إعداد إمكانية الوصول

خيارات الألوان

لون أحادي لون باهت مظلم

أدوات القراءة

عزل حاكم

الفريق مع المستشار القانوني بعد طعن قضائي في فبراير/شباط. من اليسار إلى اليمين: سوزانا كومري، ميكا ريدي، موراي هنتر، سام سول، داريو ميلو، ديفاشن نايدو، ولافانيا بيلاي.

القصص

مواضيع

هل يكون الصحفي مناصرًا؟ قصّة فريدة من جنوب أفريقيا

إقرأ هذه المقال في

في أوائل آذار/مارس، خلال الشهرين الذين أمضيتهما في “تصريف الأعمال” كمنسقٍ للمناصرة (Advocacy)  لمركز

amaBhungane للصحافة الاستقصائية وصلتني وثيقة رائعة بالبريد الإلكتروني من محامينا.

كانت الوثيقة أمرَ محكمةٍ من صفحتين، سأحدثكم عن تفاصيله لاحقًا لأنه يروي قصةً مهمةً عن عمل المناصرة الذي يقوم به مركز amaBhungane.

مركز AmaBhungane معروفٌ بالتحقيقات الطويلة عن المال والسياسة وإساءة استخدام السلطة في جنوب أفريقيا. وقد أدى هذا النهج العنيد – الذي يتطلّب أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات من السعي وراء قصة واحدة – إلى اكتشافات كبرى وعدة جوائز على مر السنين. المجموعة عضوٌ في شبكة GIJN، وكانت جزءًا من مجموعة المؤسسات الإخبارية التي حصلت سنة 2019 على جائزة Global Shining Light Award  عن تحقيق #GuptaLeaks الذي كشف شبكةَ فسادٍ واسعة محيطة برئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما.

لكن الكثير من الناس لا يعرفون أن المنظمة تستضيف أيضاً برنامجاً للمناصرة، يعتمد نفس النّهج العنيد، للضغط ببطء من أجل إجراء إصلاحات في السياسة والقانون ولتحسين مناخ الصحافة نفسها.

من خلال نهجها الفريد في المناصرة ، يعمل أحد الموظفين  (وهو باحثٌ وخبيرٌ سياسيّ ومختصّ في الحملات، كل هذا في آن معًا) على مسارٍ موازٍ لمحققي amaBhungane، لضمان حق الحصول على المعلومات الذي يُعتبر شريان الحياة للصحافة الاستقصائية.

حق الحصول على المعلومة وحرية التعبير مكفولان بالقانون في جنوب أفريقيا ولكن هذا لا يمنع البيروقراطيين والسياسيين والشركات الخاصة من الاستخفاف بالقواعد.

على مر السنين، تطوّر برنامج amaBhungane وأنتج العديد من الأعمال الرائعة، بما في ذلك تقديم طلبات حول التعديلات التشريعية (أربعة في عام 2019)، وطلبات الوصول إلى المعلومات (13 في عام 2019) وتقديم أسئلة عن المساهمين في الشركات (أكثر من 40 في عام 2019)، والتقاضي الاستراتيجي حول قضايا حرية الإعلام (أربع قضايا منظورة حاليّاً).

من المهم أيضًا فهم الأمور غير المنضوية تحت البرنامج: لا تقوم amaBhungane بـ “صحافة المناصرة” أو المناصرة حول عملها الصحفي.  نظّم العديد ممّن قرأوا تحقيقات amaBhungane حول فساد زوما مسيراتِ احتجاجٍ تطالب باستقالته – لكن المركز لم يشارك في المسيرات.

الطريق البطيء إلى الشفافية

 

أغلب العمل الذي نقوم به ليس فاتنًا، حالنا كحال الخنفساء التي أخذ المركز اسمه منها وهي خنفساء ibhungane وتعني “خنفساء الروث”.

وعلى غرار العديد من نظرائهم العالميين، يستخدم صحفيو amaBhungane طلبات حق الحصول على المعلومات كجزء من مجموعة أدواتهم الاستقصائية. ولكن في هذا المناخ الذي يتم فيه رفضُ ما يقارب ثلثي طلبات المعلومات أو يتمّ تجاهلها ببساطة، فإن العديد من الطلبات تتأخر لما بعد تقديم أي قصة.

يجب أن يتولى شخصٌ التواصل عبر الهواتف ليضمن أن يقدّم المسؤولون المتمردون جوابًا في نهاية المطاف، وإذا لم يكن الردّ إيجابيًا، فيجب أن يتولى شخصٌ ما تقديمَ الاستئناف.

من خلال وجود منسِّقٍ للمناصرة غير منشغل بالواجبات التقليدية لغرف الأخبار، يصبح مركز amaBhungane قادراً على متابعة طلبات المعلومات، ليس خدمةً للقصص الصحفية فحسب، بل من أجل تحقيق مبدأ الشفافية بحدّ ذاته.

هذا يعيدني إلى أمر المحكمة الذي وصل إلى بريدي الإلكتروني في شهر آذار/مارس. منذ عام 2015 والمركز يسعى للحصول على تفاصيل حول حقوق تعدين الفحم في مقاطعة مبومالانجا شرق جنوب أفريقيا. بدأ الأمر بطلب معلومات تمّ رفضه. تقدّم المركز باستئناف إداري. قُبلَ الاستئناف، لكن الوثائق لم تصل أبداً.

في عام 2017 أمرت محكمة بأن يحصل مركز amaBhungane على الوثائق. ومع ذلك لم تصل الوثائق، في نهايات عام 2019، حكم أحد القضاة بأن الموظفين المسؤولين ارتكبوا جرم انتهاك حرمة المحكمة. وأخيراً، في مارس/آذار، حصل محامونا على نسخة من أمر انتهاك حرمة المحكمة هذا، الذي أمر هذين المسؤولين بتسليم الوثائق أو أن يدفعوا بصفتهم الشخصية غرامات قدرها 5900 دولار أمريكي.

قد يكون تفشي كوفيد-19 قد أعطى هؤلاء المسؤولين شيئًا من الوقت، وإذا وصلت هذه الوثائق في نهاية المطاف فقد لا تصل في الوقت المناسب لاستخدامها في القصة الصحفية. لكن في المرة القادمة التي يتصل فيها صحفيٌّ بإدارة التّعدين ليطلب أي معلومة سيجد أن المسؤول صار أكثر تفهمًا. تطلّب الأمر خمس سنوات ليحدث، ولكن كما قلت لكم: تحقيقاتنا طويلة.

صراعات السياسات: كبيرها وصغيرها

بعض أعمال المناصرة التي يعمل عليها المركز تهدف لوضع سابقةٍ تاريخية كبرى للأمور. على سبيل المثال، يسعى المركز في  الطعن المُقدَّم حالياً للمحكمة الدستورية على قانون المراقبة في جنوب أفريقيا إلى إلغاء سنوات من الانتهاكات والسِّرّية في آلية التجسس المتبّعة في الدولة، بعد الكشف عن أن جواسيس الدولة قد تنصّتوا على هاتف سام سول، أحد شركائنا الإداريين.

وإذا كان بإمكان المنظمة تحقيق نفس الانتصار التاريخي الذي حققته في المحاكم الدنيا، فإن ذلك سيؤدي إلى إصلاحات كبيرة في الخصوصية لحماية الصحفيين الاستقصائيين  والجمهور بشكل عام.

ولكن معظم أعمال المناصرة التي يقوم بها مركز amaBhungane تتم بعيداً عن الأنظار ودون ضجة – يقدّم الخبراء إسهاماتهم في عمليات وضع السياسات العامّة في البرلمان، ويطلبون شطب بند السِّرّية من مشروع قانون الطاقة، أو يقترحون إضافة أحكام أفضل للشفافية في قانون تمويل الأحزاب.

حقّقَ المركز كل هذا دون المساس بعمله الصحفي. عملُ المناصرةِ والعملُ الاستقصائيّ يسيران بالتوازي مع بعضهما البعض، رغم عدم توفُّر “جدار حماية” المتين الذي يسمع عنه الناس في الأخبار ومقالات الرأي في صحيفة النيويورك تايمز. نتحدث ونُطْلِع بعضنا على المستجدّات.

وفي الأيام الأولى من عمل المركز كان دور المناصرة دورًا جزئياً. أوّل منسقةٍ للمناصرة في المركز كانت تقسم وقتها بين المناصرة والعمل الصحفي. وكان توزيعًا غير موفّقٍ أضرَّ بالمهمّتين. وبتخصيص منسِّقٍ للمناصرة، صار بإمكان المركز أن يتولّى العمل (بحيث لا يضطر صحفيو amaBhungane إلى الانهماك في عمليات الضغط والحملات) وأن يتولى عبء العمل (حتى يتمكن الصحفيون من القيام بدورهم المعهود: الصحافة).

لكن من المهم للمركز وصحفييه ألا يُنظر إليهم على أنهم منحازون، خاصةً بعد ظهور حملات تضليل  وتشويه منسقة ضد amaBhungane وغيرها من وسائل الإعلام التي انطلقت في الفترة التي سبقت تقارير #GuptaLeaks، وما زالت آثارها ملموسة حتى الآن.

ومن المفارقات أن مركز amaBhungane ببرنامج المناصرة المُعلَن يمكن أن يُنظر إليه على أنه منحاز ويقود الحملات، في الوقت الذي انجرّت فيه عدة غرف أخبار تجارية في جنوب أفريقيا إلى حروب فئوية فوضوية أدت إلى فتح تحقيقِ أخلاقيات على مستوى قطاع الإعلام كله.

لقد عملتُ مع برنامج المناصرة لدى مركز amaBhungane لما يقرب من عقد من الزمان كناشط في مجال حقوق المعلومات، ورأيت المنظمة تثبت نزاهتها مرارًا وتكرارًا.

ولو كان لدي تعليق فإنني أشعر بأن تخوّف المركز من أن يُنظر إليه على أنه يقود “حملة شعواء” يخلق صمتاً حول عمله في مجال المناصرة، ويستغلّ بلطجية الإنترنت على تويتر هذا الصمت لكي يأخذوا مجدهم في تأليف رواياتهم الخاصة.

التضييقات بسبب كوفيد-19

الأزمات العالمية التي أشعلها انتشار كوفيد-19 أثبتت أن مناصرة الصحافة باتت مهمة أكثر من أي وقت مضى. فقد جلب الوباء عقبات جديدة أمام تدفُّق المعلومات.

على سبيل المثال، بالرغم من الضّمانات القانونيّة القويّة لمبدأ العدالة المفتوحة، فقد خلق الوباء  تحدّياتٍ خطيرةً في مجال الشفافيّة في نظام المحاكم في جنوب أفريقيا. كان الوصول إلى سجلات المحاكم أمراً  لا يمكن الاعتماد عليه حتّى قبل القيود التي فرضها كوفيد-19، والآن أصبح الوضع أسوأ من السابق.

مع انتقال جلسات المحكمة إلى منصات مكالمات الفيديو، كانت “شيريز ثاكور”، التي خلفتني كمنسّقة للمناصرة في amaBhungane، تطارد موظّفي المحاكم عبر الهاتف والبريد الوارد مُحاوِلةً الحصول على جداول جلسات المحكمة التي نشرت على الإنترنت في وقت قريب كشرط أساسي لضمان بقاء عمليات المحكمة مفتوحة.

في أسابيع الفوضى التي أعقبت إغلاق جنوب أفريقيا، وثّق الصحفيون في الشارع وحشيّةَ الشرطةِ والجنود  الذين تم إرسالهم لتنفيذ الإغلاق، وقد تعرّض الصحفيون في عدّة مواقف للمضايقة، ومُنعوا من التصوير، بل وتمّ رميهم بالرصاص المطاطي.

ولكن من المؤكّد أن الأزمة الأكبر للصحافة في هذه اللحظة هي الأزمة الاقتصاديّة، وهناك حاجة ماسة إلى المناصرة الإعلامية لمعالجة الدّمار الاقتصادي الذي تعاني منه غرف الأخبار. وعلى الرغم من أن الكثيرين قد هبّوا لمواجهة التحدي الأكبر للصحافة في عصرنا، إلا أن الكثيرين قد لا ينجون منه.

وحتى قبل انتشار الوباء، بدا من غير المرجح أن “تبتكر” المنصات الصحفيّة الرئيسيّة طريقةً للخروج من المناخ المالي القاسي دون تدخلاتٍ تنظيميّة كبرى: تقديم منح عامة للمؤسسات الإعلامية، أو منح إعفاءات ضريبية للشركات التي تشتري الإعلانات، أو فرض ضرائب على عمالقة التكنولوجيا، أو أي طريقة أخرى للاستجابة السياسية.

ولم يغامر عمل AmaBhungane في مجال المناصرة بعد في هذا المجال، على الرغم من أن منتدى المحررين الوطني لجنوب أفريقيا، قد بدأ البحث في المسائل المتعلقة بالسياسات في السنوات الأخيرة. إنْ كان هنالك لحظةٌ تقتضي صعودَ المناصرةِ لدعم الصّحافة فهذه اللحظة هي الآن.

سعت الصحافة الاستقصائية التقليديّة إلى إبقاء المناصرة خارج غرفة الأخبار. ولكننا الآن في مرحلة لا يمكن فيها أن نكتفي بممارسة الصحافة لتأمين مستقبل الصحافة. تحتاجُ الصحافة، الآن أكثر من أي وقت مضى، إلى الدفاع عن نفسها. وهذا ما أثبته لنا نموذج المناصرة الفريد الذي يتّبعه مركز amaBhungane.

 

موراي هنتر مستشار إعلامي ومدافع عن الحقوق الرقمية. عمل في السابق كمنسق لحملة Right2Know في جنوب أفريقيا، وألّف  كتابًا للأطفال عن المراقبة الرقمية. يكتب هنتر هنا لمركز amaBhungane للصحافة الاستقصائية – وهو عضو في شبكة GIJN – حيث كان يعمل منسقا للمناصرة في فبراير ومارس 2020.

 

 

إعادة نشر مقالتنا عبر الانترنت أوطباعة تحت رخصة النشاط الابداعي

إعادة نشر هذا المقال


Material from GIJN’s website is generally available for republication under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International license. Images usually are published under a different license, so we advise you to use alternatives or contact us regarding permission. Here are our full terms for republication. You must credit the author, link to the original story, and name GIJN as the first publisher. For any queries or to send us a courtesy republication note, write to hello@gijn.org.

إقرأ التالي

ورقة نصائح الأمن والأمان نصائح وأدوات

كيف يمكن للصّحفيين أن يعتنوا بأنفسهم عند التّحقيق في الصور القاسية للحرب والصراع

يواجه خبراء المصادر المفتوحة كمًا هائلاً من الصّور القاسية. فكيف يمكن للصّحفيين حماية أنفسهم من الأذى الناجم عن مشاهدة الصّور الصّادمة باستمرار؟
التّحقيقات مفتوحةُ المصدرِ التي كانت في السابق محصورةً بمواقع متخصّصة مثل Bellingcat، دخلت عالم الصحافة السائدة، مدفوعة بالحاجة إلى التحقُّق على الفور من كميات كبيرة من الصور ومقاطع الفيديو والادّعاءات. بات لدى وسائل الإعلام الكبيرة مثل بي بي سي ونيويورك تايمز فرق مخصصة للتّحقيقات البصريّة، وتزايدت أهمية عملها في سياق حرب المعلومات.

العثور على سجلات أمريكية لمتابعة التّحقيقات العابرة للحدود

دليل لبعض مصادر البيانات الحكوميّة الأمريكيّة التي يمكن أن تساعد الصّحفيين الأجانب والأمريكيين في تغطية الحروب الأمريكيّة ومبيعات الأسلحة وتأثير السياسة الخارجيّة الأمريكيّة.

رون ديبرت في الجلسة الافتتاحية #gijc23

الأمن والأمان

أزمة القرصنة العالمية: كيف يمكن للصحفيين الاستقصائيين مواجهتها

تم تحذير أكبر تجمع على الإطلاق من الصحفيين الاستقصائيين من أنهم يواجهون وباء التجسس السيبراني ، ويجب أن يذهبوا إلى الهجوم لفضح الممثلين السيئين الذين يسعون إلى تقويض الأمن الرقمي.