملة وقمعها.

“مزعوم” أو “ممكن”: تحديد إن كانت جريمة الحرب أو الانتهاك قد وقع

على الصحفيين أن يضعوا في اعتبارهم أن تحقيقاتهم نادرًا ما تتمكن بمفردها من إثبات وقوع انتهاكات للقانون الدّولي.

عند مراقبة حادث أو الإبلاغ عنه، لن يكون من الممكن في العادة إثبات وقوع جريمة حرب. كل الأفراد، بمن فيهم المتّهمون بارتكاب جرائم حرب، لهم الحق في محاكمة عادلة وافتراض البراءة (أو حق معادل له في التّشريعات المحلية). ولهذا السّبب، لا يجوز للمحكمة أن تثبت ارتكاب جريمة حرب أو أي انتهاك آخر للقانون الإنسانيّ إلا بعد إجراء تحقيق فعال وإجراء محاكمة. عند الإبلاغ عن أعمال قد تشكّل جرائم حرب، من الدقيق قانونًا الإبلاغ عن جرائم حرب “مزعومة” أو “محتملة”.

وفي معظم الحالات، يتطلّب إثبات وجود انتهاك للقانون الدّولي الإنساني معلومات داخليّة لدى المؤسّسات العسكريّة أو مؤسسات الدولة. على سبيل المثال، يمكن أن يشمل ذلك شهاداتٍ ومعرفة معاصرة عن الهجوم، وما هي المعلومات الاستخباراتيّة المستخدمة، وما هو الهدف الفعلي، وكيف تمّ حساب الضّرر المدني المتوقع وموازنته مع التقدّم العسكري المباشر المتوقع، وما هي الاحتياطات الممكنة التي تمّ اتخاذها.

ويقع على عاتق الدول الالتزام الأساسي بإجراء تحقيقات في الانتهاكات المحتملة. وعندما تفشل في إجراء تحقيق فعّال، قد تتدخّل هيئات أخرى، بما في ذلك الهيئات الدولية مثل المحكمة الجنائيّة الدّولية أو وكالات الأمم المتّحدة. يمكن أن يكون للمجتمع المدني، بما في ذلك الصحفيون ومنظمات حقوق الإنسان، دور مهم يلعبونه في التّوعية بالانتهاكات المحتملة أو المزعومة، فضلاً عن انتقاد الدّول إلى فشلها في التّحقيق في الانتهاكات. يمكن أن يكون فهم القانون والإشارة إلى الانتهاكات المحتملة دافعًا قويًا للعمل. في كثير من الحالات، قد تؤدّي جهود التّحقيق غير الحكومية هذه إلى المساءلة في نهاية المطاف. ومع ذلك، على الصحفيين أن يضعوا في اعتبارهم أن تحقيقاتهم نادرًا ما تتمكّن بمفردها من إثبات وقوع انتهاكات للقانون الدّولي، وينبغي بذل الجهود لعدم الإضرار بالتّحقيقات المحتملة في المستقبل.

مسؤوليّة القيادة

مفهوم مسؤوليّة القيادة هو مفهوم فريد بموجب القانون الدّولي يمكن أن يؤدّي إلى تحميل القادة المسؤوليّة المباشرة عن أفعال مرؤوسيهم. بموجب القانون الجنائيّ الدّولي، يمكن أن يمتدّ هذا إلى الرّؤساء المدنيين (وليس فقط القادة العسكريين). هناك نوعان من هذه المسؤولية:

وقد درست المحاكم الجنائيّة الدوليّة هذا المفهوم بالتّفصيل. هناك عناصر قانونية مختلفة للمفهوم يجب استيفاؤها، بما في ذلك أن القائد “كان على علم أو كان ينبغي أن يعرف” بجرائم الحرب، وأنه لم يتّخذ التدابير “الضروريّة والمعقولة” في حدود سلطته للتصرّف.

محاكم جرائم الحرب – وغيرها من المحاكم –

قاعة المحكمة في المحكمة الجنائيّة الدّوليّة ليوغوسلافيا السابقة، وهي هيئة تابعة للأمم المتّحدة أنشئت لمحاكمة جرائم الحرب التي ارتكبت خلال الحروب اليوغوسلافيّة ومحاكمة مرتكبيها. وكانت محكمة مخصصة تقع في “لاهاي”، هولندا.

يمكن إجراء محاكمات جرائم الحرب في محاكم مختلفة على المستويين المحلّي والدّولي، اعتمادًا على المعاهدات التي وقّعتها الدّول المعنية، والإرادة السياسيّة للدول التي يمرّ فيها الجناة أو يقيمون فيها:

  • الدّول التي تختار قبول اختصاص المحكمة (كما هو الحال في أوكرانيا).
  • تعطي المحكمة الجنائية الدولية الأفضلية للملاحقة القضائية المحليّة للجرائم الدّوليّة، ولا تتدخل إلا إذا كانت الدولة غير قادرة أو غير راغبة في اتّخاذ إجراءات بحق الجناة المزعومين.
  • محكمة العدل الدوليّة لا تحاكم الأفراد. إنها محكمة لتسوية النّزاعات بين الدّول، وقد تصدر أيضًا آراء نُصحيّة بشأن مسائل القانون الدولي. وقد تجد دولةً مسؤولةً عن انتهاكات التزاماتها بموجب القانون الدولي (مثل واجب منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها).

وقد أنشئت محاكم مخصصة أو مختلطة مختلفة في فترات انتقاليّة في أعقاب صراعات معينة لملاحقة الجرائم الدّوليّة المرتكبة خلال ذلك الصّراع. ومن الأمثلة على ذلك محكمتا نورمبرغ وطوكيو في أعقاب الحرب العالمية الثّانية، والمحكمتان المخصصتان اللتان أنشئتا في يوغوسلافيا السابقة ورواندا، والمحاكم المختلطة التي أنشئت في كمبوديا وسيراليون ولبنان وتيمور الشرقيّة.


د. كلير سيمونز هي خبيرة قانونية في القانون الإنساني الدولي. هي محاضرة أولى في الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست، وزميلة في مركز النزاعات والأزمات المسلحة بجامعة إسكس. لديها خبرة في العمل على القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في المؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الربحية. الآراء الواردة في هذا الفصل هي آراء المؤلفة ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو مواقف أي من المؤسسات التابعة لها.

إعادة نشر مقالتنا عبر الانترنت أوطباعة تحت رخصة النشاط الابداعي

إعادة نشر هذا المقال


Material from GIJN’s website is generally available for republication under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International license. Images usually are published under a different license, so we advise you to use alternatives or contact us regarding permission. Here are our full terms for republication. You must credit the author, link to the original story, and name GIJN as the first publisher. For any queries or to send us a courtesy republication note, write to hello@gijn.org.