Image: Shutterstock
الاستقصاء عن الاتجار بالسلاح
إقرأ هذه المقال في
ملاحظة المحرر: ستنشر شبكة GIJN خلال الأسابيع القليلة المقبلة سلسلةً مستوحاة من “دليل المراسل للتّحقيق في الجريمة المنظمة” الذي سيُنشر قريبًا، وسيُطلَق بنسخته الكاملة في شهر نوفمبر في المؤتمر العالميّ للصّحافة الاستقصائيّة. كتبتْ خديجة شريف هذا الجزء الذي يركّز على الاتّجار غير المشروع بالأسلحة. “شريف” هي كبيرة محرّري قسمِ أفريقيا في مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد (OCCRP).
تعلّم المخرجُ السينمائيّ “أندرو نيكول” درسًا مكلفًا عندما بدأ بشراء المعدّات الدّاعمة لفيلم “سيّد الحرب” عام 2005. اكتشف أن شراء الأسلحة -الحقيقيّة – أرخص وأسهل من شراء الأسلحة المزيّفة. وقال خلال الجولة الصحفيّة للفيلم، أنّه مضى قدمًا واشترى 3000 بندقية كلاشنيكوف حقيقيّة، واستأجر أيضًا دبّاباتٍ عسكريّة. جاء الجزء المكلف لاحقًا، فبالرغم من تدميره لبعض الأسلحة في جنوب أفريقيا للحيلولة دون إعادة استخدامها، إلا أن متطلّبات الميزانيّة أجبرته على بيع البقيّة (بخسارة)، مما دفعه إلى بيع الأسلحة بنصف سعرها لأن السوق كانت مليئة بالأسلحة.
بُني فيلم “زعيم الحرب” بشكل جزئيّ على قصصِ تجّار أسلحة حقيقيين مثل “فيكتور بوت” في روسيا، ويبدأ الفيلم بتتبُّع إغراء الرّصاصة وتهديدها بينما تتكوّن، ابتداءً من البارود ثم إلى الغلاف المعدني وبعدها إلى الحزام النّاقل ومنها إلى الصّناديق. في نقطةٍ ما بين الصّناديق والقتل، تُنقل الأسلحة إلى ميليشيات عاديّة وإرهابيين و”أمراء حرب” طوطميين (أصحاب رمزيّة روحانيّة) في ساحات القتال في جميع أنحاء العالم. يقارب الفيلم حيوات الدّيكتاتور الليبيري “تشارلز تايلور” كمُشْتَرٍ و”فيكتور بوت” كمُوَرِّد، ويعرّي الفيلم العلاقة المعقّدة والمبهمة بين الحكومات وجماعات الضّغط وتجّار الأسلحة والمموّلين وعملاء الاستخبارات والنّاقلين والسُّعاة في العراء.
ومنذ سقوط “بوت” و”تايلور” (حُكِم على الأوّل بالسّجن لمدة 25 عامًا في سجن أمريكي بعد أن وقع في كمين، وحُكِمَ على الثّاني بالسّجن لمدّة 50 عامًا بعد محكمةٍ لجرائم الحرب في لاهاي) ارتفع الإنفاق العسكريّ العالميّ إلى قرابة التريليوني دولار سنة 2020. كما أن الدّول الأربعة الأكثر إنفاقًا على التسلُّح (الولايات المتّحدة والصّين وروسيا والمملكة المتحدة) هي أيضًا من بين أكبر مورِّدي الأسلحة عالميًا. تشبكُ سوق الأسلحة العالميّة بين التّبادلات التّجارية والماليّة، ضمن نماذج الأعمال التّجارية نفسها التي تحرّك الجريمة المنظمة العابرة للحدود، والتربُّح من الحرب، والاقتصادات الاستبداديّة أو تلك التي تحرّكها الصراعات.
ويرجع ذلك إلى أن القوانين الوطنيّة التي تحكم تجارة الأسلحة متفاوتة ومتناقضة وتتأثّر بالقيادات الفاسدة ومليئة بالثّغرات. وتترواح الحواجز الأخرى التي تحول دون كشف تجارة الأسلحة بين السرّية البحريّة وسرّية الطّيران التي تخفي نقل الأسلحة؛ والشركات الكبرى التي تحمي تجّار السلاح والمشغّلين؛ ودور الدّول المجاورة كقنوات؛ ونظام المقايضة الذي يسمح لسلعةٍ غير مشروعة، كالعاج مثلاً، أن تُستبدل بسلعةٍ أخرى.
وطالما أن الوثائق نظاميّة، يمكن نقلُ البضائع المُتَّجر بها على مرأى من الجميع ما لم يكن لدى الجمارك، أو غيرها من الهيئات الرّسمية، أدلة دامغة لمصادرة البضائع وتفتيشها. وكما قال لي أحد المسؤولين ممّن يعملون في مطارٍ خاصٍّ في جنوب أفريقيا: “نحن لا نكسب شيئًا ولا نملك شيئًا… ليس في وسعنا أن نواجهَ أو نخلقَ أعداءً أقوياء”.
وعلى عكس الاتّجار بالمخدرات أو البشر، وهو أمرٌ محظورٌ في كلّ مكان، فإن ثالوث السرّيّة الماليّة والأسلحة، وفي كثير من الأحيان، يمكن أن تمرّ الجريمة البيئيّة، كالاتّجار بالحطب أو الصّيد غير المشروع للحياة البرية، دون أن ينتبه إليها أحد. ويمكن أن يعتمد كلّ ذلك على السرّيّة التي توفّرها الأنظمة القضائيّة المختلفة ونظمها القانونيّة والماليّة ونظم النّقل التّابعة لها.
فعلى سبيل المثال، لم يمنعْ سجنُ “بوت” شبكتَه من الاستمرار في توريد الأسلحة من السّودان إلى سوريا باستخدام وسطاء من جنوب أفريقيا وروسيا، وشركات وهميّة من جُزُر موريشيوس، وتصاريح جوّيّة مزوَّرة للحصول على أسطولٍ من طائرات تهريب الأسلحة. ويقال إن بعض شركات الطّيران هذه لا تزال تعمل في موريشيوس، وتفتخر بتشغيل رحلات على متن “الطّائرات الخاصّة”.
وقد تطفئ الطّائراتُ التّجاريّة أجهزة الإرسال والاستقبال عندما تكون في المجال الجويّ الدّوليّ، مما يُعمي عنها عيونَ مراقبي حركة الطّيران. ولكن أسطول الطّائرات الصّغيرة التّابع لـ”بوت” -وخاصّة الطّائرات القديمة التي لا تحتوي على أنظمة GPS مدمجة- لا يمكن اكتشافها تقريبًا ويمكن أن تطير دون أن تكشفها الرّادارات على الإطلاق داخل البلدان أو بينها. ولم تتصرف حكومة موريشيوس في ذلك الحين تصرّفًا جوهري فيما يتجاوز التّصريحات الإعلامية التي نفوا فيها ارتكاب أيّ مخالفات.
إن الحماية التي توفّرها الحكومات التي تبيع الأسلحة أو تدعم صناعاتها الخاصة، فضلاً عن الملاذات الضريبيّة التي تتيحُ المجالَ أمام الاستعانةِ بمصادر خارجيّة للأنشطة “نت هنا إلى أماكن أخرى”، تقطع المعلومات التي يمكن للجمهور الوصول إليها بشكلٍ كاملٍ تقريبًا.
غالبًا ما يكون الصّحفيّون الاستقصائيّون أوّلَ منْ يحدّد النّشاط غير المشروع أو غير القانونيّ أو الفاسد الذي ينطوي على أسلحة، وهي أنشطةٌ مرتبطةٌ في الغالب بنزاعات قائمة أو قادمة، وبالجريمة المنظَّمة، والفساد، واستغلال الموارد الطبيعيّة.
النّطاق العالمي
تحتكمُ صناعةُ الأسلحة لتشريعاتٍ دوّليّةٍ أقل إلزامًا وتنفيذًا من صناعة الموز أو الصويا، مما دفع الخبراء إلى الادّعاء سَلَفًا أن هذا القطاع يشكّل ما لا يقل عن 40٪ من الفساد العالميّ المعروف.
تُشكّلُ عشرة بلدان فقط ما نسبته 90٪ من إمدادات الأسلحة العالميّة. في السّنوات الأخيرة، جاء قرابة الـ 40٪ من الإمدادات العالميّة الموثَّقة للسلاح من الولايات المتّحدة. وقد ذهب قرابة نصف صادرات الأسلحة الأمريكية إلى الشرق الأوسط وعلى رأسها المملكة العربيّة السّعوديّة، أكبر مستوردٍ للأسلحة في العالم.
تشجّعُ العلاقات الدبلوماسيّة وضغطُ الأقران الدُّولَ على الإبلاغ عن واردات وصادرات الأسلحة السنويّة. فعلى سبيل المثال، تنشئ معاهدة تجارة الأسلحة التي تبنّتها الجمعيّةُ العامّة للأمم المتّحدة إطارًا متعدّد الأطراف للحدّ من تجارة الأسلحة واستخدامها في الصّراعات وانتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب. ولكن في الوقت الذي صادقت فيه أكثر من 100 دولة على المعاهدة، فإن أبرز الدّول المُصدِّرة للأسلحة مثل الولايات المتّحدة وروسيا لم توقّع عليها، وحتى بعض الدّول التي صادقت عليها، مثل الصين، لم تقدّم تقاريرها السّنويّة.
ومن النّاحية العمليّة، لا تتضمّن هذه الإفصاحات بياناتٍ داعمة بشكلٍ روتينيّ،وبدلاً من ذلك تقدّمُ فقط قائمةً بالادّعاءات التي يستحيل على العامّة، أو الحكومات الأجنبيّة، التّحقُّق منها. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لراعٍ أو سياسيٍّ رفيعِ المستوى في بعض البلدان التي تقدّم تقارير عن تجارة الأسلحة، أن يقدّم الأنشطة غير المشروعة ضمن إطارٍ قانوني. وفي الدّول التي تنظّمُ دورَ تجارة الأسلحة، تكون التّعريفاتُ القانونيّة لما يُعتبرُ نشاطًا غير قانوني غامضةً أو متناقضةً في بعض الأحيان.
من الأخطاء التي يصعب التقاطها في المعاملات التي يبدو أنها مشروعة: العقود أو الشّحنات التي تحتوي على منتجاتٍ أكثر مما هو مُسجَّل، والاختلافات في الإبلاغ التي ينجم عنها تضاربات كلّ سنة، والبلدان التي تصنّف الأسلحة بشكلٍ مختلف. يصعِّبُ هذا فهْمَ إنتاجِ قطاع الأسلحة وانتشارها وتبريرها، فضلاً عن الدّيون المصاحبة لها، وتجارة المقايضات، والمبادلات التي ينطوي عليها الأمر.
كيف يمكنك إذن أن تمحّصَ أكثر وأن تُدعِّمَ تحقيقاتك من خلال الاستفادة من البيانات العامة؟
شأنٌ خاص
ما لم تكن البلدُ تحت الحظر أو خاضعةً للعقوبات، فإن تجارة الأسلحة بين الدّول شأنٌ خاصٌّ إلى حدٍّ كبير ولا يوجدُ إلا القليل من الضّوابط والتّوازنات. ولكن حتى تبدأ في عملك الصّحفيّ، سيكون من المفيد لك أن تفهم أساسيات صفقة الأسلحة:
1 – عادةً ما تُعلن الحكومة المستورِدة العطاءات (المناقصات) أو تطلب المورّدين بشكلٍ خاص – أو تكونُ الحكومةُ الطّرفَ المتلقّي للضّغط من الشركات الأجنبيّة والحكومات التي تسعى للبيع لها.
2 – ثم توافق الحكومة المُصَدِّرة على البيع الدّولي للأسلحة، وبيع الخدمات والنّظم التّكنولوجيّة، للطّرف المستورِد. (لكل بلدٍ إجراءاتها المحليّة الخاصّة للحصول على هذه الموافقة).
3 – يمكن تصنيع الأسلحة وبيعها من قِبل شركاتٍ خاصّة أو كيانات مملوكة للحكومة أو خاضعة لرقابتها.
4 – انتبه: قد يتمّ تصنيع وبيع الأسلحة من قِبل الحكومة المُصدِّرة نفسها باعتبارها “صفقة عسكرية أجنبية”) أو من قِبل قطاعِ الدّفاعِ الخاصّ في البلد المصدِّر (باعتبارها صفقة “تجارية”).
تدعمُ معظمُ الدّول المُصدِّرة قطاعَ الدّفاع الخاصّ لديها وتحميه كجزءٍ حاسم من الأمن القوميّ وكأداة لبناء التّحالفات الجيوسياسيّة. شهادات المستخدم النّهائي (الأوراق الأوليّة التي وقّعتها الحكومةُ المستورِدة) تُبيّن السّلع المشتراة وتوضِح أن الأسلحة لن تُستخدم إلا لأغراض محدّدة، مثل “التّدريب، ومكافحة الإرهاب، والأمن، وعمليات إحلال الأمن والاستقرار”. والغرض من شهاداتِ المستخدمِ النّهائي هو الحيلولة دون استخدام الأسلحة في الفظائع أو انتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن إعادة بيعها أو “إهدائها” إلى الدّول المنبوذة أو الكيانات المارقة.
بيد أن الحقيقة هي أن الكثير من الأسلحة، وخاصّةً الأسلحة الصغيرة، التي تُباع إلى مُشترٍ قد ينتهي بها المطاف بين يدي مُشترٍ آخر. على سبيل المثال، لم يؤثّر حظر الأسلحة الذي فرضتْه الأممُ المتّحدة على ليبيا بشكل كبير على تدفُّق الأسلحة إلى البلد. وقد سمحت الأعلامُ الزّائفة وسرّيّة الشّركات والشّحن عبر الملاذات الضّريبيّة البحريّة مثل جزر البهاما وليبيريا وجزر مارشال لليبيا باستيراد إمدادات غير قانونيّة أو محظورة منتهكةً الحظر. وقد مكّنت الشّركاتُ الوهميّةُ ليبيا من الحصول على عربات عسكريّة مدرّعة وأسلحة وقنابل من مورّدين في الإمارات العربية المتّحدة ومن شركات الأمن الرّوسيّة الخاصّة.
قد لا تدفعُ البلدان نقدًا دائمًا. ويلعب التّمويل القائم على التّجارة دورًا في هذا الصّدد.
في السودان، تمّ تصدير الذّهب من جبل أمير، أحد أكبر مناجم الذّهب في أفريقيا في إقليم دارفور الذي مزّقته الصّراعات، إلى الإمارات العربيّة المتّحدة. وفي المقابل، قدّمت الشّركاتُ الوهميّة المسجّلة في الإمارات ناقلات جنود مدرّعة وموادّ أخرى.
وتؤكّد التحقيقات في الاتّجار بالأسلحة أن سهولة الحصول على الأسلحة لا تدعمُ الجريمةَ المنظّمة، والسلطويّةَ، والصّراعَ فحسب، بل تغذّيها أيضًا. خلال عام 2020، دمّر الكوفيد-19 الاقتصادات ونجمت عنه حكوماتٌ تعاني من الضّوائق الماليّة، ومعها خفّفت جنوب أفريقيا القيود على بروتوكولات اللازمة للحصول على شهادات المستخدم النهائي تحت ضغطٍ من المملكة العربية السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة. وبدلاً من أن يقيِّم مفتشو الأسلحة شرعيّةَ عمليّاتِ النّقل، باتت الصّفقات تخضع الآن لـ “إجراءات دبلوماسيّة” أقلّ صرامة.
ومع ذلك، هنالك معلوماتٌ كافية لتحديد الجوانب الحاسمة للصحفيين الاستقصائيين الذين يمكنهم عبور الحدود الدّوليّة، وللتّحقُّق منها وتأكيدها. ويمكن القيام بذلك عن طريق تتبُّعِ بنية تجّار الأسلحة والنّظام الذي يتّبعونه لتنفيذ الصّفقات. وحتى عندما يحاولُ تجارُ الأسلحة تغييرَ أنماط سلوكهم أو زيادة فعاليتها أو سريتها، إلا أنهم بطبيعتهم البشريّة ينشئون نمطًا جديدًا.
دراسات الحالة
Merchant of Death (تاجر الموت)
ربما كان رائد الأعمال الروسي “فيكتور بوت” أكبر مهرّب أسلحة في العالم. وقد أُطلق عليه لقب “ساعي البريد الأكثر كفاءةً في العالم”، لأنه كان يسلّم جميع أنواع البضائع، وخاصة الأسلحة غير المشروعة. قائمة زبائنه للأسلحة كانت معقّدة وكانت شركته، التي كثيرًا ما تغيّرَ اسمُها وموقعُها، تزوّد عملاء مثل “أحمد شاه مسعود”، زعيم التّحالف الشمالي في أفغانستان، بينما تبيع الأسلحة لطالبان أيضًا، عدوة مسعود. كان يبيع الأسلحة لحكومة أنغولا، وكذلك للمتمردين الذين يسعون للإطاحة بها. وأرسل طائرةً لإنقاذ “موبوتو سيسي سيكو”، ديكتاتور زائير، وباع الأسلحة للثوار الذين كانوا يقاتلون ضده. كما عمل مع القوّات المسلحة الثّوريّة الكولومبيّة (فارك) والدّيكتاتور الليبيّ سيئ السمعة “معمّر القذافي”، وغيرهم الكثير.
كان “بوت” معروفًا بعمله في الاتّجار بالأسلحة غير المشروعة، لكنه كان يعمل في نقلِ شحناتٍ مشروعةٍ أيضًا. وشملت هذه الأعمال مئات الرّحلات للأمم المتّحدة وغيرها من المنظّمات الإنسانية. كما عمل مع الحكومات الغربيّة، ومنها حكومة المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة. وقد دفع له البنتاغون والمتعاقدون معه ملايين الدّولارات لدعم جهود إعادة الإعمار بعد الحرب.
كتب المحققان “دوغلاس فرح” و”ستيفن براون” كتابًا عنه بعنوان: “تاجر الموت: المال والبنادق والطائرات، والرجل الذي يجعل الحرب ممكنة” بالاعتماد على مقابلاتٍ مع دبلوماسيين وأفراد متخصصين في تعقُّب أنشطة “بوت“، ومقابلات مع معارف “بوت”، ومعه هو شخصيًا.
تتبُّع رموز الطّائرات
ويمكن لبيانات الطيران – بما في ذلك رموز الذيل (أو أرقام تسجيل الطّائرات) – أن تكشفَ الكثير من المعلومات. لنأخذ جمهورية الكونغو (التي تسمى أحيانًا الكونغو برازافيلي لتمييزها عن جمهورية الكونغو الديموقراطيّة): لم تُبْلِغ البلاد عن أيّ واردات أسلحة لأكثر من ثلاثة عقود، وبما أن البلاد ليست خاضعة لحظرٍ على الأسلحة، فليس مُطالبةً بالكشف عن صفقات الأسلحة من قِبل أيّ هيئة دوليّة مثل الأمم المتّحدة. ومع ذلك، هناك أدلّة على استيراد جمهوريّة الكونغو مؤخرًا لأكثر من 500 طن من الأسلحة من أذربيجان، مع عمليات نقل كبيرةٍ تمّت على الأغلب قبل الانتخابات، كما حدث في عامي 2016 و2021. ثم استخدمت هذه الأسلحة بعد تلك الانتخابات لقمع المعارضة، حسبما خلص تحقيقنا مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد. معظم الأسلحة، من قذائف الهاون والصّواريخ والقنابل اليدويّة والمدافع الرشّاشة عالية القوّة، تم تصنيعها أو شراؤها من بلغاريا وصربيا من قِبل الحكومة الأذربيجانيّة.
وتظهرُ الوثائق أن بعض الصفقات أدرجت الحكومة السعودية على أنها “طرفُ رعايةٍ”. وتجلّت الرّعايةُ السعودية عندما دخلت جمهورية الكونغو المنتِجة للنفط إلى منظمة أوبك التي تهيمن عليها السّعودية، والتي تسيطر على أربعة أخماس إمدادات النفط العالميّة. تعمل أذربيجان وجمهورية الكونغو فعليًا كديكتاتوريّاتٍ تديرها الأسُر الحاكمة، بينما يحكمُ المملكةَ العربيّةَ السعوديّة نظامٌ ملكيٌّ تديره عائلة. كشفَ تتبُّع علامات الطّائرات كيف تمّ نقل الأسلحة في البداية من قبل القوّات الجوّيّة الأذربيجانيّة، ولكن بدءًا من عام 2017، بدأتْ شركةُ طيرانٍ خاصة، هي خطوط Silk Way الجوّيّة، في نقل الأسلحة بدلاً من القوات الجوية. وكشركة طيران خاصّة، فإن “Silk Way” – المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأسرة الحاكمة في أذربيجان – كان من المرجّح أن تخضع لتدقيق أقلّ من نظيرتها العسكريّة.
وسيط من النّيجر
في النيجر، واحدة من أفقر بلدان العالم، أُنفِق قرابة المليار دولار أمريكي على الأسلحة في الفترة الواقعة بين 2011 و2019، ويبدو أن مسؤولين فاسدين قد استولوا على ما لا يقلّ عن 137 مليون دولار في صفقات أسلحة مضخَّمة. في عام 2016، اشترت وزارة الدّفاع النّيجريّة مروحيّتين عسكريّتين للنّقل والهجوم من منظّمة Rosoboronexport الروسية، وهي المنظمة الحكوميّة المسؤولة عن تصدير المعدات العسكريّة. عمليّةُ الشّراء التي شملت بنودًا باهظة للصيانة والذخيرة، كلّفت النيجر 54.8 مليون دولار – بزيادةٍ بلغت نحو 19.7 مليون دولار لم يتمّ تفصيلها ولا يمكن تبريرها. تلقّت الحكومة الرّوسيّة المبلغ من خلال فرع من VTB، وهو بنك مملوك للأغلبيّة من قبل الحكومة الروسية.
منحتْ وزارةُ الدّفاع وسيطًا واحدًا، هو “أبو بكر هيما”، توكيلاً بالنّيابة عن النّيجر، مما سمح له بتوجيه العقود إلى شركاته الوهميّة والتّلاعب بالصّفقات بطرقٍ تقوّض أو تتجاوز التّشريعات ولجان الرّقابة. كما عمل وكيلاً للشّركات الرّوسيّة والأوكرانيّة وحتى الصّينيّة في نفس الصّفقات – حيث سيطر فعليًا على كلّ المعلومات بين الأطراف. في ذلك الوقت، كان هيما مطلوبًا من قِبل حكومة بلده نيجيريا، وكان قد أدلى بشهادته في محاكم الولايات المتحدة في قضايا متعلّقة بالاتّجار غير القانوني بالأسلحة.
كما يمكن لمصادر مثل وثائق المحكمة وكتيّبات التّسويق ومواقع الشّركة على الإنترنت، أن توفّر معلوماتٍ عن الأسعار لكمّيّات مماثلة أو معروفة من مبيعات الأسلحة. حتى عناوين بروتوكول الإنترنت (IP address) لأسماء الدومينات يمكن أن توفر أدلّة ثمينة.
نصائح وأدوات
كأيّ شكل آخر من أشكال التّعامل بالسّلع، يجب طلب الأسلحة وتصنيعها، وتوثيقها وشراءها، وبيعها أو مقايضتها، ونقلها من المرسل إلى المتلقّي. ابحث عمّا يلي:
سجلات الأسلحة: أُنشئ سِجِلّ الأمم المتّحدة للأسلحة التقليديّة عام 1991 لتوثيق التّجارة الرّسمية بالأسلحة بين الدّول من خلال الإفصاح الطّوعي. وهذه المبيعات متاحة للجمهور وقد تكشفُ عن إخفاء إحدى الحكومات للمعلومات عندما تمتنع عن الإبلاغ عن مبيعات الأسلحة التي كشفت عنها نظيرتها في الصّفقة. ويشمل السجل الأسلحة الصّغيرة مثل الرّشّاشات الثّقيلة وقاذفات الصواريخ، فضلاً عن أنظمة الأسلحة الرّئيسيّة مثل المركبات القتالية المدرَّعة، والمروحيّات الهجوميّة، والصّواريخ طويلة المدى. معهد ستوكهولم الدّولي لبحوث السلام (SIPRI) مصدرٌ مفيد، يتضمّن تقارير قُطريّة وبيانات عن النّفقات العسكريّة وعمليّات نقل الأسلحة وحظر الأسلحة، بل ويتتبّع المساعدة العسكريّة بين الدّول.
سجلات النّقل: يمكن لمجموعات بيانات الطيران مثل FlightRadar24 وFlightAware توفير معلومات عن الطّائرات بما في ذلك رموز ذيل الطّائرة، وبلد التّسجيل، وتحرّكات الطائرات مؤخّرًا، في حين أن منتديات الطيران مثل Reddit r /aviation أو Airliners.net توفّر معلوماتٍ فريدة يلاحظها الطّيارون والطواقم الفنية في جميع أنحاء العالم. اطّلع أيضًا على دليل GIJN لرصد الطّائرات ومنصّة تتبُّع الطائرات Icarus التّابعة لـ C4ADS. بالنّسبة للشّحن البحريّ، ابدأ منْ مادّةِ GIJN “تتبُّع السفن في البحر”، ثمّ انتقل إلى مجموعات البيانات مثل مجموعة Marine Traffic وImport Genius وPanjiva للحصول على معلومات عن الطّرق والمنتجات والمرسِلين والمستَقبِلين والتّواريخ والعناوين. وكشأن الطائرات، يجب أن تكون السّفن مسجّلةً في بلد ومملوكة من قبل حكومة أو شركة أو شخص. من مؤشّرات الخطر في الشحن الولايات القضائيّة الضريبيّة المتخصّصة في سرّيّة الملاحة البحريّة والجويّة مثل جزر مارشال وبرمودا وليبيريا، التي حَمَتْ وسوّقت هذه السجلات بشكلٍ قانونيّ.
هياكل الشّركات: بالإضافة إلى تحديد ملكيّة وإدارة الشركات من خلال قواعد البيانات، ابحث عن البنية القانونيّة والماليّة للجهات الفاعلة المعنيّة. ابحث عن الغرض من الشّركة، والبلدان التي تعمل فيها، وتفاصيل الشركات المرتبطة بها، وأنشطة العمل التي تجريها. كما أنه من المهم مطابقة أصل الأصول والإيرادات، وما هي الضّرائب والخسائر والأرباح المسجّلة وأين يتمّ تسجيلها، فضلاً عن البنية التحتيّة الماليّة للشركة وما إذا كان هنالك أي دعوى قضائية قادمة قد تفرض الاستطلاع القانوني. وهذا يتطلّب البحث في البيانات العامة مثل سجلّات المحاكم والسجلّات الضّريبيّة، فضلاً عن فهم قوانين كلّ ولاية قضائيّة ومزاياها المحدّدة.
ولكن ربما تكون أفضل أداة يمكن للصّحفي نشرها هي السّعي وراء المعرفة حول دور الأسلحة المهم في الظلم في العالم من حولنا. إن الحصول على الأسلحة طريقةٌ لدعمِ سلطويّةِ أنظمةٍ مثل جمشهورية الكونغو والغابون وغينيا الاستوائيّة. كما أن الحصول على الأسلحة يسمح لعصابات الجريمة المنظّمة بتقويض الديمقراطيات وارتهان المجتمعات باستخدام المخدّرات والحياة البرّيّة والاتّجار بالبشر. وإلى أن تُثبت هذه الرّوابط، بوضوحٍ وقوّة، وبالأدلّة بدلاً من الحملات المجرّدة، ستُعامل الأسلحة كقضيّةٍ منعزلة وليس كعملةٍ عالمية تُستخدم للمقامرة بمستقبل الكوكب.
خديجة شريف صحفية استقصائيّة حائزة على عدّة جوائز. انضمّت إلى مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد في عام 2017 وهي حاليًا المحرّرة الأولى لقسم أفريقيا. كانت مديرة “منصة حماية المبلّغين”، وساهمت في تحقيقاتٍ عن قطع الأشجار غير القانوني في مدغشقر، والفساد في أنغولا، والتّجار الذين يؤججون الاتّجار بالأسلحة في ساحل العاج. “شريف” زميلة في برنامج “بوينتر” للصّحافة في جامعة ييل لسنة 2021.