إعداد إمكانية الوصول

خيارات الألوان

لون أحادي لون باهت مظلم

أدوات القراءة

عزل حاكم

"نادية مراد" الحائزة على جائزة نوبل للسّلام (في الوسط) تتفحّص مواقع جرائم الحرب المحتملة التي تسبب بها القصف الرّوسي في قرية "بوروديانكا" برفقة زوجة الرئيس الأوكرانيّ "أولينا زيلينسكا" (يمين)، في مايو 2023.

مصادر

» دليل

دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: توطئة بقلم “نادية مراد” الحائزة على جائزة نوبل للسّلام

إقرأ هذه المقال في

لم أعرف يومًا كم كانت قريتي صغيرة، حتى أدركتُ أن ساحة المدرسة تتسّع لنا حتّى آخر واحدٍ منّا.

كان ذلك في الخامس عشر من آب سنة 2014. جابت داعش طوال أسبوعين ضواحيَ قريتنا “كوجو”، وضايقتنا وروّعتنا. وفي النّهاية، استقرّوا. مدرستي، التي كانت مكانًا للسعادة والفرح، تحوّلت إلى حظيرة شرّيرة، إلى غرفة انتظار تقرّبُنا خطوةً من الإبادة الجماعيّة.

خلال ساعة، أطلقت داعش النّار على 400 من آبائنا وإخواننا وأبنائنا.

 أحثّ الصّحفيين الاستقصائيين على البحث عنّا، والبحث عنّا في وقت مبكر، نحن المخفيّون والضّعفاء، قبل أن تبدأ الفظائع.

بعد ذلك، تم تجميع النّساء والأطفال في حافلات وبيعهم في عبودية جنسيّة مرعبةٍ بشكلٍ لا يمكن وصفه. لن تغادرنا يومًا صدمةُ ما حدث في قريتنا يومها. وبينما كان العالم يدرك أن داعش كانت تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في العراق، لم تُنقل أخبارُ مأساتنا الشخصيّة.

كانت النّساء اليزيديات على هامش المجتمع في وقت السِّلم، ولكن مع احتدام الصراع، صرنا غير مرئيّات. ومع ذلك، لو أن أحدًا بحث عنّا لوجدَ الأدلّة. كتبتْ داعش بوضوح في بيانها أنّها تريد القضاء على اليزيديين بالقتل والاغتصاب وتغيير الدّين القسريّ. كما أن المسلحين كانوا يبيعون النّساء والفتيات اليزيديّات علنًا على وسائل التّواصل الاجتماعي.

هل كان أيّ شيء ليتغيّرَ لو أن صحفيًا روى قصّتنا مبكرًا؟ لا أعرف الإجابة. لكنني أحثُّ الصّحفيين الاستقصائيين على البحث عنّا، والبحث عنّا في وقت مبكر، نحن المخفيّون والضّعفاء، قبل أن تبدأ الفظائع. إنّكم أملنا الوحيد في كثيرٍ من الأحيان.

ربما تجدوننا في مخيّمات اللاجئين أو النّازحين. ربما نختبئ في ركام مدننا وقرانا. ربما نكون قد نجونا، لكننا خسرنا كلّ شيء. لا قوّة لنا إلا قصصنا.

أودّ أن أحثّ الصّحفيين على معرفة سبب عدم وجود نظامٍ قانونيٍّ أو سياسيٍّ لحماية أمثالنا، والتّحقيق في الأسباب الجذريّة لمشاكلنا. نعم، أرادت داعش أن تمحو اليزيديين عن وجه الأرض. ولكن لعلّ السؤال الأكبر هو: لماذا كادوا ينجحون في ذلك؟

بمجرد أن هربت من خاطفيَّ في العراق، بدأتُ أتكلّم. أردتُ أن يعرف العالم عن العنف الجنسيّ المنهجيّ الذي ترتكبه داعش. لم أكن أملك أداةً إلا صوتي أحاول بها إنقاذَ صديقاتي وأفراد عائلتي الذين كانوا ما يزالون في الأسر.

نادية مراد، الحائزة على جائزة نوبل للسّلام وسفيرة النوايا الحسنة لمكتب الأمم المتّحدة المعني بالمخدّرات والجريمة، تقدّمُ إحاطةً لاجتماع مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة بشأن المرأة والسّلام والأمن.

سأظل ممتنةً للأبد للصّحفيين الذين جاؤوا إلى المخيّمات وأسمعوا العالم صوتنا. كان الكثير منهم، مثل “جينا كرايسكي” – التي شاركتني كتابةَ مذكراتي-  طيّبين وحسّاسين، وأخذوا وقتهم حتى يفهموني قبل أن يبدأوا بطرحِ الأسئلة.

ومع ذلك، التقيتُ بالكثير من الصّحفيين الذين كان أسلوبهم القاسي في إجراء المقابلات مع الناجيات أقرب إلى قصة الصّحفي البريطانيّ المخزية في الكونغو سنة 1964، الذي سمعه النّاس وهو يسأل النّساء الهاربات من الحرب الأهليّة: “هل يوجد هنا منْ تعرّضت للاغتصاب وتتحدّث الإنجليزيّة؟

أنا أيضًا سُئلت أسئلةً شخصيّة وحميمة بشكل لا يصدَّق حول ما عشته، ولكن لم أُسأل أبدًا عن احتياجاتي. كنت أخرج من هذه اللقاءات وأنا أشعر وكأننّي لستُ إلّا مادةً صحفيّةً تمشي على قدمين. سلعة مرّةً أخرى. ولهذا السبب، شاركتُ في تأسيس مدوّنة مراد، وهو دليلٌ يركّز على الناجين ليستخدمه الاستقصائيون والصحفيون عند إجراء مقابلات مع ضحايا العنف الجنسي المصابين بصدمات نفسيّة.

بصفتي ناجيةً من العنف الجنسي والإبادة الجماعية المرتبطين بالنزاع، سُئلت عمّا نريد حدوثه.

جوابي هو نفسه دائمًا: العدالة.

يمكن طبعًا للعدالة أن تتّخذ أشكالاً مختلفة. ومع ذلك، نريد بأغلبية ساحقة أن نرى منْ ارتكبوا الجرائم بحقنا يُحاسبون على جرائمهم. يجب أن نعرف أن الجرائم لن تمرّ دون عقاب. أن الرجال الذين احتجزونا وأساءوا إلينا بأبشع الطّرق لن يهددونا أو يهدّدوا أي امرأة أخرى مرة ثانية.

إن العمل الذي يقوم به الصّحفيون الاستقصائيون في مناطق الحرب قادرٌ على إحداث فرق حقيقي وهذا الدّليل  أداةٌ مهمةٌ للصّحفيين الذين يودّون تسليط الضّوء على قصصنا.

لذلك، في حين أن العمل الذي يقوم به الصّحفيون الاستقصائيون مهم لفتح أعين العالم على الفظائع، فإن تقاريركم يمكن أن تكون أيضًا جزءا مهمًا من عمليّة التّوثيق. يمكن استخدام الأدلّة التي تجدونها لإثباتِ ارتكابِ جريمةِ حربٍ أو تعرُّض مجموعة للإبادة الجماعيّة. ويكتسب هذا الأمر أهمّيةً خاصّةً عندما يتعلق الأمر بالعنف الجنسي، الذي يعدّ أحد أكثر أسلحة الحرب انتشارًا – ولكن كثيرًا ما يتمّ تجاهله وتهميشه.

وبوصفنا مجتمعًا عالميًا، لا يمكننا أن نسمح لأولئك الأشخاص الذين يرتكبون هذه الجرائم أن يستمروا دون عقاب. إن جمع الأدلة ثم مساءلتها يجعل العالم مكانًا أكثر أمانًا.

تمّ جمع آلاف الأدلّة في العراق  من قبل الصّحفيين وفريق التّحقيق التّابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش، أدلّة أثبتت أن الآلاف من النّساء والفتيات اليزيديات تعرّضن للاتّجار والاغتصاب. هناك أدلّة من المقابر الجماعيّة تؤكّد مقتل الآلاف من الرّجال اليزيديين. ومع ذلك، لم يُحاكم إلا ثلاثة أشخاص.

وبصفتنا ناجين، نعلم أن الصحفيين يمضون في طريقهم. هنالك دائمًا أزمة أخرى يجب تغطيتها. المزيد من الحسرات والمعاناة التي يجب الإبلاغ عنها. ومع ذلك، أعتقد أن هناك ميّزة للتمسُّك بالقصة بعد انتهاء الصّراع “السّاخن” لمعرفة ما سيحدث أو – في حالتنا والعديد من حالات جرائم الحرب الأخرى – ما  لن يحدث بعد ذلك.

إن العمل الذي يقوم به الصّحفيون الاستقصائيون في مناطق الحرب قادرٌ على إحداث فرق حقيقي وهذا الدّليل  أداةٌ مهمةٌ للصّحفيين الذين يودّون تسليط الضّوء على قصصنا.

 نادية مراد ناشطة في مجال حقوق الإنسان وحاصلة على جائزة نوبل للسلام لعام 2018. وهي مدافعة رائدة عن الناجين من الإبادة الجماعية والعنف الجنسي. إن مذكراتها الأكثر مبيعًا في نيويورك تايمز، “الفتاة الأخيرة: قصتي في الأسر، ومعركتي ضد تنظيم الدولة الإسلامية”، هي رواية مروعة عن الإبادة الجماعية ضد الأقلية العرقية والدينية الأيزيدية في العراق وسجن نادية على يد ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية”. تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وبصفتها عضوًا في المجلس الاستشاري المعني بالنوع الاجتماعي في فرنسا، دعت نادية الدول الأعضاء في مجموعة السبع إلى اعتماد تشريعات تحمي وتعزز حقوق المرأة. عملت نادية مع البعثة الألمانية لدى الأمم المتحدة لتمرير قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2467، الذي يوسع التزامات الأمم المتحدة لإنهاء العنف الجنسي في النزاعات. وكانت نادية أيضًا قوة دافعة وراء صياغة وإصدار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2379، الذي أنشأ فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش (يونيتاد).

إعادة نشر مقالتنا عبر الانترنت أوطباعة تحت رخصة النشاط الابداعي

إعادة نشر هذا المقال


Material from GIJN’s website is generally available for republication under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International license. Images usually are published under a different license, so we advise you to use alternatives or contact us regarding permission. Here are our full terms for republication. You must credit the author, link to the original story, and name GIJN as the first publisher. For any queries or to send us a courtesy republication note, write to hello@gijn.org.