هاروش زيبيري، رجل مسلم يتوسل لكي لا يموت على يد الوحدة شبه العسكرية الصربية المعروفة باسم "النمور" التي يقودها أمير الحرب "أركان" خلال المعركة الأولى للحرب في البوسنة. ألقي به لاحقا من نافذة أثناء استجوابه وعثر عليه في مقبرة جماعية.
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: الهجمات على المدنيين
دليل مصادر
دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: مقدّمة
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: الهجمات على المدنيين
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: هياكل القيادة
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: تعقُّب مجرمي الحرب
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: العثور على المفقودين
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب: الأمن المادي والرقمي
ملاحظة من المحرّر: الصّور الأصليّة التي التقطها “رون هافيف” و”جون ستانماير” مقدَّمة من مؤسسة VII غير الرّبحيّة. تحتوي نهايةُ هذا الفصل على مقابلةٍ خاصّة أجراها “أوليفييه هولمي” مع صحفي التّحقيقات المرئيّة “عظمت خان“، حول تقرير النيويورك تايمز الذي كشف عن الضحايا المدنيين الذين راحوا ضحيةً لضربات المُسيَّرات الأمريكيّة.
الصحفيون شهود مهّمون على الفظائع التي تُرتكب ضدّ المدنيين. لولا عيونهم وحضورهم في الميدان لربّما كانت بربريّة الحروب ستمرُّ دون أن يلاحظها أحد.
إن التزام أطراف النّزاع بالتّفريق المستمرّ بين المدنيين والمقاتلين هو أحد أهم القواعد الأساسيّة للقانون الإنسانيّ الدّولي.
يطرح الصّحفيون في العادة أسئلة عن منْ فعل ماذا بمن، وأين، ومتى. وتُطرح هذه الأسئلة سواء كان المرء يغطّي نزاعات مسلّحة دوليّة تشارك فيها أكثر من دولة واحدة، أو نزاعات غير دوليّة مثل الحروب الأهليّة، والتي يمكن أن يؤدي كلاهما إلى مقتل أو إصابة المدنيين، والنّزوح، وتدمير البنية التّحتيّة أو المرافق الطبّية.
ومن شأن إعاقةِ المساعدات الإنسانيّة، إما عن طريق النّهب أو منع الوصول إلى المناطق المتضرّرة، وحملات التّضليل – التي تؤثّر على قدرة النّاس على إصدار أحكام سليمة، وتعرّض حياتهم للخطر – يمكن أن تسبّب أيضًا معاناة كبيرة للمدنيين.
ومع ذلك، من الضّروري أن نفهم أن الأعمال التي تسبّب ضررًا للمدنيين أو ممتلكاتهم في الحرب، ليست دائمًا أمورًا مخالفة للقانون. وحتّى نفهم إن كانت جريمة حرب أو أيّ انتهاك آخر للقانون الدّولي قد ارتُكِب ضدّ المدنيين أم لا، سيكون من الضّروري إثبات أكبر قدرٍ ممكن من التّفاصيل حول السّياق والظّروف. التزام أطراف النزاع بالتمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين هو أحد القواعد الأساسية للقانون الإنسانيّ الدّولي (المعروف أيضًا باسم قوانين النّزاع المسلّح أو قوانين الحرب). في الوقت الذي لا يُعدُّ فيه الاستهداف المتعمّدُ للمدنيين أو الأهداف المدنيّة جريمةً حرب، فإن الضّرر اللاحق بالمدنيين النّاجم عن الهجمات ليس بالضرورة مخالفًا للقانون إذا احترم مبدأ التّناسُب.
يشكل انتهاك أيٍّ من مبدأي التّناسب أو التّمييز جريمة حرب. وتشمل بعض جرائم الحرب المحدّدة الأخرى ضد المدنيين (على سبيل المثال لا الحصر):
- التّعذيب أو المعاملة اللاإنسانية
- الترّحيل أو النّقل غير القانوني أو الحبس غير القانوني
- احتجاز الرّهائن
- نقل السّكان المدنيين إلى الأراضي المحتلة، أو ترحيل سكّان الأراضي المحتلة
- النّهب
- استخدام الأسلحة المحظورة
- الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي
- استخدام الدّروع البشريّة
- استخدام التّجويع كأسلوب من أساليب الحرب
- تجنيد الأطفال
وفي بعض الحالات، مثل العنف الجنسي أو التّعذيب، سيكون انتهاك هذه الأفعال للقانون أمرًا واضحًا، لأن هذه الأفعال محظورة دائمًا، حتى ضدّ المقاتلين. ومع ذلك، عند العثور على مكان حدوث هجمات قد تكون غير قانونيّة ضدّ المدنيين أو الممتلكات المدنية أو البنية التحتية، يمكن طرح بعض هذه الأسئلة:
- هل كان الضّحية مدنيًا؟ هل كان من المحتمل أنّه كان يشارك بشكل مباشر في الأعمال العدائيّة؟
- هل كانت الممتلكات أو البنية التّحتيّة المدمَّرة هدفًا مدنيًا أم عسكريًا؟ (هل كان لها استخدامٌ عسكريٌّ محتَمل؟)
- هل كان هؤلاء الأشخاص/الممتلكات هدفًا للهجوم؟ أم أن الضّرر كان نتيجة لاستهداف شيء ما أو شخص آخر (على سبيل المثال: هل كان هناك هدفٌ عسكريٌّ أو مقاتلٌ قريب؟)
حتّى مع هذه المعلومات، قد لا يكون من الممكن دائمًا تحديد شرعيّة الفعل ، ولكن الإجابة على هذه الأسئلة يمكن أن تبدأ في الإشارة إلى الإجابات.
نصائح وأدوات
قبل الشّروع في هذه الرّحلة لتقصّي الحقائق والتّحقيق وجمع الأدلّة، يحتاج الصحفيّون إلى فهم الحقائق فهمًا عميق. العنصر الأهمّ هو الدّراية الكاملة بالجغرافيا والأرض، والسكّان الذين يتعرضون للهجوم، والجناة، والديناميكيات السّياسيّة والثّقافيّة والدّينيّة، والخلفيّة التّاريخية للصّراع، وكيف توالت أحداثه.
البحوث الأساسيّة
مثل هذا البحث المكثّف مطلوب قبل إجراء تحقيقاتٍ عميقة تستغرق شهورًا تتقصّى حول الهجمات ضدّ المدنيين لحماية الصّحفيين من أن يتمّ التّلاعُب بهم من خلال الدعاية والرّوايات المضلِّلة. كما يمكن أن تعزز هذه البحوثُ ثقةَ الصحفيّ قبل أن تطأ قدماه منطقةَ النّزاع.
أحد المصادر الرئيسية للأبحاث هي المراكز الفكريّة، كالمراكز المُدرجة في قائمة جامعة جورج واشنطن لأفضل المراكز الفكريّة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا. مراكز البحوث مثل مجموعة الأزمات الدولية، بالإضافة إلى فريق خبراء الأمم المتحدة، وجماعات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدّولية غنية بالمعلومات دائمًا. كما أن العمل السابق الذي قام به محققو الأمم المتّحدة في مجال حقوق الإنسان مهمٌّ أيضًا، مثل أولئك المنتسبين إلى المفوضيّة السّامية لحقوق الإنسان.
وكما هو الحال دائمًا، يجب على الصّحفيين إجراء بحث كامل عن الأعمال السابقة حول النّزاع. الاطّلاع على قاعدةِ بياناتٍ إخباريّة مثل LexisNexis قد تساعد في التوصُّل إلى أفضل التّحقيقات.
يجب أن يسلّح هذا البحثُ الأوليُّ المراسلَ بقائمةٍ من الأسئلة: حول المؤثّرين، والمستفيدين، والقوى الخارجيّة والدّاخليّة، والخطوط الأماميّة، وتركيبة السكّان المتأثّرين، والموارد المعرّضة للخطر، وغير ذلك. وهذا من شأنه أن يرشد الصّحفيين إلى الخبراء الذين يجب أن يبحثوا عنهم. لا يحتاج الصحفيون إلى رؤى الخبراء فحسب، بل يحتاجون أيضًا إلى أسئلتهم التي لم تتم الإجابة عليها، والتي قد توفّر أدلة جديدة في بحثِ الصّحفيّ.
مقابلات مع الشّهود والضحايا
من أجل إثبات أن الضحايا مدنيون، يحتاج الصّحفيون إلى البحث عن الوثائق التي تثبت الهويّة، والسجلات التي تظهر الخلفيّة التعليمية والتّاريخ المهني. يمكن للصّحفيين أيضًا جمع شهادات مسؤولي البلديّات المحلية وشيوخ القبائل والجيران. قد تحتفظ عائلات الضّحايا بنسخ من الوثائق مثل شهادات التخرُّج، أو الفواتير أو الإيصالات التي تظهر دفع الرواتب (إذا كانوا موظفين) أو مصدر الدخل (إذا كانوا يديرون أعمالاً خاصّة) في نفس قريبٍ من وقت الهجوم. وينبغي لهذه الأدلة أو الشهادات، مع ما يرافقها من وثائق، أن تعطي إجابات كافية عما إذا كانت الضّحية طرفًا في النّزاع.
أما فيما يتعلق بما إذا كانت الممتلكات التي تعرّضت للهجوم مخصّصةً للاستخدام المدني، فيجب أن يكون لدى أطراف النّزاع (خاصة إذا كانت تشمل كيانات شرعيّة أو حكوميّة) ما يعرف بقائمة “عدم الاستهداف”، والتي تشمل جميع الممتلكات المدنيّة التي يجب على المشاركين في الحرب تجنُّبها. على الصّحفيين الذين يوثقون جرائم الحرب التّواصل مع مصادر في وزارات الدّفاع، وأحيانًا مع هيئات الأمم المتّحدة ذات الصلة، والمنظّمات الدولية الأخرى للحصول على نسخةٍ من هذه القائمة من أجل التحقُّق ممًا تعرّضَ للهجوم ومقارنته، وتحديد المواقع التي ليس لها قيمة عسكريّة دون شكّ.
يمكن لأطراف النّزاع في بعض الحالات أن يحتلّوا الممتلكات المدرَجة في قائمة عدم الاستهداف أو الاستيلاء عليها، على غرار الجنود أو المقاتلين الذين يستخدمون دروعًا بشرية. في هذه الحالات، تعتبر روايات الشّهود، لا سيما أولئك الذين يعيشون في نفس المنطقة، أساسيّةً لتحديد ما إذا كانت القوّات العسكريّة موجودةً في الموقع وقت الهجوم. وفي العديد من المناسبات، قد يكون لدى المدنيين لقطات لنشاط مشبوه في المباني القريبة منهم. يجدر سؤالُ الجيران عمّا إذا كان لديهم أيُّ دليلٍ مرئيٍّ قد يدلّ على استخدام الجماعات المسلّحة للمباني المجاورة لأغراض عسكريّة.
مقابلات مع مقاتلين سابقين أو مطّلعين على بواطن الأمور
هذان العنصران – النّيّة والمعلومات المتاحة للأطراف – أمران حاسمان لإثبات مشروعيّة أفعال معيّنة في الصّراع المسلّح.
وفي حالات أخرى، يمكن أن يكون الحصول على رؤى من المطّلعين الذين كانوا سابقًا أعضاء في الجماعات المسلحة أو المنشقّين بمثابة دليل إضافي. يجب أن يكون التحدُّث إلى هؤلاء المطلعين – المرتبطين بأيٍّ من أطراف النزاع أو من لديهم معرفة مباشرة به – أولويّة قصوى في أيِّ تحقيق. ومع ذلك، يجب أن يكون المحققون حذرين من الاقتراب من المطّلعين وأن يفكروا دائما: ما هو دافع هذا المصدر حتّى يقدّم المعلومات؟
انتبه أيضًا بأن هناك أنواعا مختلفة من المطّلعين: من أُجبِروا على الانضمام إلى الجناة رغمًا عنهم؛ من يعتقدون أن فوائد التّعاون تفوق الأضرار؛ وأولئك الذين انضمّوا بحرّيةٍ إلى الجناة وتاب عن ذلك لاحقًا.
من الأسئلة االتي يمكن طرحها على هؤلاء المطّلعين: ما هو الدّافع أو النّية وراء هجوم أو فعل معين؟ على سبيل المثال، هل كانوا يستهدفون مقاتلاً معيّنًا أو هدفًا عسكريًا محدّدًا في المنطقة أم كانوا يعتزمون استهداف المدنيين وممتلكاتهم؟ ومن المفيد أيضا محاولة تحديد المعلومات التي كانت بحوزة أطراف النّزاع وقت الهجوم، مثل المعلومات الاستخباراتيّة عن طبيعة المباني أو وجود المقاتلين في المناطق. هل كانوا على علم بوجود مبانٍ مدنيّة أو أشخاص؟ وهذان العنصران – النّية والمعلومات المتاحة للأطراف – أمران حاسمان لإثبات مشروعيّة أفعال معيّنة في الصّراع المسلّح. ويمكن أن تساعد في إثبات – أو دحض – جرائم الحرب ضد المدنيين.
اختراق حاجز اللغة
يمكن أن تكون اللغة عائقًا رئيسيًا أمام الصّحفيين العاملين على المستوى الدولي. من الضروري تخصيص الوقت والجهد ووضع ميزانيّةٍ خاصّة إن أمكن للعثور على مترجمٍ موثوقٍ ومستقلٍّ وتمّ اختباره مسبقًا. من المهم أيضًا أن يكون لديك مرجعٌ إضافيّ كزميلٍ أو باحثٍ مستقلٍّ يمكنه مراجعة ترجماتك. إن حياد المترجمين أمرٌ يجب ألّا يغفله الصّحفيون. وكما يفعل العديد من الصحفيين، فإن طرحَ سؤالٍ واحدٍ عدّة مرّات بطرقٍ مختلفة يتيح المجال للتّحقُّق من دقّة التّرجمة.
التّحضير للمحادثات المؤلمة
شهادةات المدنيين هي حجر الزاوية في أيٍّ تحقيقٍ يتناول الخسائر البشريّة للحرب. كن مستعدًا، فقد يكون هؤلاء المدنيين متأثّرين بشدّة بوفاة أحد أفراد الأسرة أو الإصابة أو الاعتداءات المختلفة، بما في ذلك الاغتصاب أو الصّدمات النّفسيّة أو النّزوح أو فقدان الممتلكات. قد يثقل على الصحفيين الجلوسُ مع نفوسٍ محطّمةٍ للحصول على رواياتهم خوفًا من تجديد صدمتهم.
في أغلب الحالات، لا يفتح الضّحايا أو الشهود قلبهم إلا بعد المقابلة الثّانية أو الثّالثة. وبينما يحتاج الصّحفيون إلى جمع أكبر قدرٍ ممكن من الشّهادات، قد يكون من الصّعب إجراء عدّة مقابلات مع شخصٍ واحد. ومع ذلك، يمكن للصّحفيين أيضا إجراء مقابلات أوليّة مع الضحايا لمعرفة منْ منهم سيكون الأكثر أهميّةً لأنهم شهود مباشرون، أو لأنّهم الأكثر تضررًا، أو لديهم أقارب أو أصدقاء يدعمون قوىً على الطرف الآخر من النزاع والذين يمكنهم تقديم معلومات مطّلِعة حول الهجمات نفسها.
إعدادُ خطٍّ زمنيٍّ مكتوبٍ يساعد الصّحفيين على فهم تسلسل الأحداث وسيقود إلى مزيدٍ من الأسئلة التي يمكن أن تسدّ فجوات المعلومات. من الضروري جمع الأسماء وجهات الاتّصال وصور الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم.
الهواتف المحمولة صيدٌ ثمين
الهواتف المحمولة كنزٌ حافلٌ بالبيانات للصّحفيين، ويمكن أن يكون الوصول إلى هاتف الضّحية أو الشاهد أمرًا لا غنى عنه. بمجرّد أن يفتح الضحايا قلوبهم ويبدأوا برواية قصصهم، يجب على الصّحفيين دائمًا أن يقولوا لهم “أرِني” كل ما يمكن أن يدعم رواية الضّحايا. يمكن أن تظهر الدردشات على منصّات التّواصل الاجتماعي مثل واتساب أو تلغرام اللحظات الأخيرة من المحادثات قبل الهجوم. كما يمكنها تقديم إجابة محدّدة عمّن كانت الضحية تتواصل معه، ومحتوى أي مناقشات، وتحرّكات، وأفعال، وعوامل أخرى من شأنها أن تشير إلى وضع الضّحيّة في النّزاع المسلّح في نفس وقت الهجوم تقريبًا.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يطلب الصّحفيّون من الضّحايا الموافقة على مشاركةِ لقطات الشّاشة أو الصّور أو مقاطع الفيديو من هواتفهم، بما في ذلك معلومات الاتّصال بضحايا آخرين، أو المصادر التي قد يكون لديها معلومات داخليّةٌ أو وثائق يحتاجها التّحقيق. من المهم التّحقُّق من التّواريخ والمواقع وطرح أسئلة حول سياق الصّور بشكلٍ يتيح التحقُّق منها لاحقًا بمقارنتها مع المواقع والتّواريخ التي تمّ جمعها أثناء التّحقيق. على الصّحفيين أن يحملوا دائمًا نسخًأ من استمارات الموافقة الخطيّة لأصحاب المواد حتّى يأذنوا للصّحفيين بنشرها.
جمع الأدلّة المادية والموادّ العسكريّة
وكما فعل الكثير من نشطاء حقوق الإنسان والخبراء في العقود الماضية، فإن جمعَ الشّظايا أو الذّخائر المستهلكة أو غيرها من الأدلة على الأسلحة والذخائر عنصرٌ حاسمٌ في التّحقُّق من المعلومات الأساسيّة حول الهجوم. يمكن فحص العلامات أو الكتابات على هذه المخلَّفات من ساحة المعركة من قبل الخبراء لمعرفة مصدرها.
هذا النّوع من الأدلّة يمهّد الطّريق للتحقيق في المستقبل في البلدان التي صدّرت الأسلحة إلى الطرف المهاجِم. بالإضافة إلى الضّحايا والمطّلعين على بواطن الأمور، ابحث عن روايات من مصادر أخرى: الفرق الطبّيّة، وعمال الإغاثة، والمحامون، وشيوخ القبائل، والمسؤولون المحلّيون، والسّائقون، ومعلمو المدارس، إذ يمكنهم جميعًا أن يعمّقّوا التّحقيق ويفتحوا مساراتٍ للمزيد من التّحقيقات.
الحصول على الإحداثيات والمواقع والخرائط والأوصاف الدّقيقة لمواقع الهجمات على المدنيين مهمٌّ للتّحقُّق والتّوثيق من خلال صور الأقمار الصناعية أو غيرها من تقنيات تحديد الموقع الجغرافي.
دراسات الحالة
اليمن: غارات أمريكيّة بطائرات مسيَّرة تقتل مدنيين — أسوشيتد برس
ما الذي يتطلّبه الأمر لإثبات أن ضحيةَ غارةٍ أمريكيّةٍ بطائرةٍ مسيَّرة مدنيٌّ وليس مقاتلاً في تنظيم القاعدة؟ مئات المستندات والصّور ورسائل الدّردشة وبطاقات الهويّة.
هذا ما جمعه فريق أسوشيتد برس في اليمن في عام 2018 لدحض مزاعم الولايات المتّحدة بأن غاراتها الجوية قتلت فقط مقاتلي القاعدة في المنطقة. في الواقع، وجد تحقيقُ أسوشيتد برس الحائز على جائزة بوليتزر أن قرابة ثلث الوفيات الناجمة عن حملة المسيَّرات في ذلك العام كانوا من المدنيين.
اعتمد التّحقيق الذي استمر شهورًا على بيانات مفتوحة المصدر من مجموعات مثل مكتب الصحافة الاستقصائية ومنظّمة العفو الدّوليّة، ومن قوائم الغارات الجويّة الأمريكيّة في اليمن التي قدّمها البنتاغون إلى وكالة أسوشيتد برس.
ومع ذلك، لم يشِرْ أيٌّ من المصادر إلى حجم الخسائر في صفوف المدنيين، ولا إلى أن الخسائر وقعتْ في سياق الضّغط الدولي على التّحالف الذي تقوده السّعودية، والذي كان يشنُّ حربًا دمويّةً ضدَّ المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران. كانت الأخبار حول ضربات الطّائرات الأمريكيّة المسيَّرة شبه معدومة وتركّزَ اهتمامُ وسائل الإعلام الدّوليّة حصريا على الفظائع السعوديّة.
غطّى التّحقيق منطقةً جغرافيّةً كبيرةً شملت جنوب وشرق ووسط اليمن حيث كان تنظيم القاعدة نشطًا وحيث كانت الطّائرات المسيَّرة تحلّقُ في سماء المنطقة.
تضمّنت الخطوة الأولى جمعَ جميع تواريخ ومواقع الضّربات التي قدّمها مصدرٌ في البنتاغون. ثم تم فحص جميع الحوادث، وتجميع قائمة بمواقع الضّربات، وتحديد نشطاء حقوق الإنسان المحليين والأطبّاء وشيوخ القبائل والأمن والمسؤولين الحكوميين في المناطق المستهدَفة.
تمثّلت الخطوة الثالثة بإجراء مقابلاتٍ شاملة مع أشخاص مقربين من الضّحايا لتجميع قصّتهم لإثبات أنهم عاشوا حياةً مدنيّةً وليس لديهم سجلٌّ إرهابيّ. هدفت المقابلات إلى الإجابة على أسئلة رئيسيّة مثل: قرب الضحايا من موقع الضّربة، ولماذا كان الضحية في ذلك الموقع بالتّحديد، ومنْ شهدَ الضّربةَ أيضًا، هل كان هنالك أيُّ مؤشّرٍ أو علامةٍ على وجود مقاتلي القاعدة في مكان قريب.
وقد دعتْ عائلات الضّحايا جماعات حقوق الإنسان واللجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر إلى إجراء مزيد من التّحقيق في غارات الطائرات المسيَّرة، ولكن دون جدوى.
ميانمار: إبادة جماعيّة محتَملة ضدّ الروهينجا — رويترز
في تحقيقٍ قويٍّ نُشر في شباط 2018، كشفتْ رويترز عن العنف العرقي ومذابح الروهينجا في قصتها “كيف أحرقت قوات ميانمار ونهبت وذبحت أهالي قريةٍ نائية”. فاز المقال بجائزة بوليتزر للتّقارير الدّوليّة سنةَ 2019، وأدّت إلى اعتقال اثنين من مراسلي رويترز وسجنهما. (تمّ إطلاق سراحهما في نهاية المطاف في عام 2019 بعد قضاء أكثر من 500 يوم في السجن).
وركّز التّحقيق على قريةٍ واحدة في ولاية “راخين” الشّماليّة استهدفها العنف العرقيّ. كانت هذه هي المرة الأولى التي يتمّ فيها تجميع المذبحة من روايات الجناة. في التّغطية السّابقة للإبادة الجماعيّة في ميانمار، تحدّث الضحايا فقط عن الجرائم المرتَكبة ضدَّ أقلّيّةِ الروهينجا.
والجدير بالذكر أن رويترز تمكّنت من الحديث مع مصادر مطّلعة. تحدّث مع الصحفيين قرويّون بوذيون وأفراد الشّرطة شبه العسكريّة وأفراد الأمن الذين شاركوا في عمليات القتل. باستخدام صور المذبحة نفسها، تمكّنت رويترز من الحصول على أدلّة لا جدال فيها على الحدث.
وأشارت القصّة إلى أن ثلاث صور قدّمها قرويٌّ بوذيٌّ “وثّقت لحظات مهمة في مذبحة “إن دين“، من احتجاز الجنود لرجال الروهينجا في وقتٍ مبكر من مساء 1 أيلول وحتّى إعدامهم بعد العاشرة صباحًا بقيل يوم 2 أيلول”. وأظهرتْ صورٌ أخرى أسرى واقفين في صفّ واحد، وجثثَ رجالٍ في قبر.
كما كانت زيارةُ موقع المجزرة والتقاطُ الصّور هناك وعرضها على خبراء الطب الشرعي عنصرًا مهمًا في التحقيق. جميع الخبراء “لاحظوا رفاتًا بشريّة”.
وقال جيش ميانمار لرويترز إن “عمليّة التطهير” التي قام بها في المنطقة مشروعة، لكن القصّة أشارت إلى أن “الأمم المتّحدة قالت إنه من الممكن أن يكون الجيش قد ارتكب إبادةً جماعيّة. ووصفت الولايات المتّحدة الإجراء بأنّه تطهيرٌ عرقيّ”.
أوكرانيا: الحصار الروسي لماريوبول — أسوشيتد برس
في تقريرها المصوّر الصّادم عن الحصار الرّوسي بعنوان 20 يوما في ماريوبول، كان فريق وكالة أسوشيتد برس وسيلة الإعلام الدّوليّة الوحيدة المتبقّية في المدينة الأوكرانيّة في منتصف آذار 2022. أمضى الفريق أسابيع في فضح الهجمات الروسيّة على المدنيين التي زُعمَ أنّها جرائم حرب، بعد أن عزلت القواتُ الغازية المدينةَ عن العالم الخارجي، مما فرض تعتيمًا إعلاميًا فعليًا. بعد قرابة ثلاثة أسابيع في المدينة المحاصرة، كان لا بد من إخراج فريق أسوشيتد برس من ماريوبول، عندما علموا أن الجنود الرّوس كانوا يستهدفونهم.
كما كشفَ العملُ المهمُّ لوكالة أسوشيتد برس عن حملات التّضليل التي تقودها الحكومة الروسيّة من خلال تقديم سردٍ مباشر للهجمات المرتَكبة ضدّ المدنيين. دفعتْ لقطاتٌ مروّعةٌ نشرتها وكالة أسوشيتد برس لمستشفى للولادة يتعرض للهجوم – وامرأة حامل تهرع هاربةً من المبنى – السفارةَ الرّوسيّة في لندن إلى محاولة التّقليل من أهميّة الصّور المروّعة بوصفها بأنها مزيفة. لمواجهة الدعاية، عاد مراسلو أسوشيتد برس ووجدوا المرأة وأثبتوا أنها كانت حاملاً، حيث أنّها أنجبت طفلها.
«إذا لم يكن هنالك معلوماتٌ تخرج من المدينة، ولا صور للمباني المهدّمة والأطفال المحتضرين، سيكون بوسع القوّات الروسية أن تفعل ما تريد. لولانا لما كان هنالك شيء»، قال “مستيسلاف تشيرنوف”، مصوّر الفيديو في وكالة أسوشيتد برس الذي فاز مع زملائه بجائزة صندانس للجمهور بعد أن تم تحويل تقاريرهم إلى فيلم وثائقيّ مدّته 90 دقيقة. وأضاف: “لم أشعر مطلقًا أن كسر حاجز الصمت كان بهذه الأهميّة”.
فلسطين: مقتل صحفيّة – نيويورك تايمز
بعد مقتل مراسلة قناة الجزيرة، الفلسطينية الأمريكيّة شيرين أبو عاقلة، بالرّصاص في الضفّة الغربيّة، أطلقت عدةُ مؤسسات إعلامية تحقيقاتٍ لفهم ما حدث بالفعل.
واحدة من أهم الأدوات التي استخدمتها التايمز كانت التّحليل الصّوتيّ لصوت إطلاق النار المسجّل في مقاطع الفيديو التي أنشأها المستخدمون.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز من بين المؤسسات الإعلامية التي لم تكتفِ بجمع البيانات الرسميّة وشهادات الشهود، بما في ذلك زملاء أبو عاقلة الذين كانوا في موقع إطلاق النار. أجرى الفريق أيضًا فحوصات جنائيّة مفصّلة لمقاطع الفيديو التي أنشأها المستخدمون والمنشورة على TikTok ووسائل التّواصل الاجتماعي الأخرى للبحث عن أدلّة لإعادة تصُّورِ ما حدث.
وخلصت الصحيفة إلى أن أبو عاقلة قُتلتْ برصاصةٍ أُطلقتْ من نفس الموقع الذي كانت فيه قافلة إسرائيلية تداهم مخيمًا للاجئين في جنين في نفس الوقت. وخلص التّحقيق إلى أن ذلك تمّ “على الأرجح من قِبل جنديٍّ من وحدةِ النخبة”.
كما استبعدَ التّحقيقُ النّظريةَ التي روّج لها مسؤولون إسرائيليون في البداية والقائلة بأن مسلحين فلسطينيين كانوا وراء إطلاق النار، بناءً على المسافة والتموضع بين موقع المسلّحين وموقع أبو عاقلة.
واحدة من أهم الأدوات التي استخدمتها التايمز كانت التّحليل الصّوتي لصوت إطلاق النار المسجَّل في مقاطع الفيديو التي أنشأها المستخدمون. وأوضحت التّايمز أنه “بقياس الميكروثانية بين صوت كلّ رصاصةٍ تغادر سبطانة البندقيّة والوقت الذي مرت فيه عبر ميكروفونات الكاميرات، تمكّنوا من حساب المسافة بين البندقيّة والميكروفونات. كما أخذوا في الاعتبار درجة حرارة الهواء صباح ذلك اليوم ونوع الرصاصة الأكثر استخدامًا من قبل كلٍّ من الإسرائيليين والفلسطينيين”.
تركيز خاص: الضّحايا المدنيّون في هجمات الطائرات المسيَّرة التّابعة للجيش الأمريكي
مقابلة مع “عظمت خان“ أجراها “أوليفييه هولمي”
عندما زارت “عظمت خان” غربَ الموصل في العراق مطلع عام 2018، كان الدّمار واسعًا لدرجة أن جميع السكان قد رحلوا – ولم تجد المراسلة إلا عددًا قليلاً من الأشخاص لإجراء مقابلات معهم. في الزّيارات اللاحقة وبعد عودة بعض السكان، تمكّنت “خان” من جمع الشهادات التي ساعدت في إثبات أن هجمات الطائرات المسيَّرة قتلت مدنيين في المنطقة بأعداد أكبر مما زعمه التّحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة ضدّ تنظيم الدّولة الإسلامية (داعش).
“عظمت خان” الحائزة على جائزة بوليتزر، عضوٌ في فريق التّحقيقات المرئيّة في نيويورك تايمز. قادت “خان” تحقيقات مكثّفة حول الضّحايا المدنيين في الحرب الأمريكية التي تجري عن بُعد في العراق وسوريا وأفغانستان – وعلى الأخص لتقريرين لصحيفة نيويورك تايمز، “غير المعدودين” و”ملفات الضحايا المدنيين” . يقع العمل الميدانيّ في صلب عملها وعادةً ما يتطلب الأمر زيارات متعدّدة.
كما اعتمدت “خان” على ملفّات عسكريّة أمريكيّة سرّية وأدوات صحفيّة مفتوحة المصدر. وتقول: “يمكننا القيام ببعض الأشياء عن بعد، لكنني أرى أن الذهاب إلى الميدان يوصلك إلى مستوى أعلى من التّحقيق. في كثير من الأحيان، يمكن أن تؤدي التّغطية الصّحفية عن بعد إلى تسطيح النّاس”.
وللتأكّد من أنّ منْ تقابلهم يجيبون على أسئلتها بأكبر قدرٍ ممكنٍ من الصراحة، تقول “خان” إنّها لا تعطي إشعارًا مسبقًا بزياراتها. كما أنّها تتجنّب طرح الأسئلة الاستدراجيّة. في إحدى المرات، ذكرَ شاهدُ عيان بشكلٍ عفوي أن رجلاً على كرسيٍّ متحرّك كان في منزلٍ تعرّض للقصف، وهو ما يتطابق مع جزء من المعلومات التي ظهرتْ أثناء بحثها، مما يؤكد موثوقية هذا الشاهد لإجراء مقابلة معه.
اعتمدت “خان” على مجموعة متنوعة من المصادر – يُعتبر بعضها احتمالاً بعيدًا. وقالت إنها توصّلت إلى أن مقاطع الفيديو الدّعائية لداعش موثوقة بشكل مدهش عندما يتعلق الأمر بلقطات للضّحايا المدنيين. وفي الوقت نفسه، ساعدتها منشورات الحكومة الأمريكيّة على يوتيوب حول الغارات الجويّة للتّحالف في تحديد تاريخ الهجمات وتحديد موقعها الجغرافي الذي كانت الولايات المتحدة تنكره في الوقت نفسه. وفي العراق، تمكّنت من الاطّلاع على شهادات الوفاة لتأكيد وقوع الضحايا. ولكن في المناطق النائية من أفغانستان، وجدتْ أن عليها دراسة شواهد القبور بدلاً من ذلك، حيث لم تكن إشعارات الوفاة الرسمية متوفّرة.
وقالت إن التمييز بين الضحايا المدنيين والمقاتلين قد يكون أمرًا صعبًا. لم يشمل تعريفها الخاص أفراد عائلات مقاتلي داعش – وهو قرارٌ اتّخذتْه لأنها لم تكن قادرة على جمع معلومات عن هؤلاء الأفراد، لكنها تعترف بأن هذا يعني على الأرجح أنها قلّلت من عدد الضحايا المدنيين.
ماجي مايكل صحفية استقصائية لدى رويترز ومقرها القاهرة. تتمتع بخبرة تزيد عن 15 عامًا في تغطية الصراعات في الشرق الأوسط. في عام 2019، كانت جزءًا من فريق وكالة أسوشيتد برس الذي فاز بالعديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة بوليتزر للتقارير الدولية وميدالية ماكجيل للشجاعة لتحقيقات رائدة في الفساد والتعذيب وجرائم الحرب الأخرى في اليمن.
رون هافيف، مؤسسة VII رون هافيف هو مخرج أفلام رشح لجائزة إيمي، ومصور صحفي حائز على جوائز، ومؤسس مشارك لوكالة التصوير VII، المخصصة لتوثيق الصراعات وإثارة قضايا حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وهو أيضًا أحد مؤسسي مؤسسة VII غير الربحية، والتي تركز على المشاريع الوثائقية وتوفر تعليمًا مجانيًا للصحافة المرئية.