WhatsAppLebanon. Image: Screenshot The New Humanitarian, Rafik El Hariri
كيف استخدمت وكالةُ “ذا نيو هيوماريتانيان” تطبيقَ واتساب لتغطية الانهيار الاقتصادي في لبنان
إقرأ هذه المقال في
نشرت وكالة The New Humanitarian العضو في الشّبكة العالميّة للصّحافة الاستقصائيّة مؤخرًا مشروعًا مبتكرًا لرواية القصص بعنوان واتساب لبنان؟ إنها قصة خمسة شباب على خط الفقر، تُروى من خلال رسائلهم على الواتساب، متداخلةً في خطٍّ زمنيّ للأحداث. نُشرتْ هذه القصّة عن المشروع في الأصل على Journalism.co.uk وأُعيد نشرها هنا بإذن.
إنّها قصة تُروى من خلال خمسة أبطال حقيقيين، ويستكشف القارئ جدولاً زمنيًا تفاعليًا للأحداث في لبنان بين عامي 2019 و 2022، وهي فترة انهيارٍ اقتصاديّ في البلاد، فقدتْ خلالها الليرة اللبنانية 90٪ من قيمتها. القصّة مبنيّةٌ على رسائل حقيقيّة أُرسلتْ على الواتساب، منصّة المراسلة المشفّرة التي يستخدمها 84٪ من البالغين اللبنانيين.
“هذا ما كانت عليه الحياة خلال السّنوات الثّلاث الماضية لخمسة شباب في لبنان، كما رووها على الواتساب. هذا الخطّ الزّمنيّ هو قصتهم، وهو قصّة لبنان أيضًا”، يخبرنا المؤلّفان. إنّها قصّة عن خطوط الفقر، ونقص الوقود، وصراعات الصحة النّفسية، وتضامن فئات المجتمع مع بعضها، وانفجار بيروت.
الشّخصيّات الرّئيسيّة هي باحثٌ سوري، وناشطٌ لاجئ فلسطيني، وعاملة منازلٍ إثيوبيّة مهاجرة، وعاملةُ إغاثةٍ لبنانيّة، وصحفيّة لبنانيّة.
تحدثت Journalism.co.uk إلى اثنين من الصحفيين الذين عملوا على هذا المشروع للاطّلاع على طريقة عمله. تحدثت مع “آني سليمرود“، محرّرة الشّرق الأوسط في وكالة The New Humanitarian، و”زينب شمعون“، صحفيّة وباحثة لبنانيّة مستقلّة، عملت كمنسّقة للمشروع.
سؤال: لماذا اخترتم توثيق القصّة بهذه الطّريقة؟
آني سليمرود: نبع جزءٌ من الفكرة من إحباطي ممّا شعرتُ أنّه فشلٌ صحفيّ في إدراك مدى انتشار أزمة لبنان وشموليّتها، وعمق أثرها في كلّ مناحي الحياة. غالبًا ما يعاني الصّحفيّون (وأنا من بينهم) لسرد القصص عندما لا تكون هنالك لحظاتٌ مهمّةٌ جديرةٌ بأن تظهر في عناوين الأخبار. لبنان لديه لحظاتٌ من هذا النّوع، مثل انفجار بيروت، ولكن النّاس يمرّون بصعاب لا تُصدَّق ولكنّها لا تصلح لتُكتب عنها أخبار ملفتة.
أوّلُ ما جاء ببالي بعد انفجار بيروت هو أن أستخدم الواتساب لأحاول الوصول إلى الأصدقاء والزّملاء، وسمعتُ في وقتٍ لاحقٍ عن مجموعات واتساب كان الناس يطلبون فيها أدويةً لا يمكنهم العثور عليها في الصّيدليات. خطر لي أن الكثير من القصص التي لا تُروى، التي لا تستطيع الصّحافة التّقليديّة أن ترويها لأننا لا نراها أبدًا، موجودةٌ هنا في هواتفنا.
كنتُ أفكر كثيرًا في الآونة الأخيرة بقيمةِ الإنصات في عملي كصحفيّة. عند العمل على مهمّة أو عند البحث عن قصّة، من السّهل جدًا توجيه مسار المحادثة فقط من خلال طبيعة الأسئلة التي نطرحها. لم أستطع القيام بذلك هنا لأن محادثات الواتساب قد جَرَتْ أصلاً، وأرى أن ذلك أمرٌ جيّد.
سؤال: كيف كانت الاستجابة للمشروع؟
آني سليمرود: كانت الاستجابة مذهلة. لقد حقّق نجاحًا جيدًا فعلاً من حيث الزيارات – على منصّات The New Humanitarian ومع شركائنا في النّشر – ولكن الأهم بالنّسبة لي هو أنه حقّق صدىً عند الجمهور اللبناني، وكان هذا منْ أهدافنا منذ البداية، وسبب نشرنا واتساب لبنان؟ باللغتين العربيّة والإنجليزيّة.
لقد حدّثني النّاس عن المشاعر التي انتابتهم بينما كانوا ينقرون على الرّسائل، وقالوا أنّهم ثمّنوا المراعاةَ والعنايةَ التي سردتْ بها The New Humanitarian قصّتَهم.
سؤال: تطبيق واتساب واسع الانتشار في لبنان. هل سهّل عليك الحصول على مساهمات من المصادر ، أم كان من الصّعب توضيحُ ما تريدينه من المصادر بسبب غرابة المشروع؟
زينب شمعون: هذا المشروع غير عادي وشخصيٌّ جدًا في نفس الوقت. عندما أطلقنا الدّعوة الأولى للمشاركة – حيث كان من المفترض أن يملأ الأشخاص المهتمّون نموذجًا ويرفقوا لقطات شاشة – لم ينجح الأمر. كان الناس بحاجة إلى معرفة المزيد ولهذا غيّرنا طريقتنا
قررنا أن نتواصل مع الأشخاص ونقدّم أنفسنا وما نريده، وأن نجيب على أسئلتهم قبل أن يطلعونا على بيانات شخصيّة وحميمة. خاصةً في منطقتنا، يُعدُّ الأمن الشّخصيّ مصدر قلق كبير ويصبح الناس انتقائيين بشأن ما يشاركونه. هذا التّواصل الشّخصي كان مفيدًا للغاية ومُثريًا للمشروع نفسه.
سهّلَ الواتساب الحصولَ على المساهمات من المصادر. تطلّب الأمر بعض الرّسائل الصّوتيّة بيني وبين المساهمين لبناء الثقة ولتوضيح كلّ شيء. إحدى ميّزات الواتساب هي سهولة التّعامل معه. كنتُ موجودةً دائمًا لأدردش معهم في أي وقت. كما كان من السّهل عليهم مشاركة لقطات الشّاشة وإعادة إرسال الرسّائل الصّوتيّة إليّ مباشرةً عبر الواتساب.
ومع ذلك، بالنسبة لروزا (عاملة مهاجرة إثيوبيّة)، نظرًا للوضع الحسّاس للعمال المهاجرين في لبنان، اضطررتُ لزيارتها مرّتين لأتعرّف عليها وأقابلها شخصيًا ولأشرح لها كلّ شيءٍ بالتّفصيل. تغيّر الأمر كثيرًا بالنّسبة لها عندما رأتني شخصيًا. كانت قد أحبّت فكرة المشروع من قبل وكانت راغبةً بأن تُسمع قصّتها، ولكن عندما التقينا زادتْ حماستهُا واستجابتُها للرّسائل على الواتساب بعد ذلك.
سؤال: ما هي التّحديات الأخرى التي واجهتِها أثناء بحثك عن مصادر مختلفة؟ هل كانت هناك أيُّ حساسيّات خاصّة تعيّنَ عليك التفكير بها؟
زينب شمعون: الوصول إلى مجتمع المهاجرين في لبنان كان من أبرز التّحديات. بسبب نظام الكفالة في البلاد [نظام الكفالة يعطي سلطات كبيرة لأصحاب العمل على العمّال المهاجرين]، لا يملك العمّال المهاجرون (وخاصة المنزليّون) القدرة على اتّخاذ قراراتهم الخاصّة، حيث يهيمن كفلاؤهم على قراراتهم. حاولتُ التّواصل مع العديد من عاملات المنازل، وشكّكَ كفلاؤهن بالمشروع ومنعوهن من المساهمة رغم رغبتهن في مشاركة قصصهن.
كان المساهمون قلقين بشكل أساسيّ على هويّة الأشخاص الذين يتحدّثون معهم على الواتساب وطلبوا منا استخدام أسماء مستعارة. كان التّحدي الآخر هو التأكُّد من أن المساهمين لديهم بالفعل محتوى من عام 2019. تواصلنا مع العديد من الأشخاص المهتمّين بالفكرة، ولكن لسوء الحظّ، كانوا قد حذفوا كلّ محادثات الواتساب.
من الأشياء المهمّة التي وضعناها في الاعتبار منذ بدايات المشروع هو عدم التّسبُّب في أيّ ضرر أو معاناة نفسيّة للمساهمين. ليس من السّهل تصفُّح محادثاتٍ عن أحداث مدمِّرة. قد يكون محبطًا للغاية أن تعيش مرّةً أخرى ما يمكن اعتباره متاعب “أصغر”، مثل الشّكوى من انقطاع الكهرباء ونقص الوقود.
كان العمل الصّحفي الواعي للصّدمات النّفسيّة مهمًا جدً، الأهمية ولم يُدفع المساهمون إلى الخوض في مواضيع لا يريدون الخوض فيها. كما قلنا لهم إنه بإمكانهم التّوقُّف عن البحث في محادثاتهم في أيّ وقت. شعرنا أيضًا بأن علينا مسؤولية تعويضهم عن جهدهم العاطفيّ.
سؤال: ما مدى صعوبة سرد جميع الأحداث على مدار السنوات الثّلاث الماضية والتّفكير في الشخصيّات الملائمة ؟ ما هو نسق العمل الذي اتّبعتموه لإنجاز العمل؟
آني سليمرود: لقد كانت عمليّةً تعاونيّةً طويلة. كان إشراك “زينب شمعون” كمنسّقة للمشروع أمرًا بالغ الأهمّية، لأنّها لبنانيّة وتعيش نفس الأزمة التي ترويها القصّة. كما أنّها شخصٌ حسّاسٌ حقًا، وهو أمر مهمٌّ عندما تطلب من الناس مشاركة محادثاتهم الشخصيّة منْ فترةٍ مؤلمةٍ فعلاً.
تنبع رسوم رفيق الحريري من مكان مماثل: فهو أيضًا لبناني ويفهم السّياق. لم يكن بحاجة إلى استخدام صور صادمة ليعطي المَشاهدَ صدىً عاطفيًا مدهشًا.
أردتُ أنا وزملائي في The New Humanitarian العثورَ على مساهمين يمثّلون قدر الإمكان كلّ منْ يعيشون في لبنان – لذلك لديك لبنانيون من أماكن مختلفة من البلاد، وأشخاص من ديانات مختلفة، ولاجئ فلسطيني، وسوري، وعاملة منزليّة مهاجِرة من إثيوبيا.
من حيث نسق العمل، وجدنا أنفسنا في النّهاية نعمل على جدولِ بياناتٍ (spreadsheet) ضخم أنشأه “مارك فهر“، كبير مطوّري الويب في The New Humanitarian. يشمل كلّ الرّسائل باللغتين الإنجليزيّة والعربيّة، بالإضافة إلى الكثير من البيانات التي لزمتْ “مارك” لبرمجة الخط الزّمني. كان بإمكان أيٍّ منّا أن يُحدّثه في أيّ وقت، حتّى نتمكّن من العمل على جداولنا ومناطقنا الزّمنيّة.
توضّحتْ بسرعة الأحداث والموضوعات الرّئيسيّة التي أردنا تقديمها. كانت الأشياء التي كان يتحدّث عنها الجميع: الاحتجاجات، والكهرباء، والبنوك وسعر الصرف، وانفجار بيروت، والقتال في تشرين الأول/أكتوبر 2021 في منطقةٍ من بيروت تسمّى الطيونة.
س: ما الذي أردتم أن يستخلصه القرّاء من المشروع؟سواء قرّاء The New Humanitarian أو القرّاء في العالم أو داخل لبنان؟
زينب شمعون: في أوقات الأزمات، يميل الناس إلى الانعزال وينتابهم شعورٌ ساحقٌ بالوحدة. أريد أن يعرف القرّاء داخل لبنان أنهم ليسوا وحدهم.
نحن نعيش مشاعر مشابهة ونتشارك ثقلَ العبءِ على مستويات مختلفة. معرفةُ أن الآخرين يمرّون بنفس المشقّة لا يجعل الأمر أسهل، ولكن على الأقل، يجعله أقلّ عزلة. التّضامن الاجتماعي هو ما يبقينا مستمرّين في لبنان وهذا المشروع هو فرصةٌ لاستعادة أشكال مختلفة وحميمة من التّضامن الاجتماعي.
بالنسبة للقراء في العالم، أودّ أولاً أن يكونوا مطّلعين على ما يحدث في أماكن مختلفة من العالم وأن يُنشئوا شبكات تعاطف. من الصّعب تخيُّل تأثير الأزمة إذا لم تكنْ قد عانيت منها. ويُظهرُ هذا المشروع للقرّاء في العالم الأشخاصَ الكامنين وراءَ عناوين الأخبار التي يقرؤونها عن لبنان وسوريا وفلسطين وبلدان أخرى.
هؤلاء أشخاصٌ عليهم أن يعيشوا بشكلٍ طبيعيّ رغم كلّ ما يجري من حولهم، يدرسون ويعملون ويكوّنون أُسرًا ويتواصلون ويعتنون بأنفسهم وبأسرهم. هذا ليس أمرًا سهلاً ويتطلّب الكثير من الجهد العقليّ والعاطفيّ، وها هم يحقّقون ذلك.
للاطّلاع على المزيد من النّقاشات المعمّقة، وعلى كواليس مشروع “واتساب، لبنان؟” شاهد فيديو يوتيوب أدناه.
جمع الفريق قائمة أغانٍ لمشروع واتساب لبنان؟ تضمّ أغاني اختارها المساهمون، على سبوتيفي أو يوتيوب، أُطلق عليها اسم “الموسيقى التّصويريّة لانهيار لبنان”. هناك المزيد من المعلومات عن المشروع هنا.
جاكوب غرانغر هو كبير مراسلي الوسائط المتعدّدة في Journalism.co.uk، وهي شركةٌ إعلاميّة مستقلّة رائدة، تقدّم تغطية إخباريّة لقطاع الإعلام منذ سنة 1999.