Katherine Eban
أدواتي المفضلة: كاثرين إيبان
في سلسلتنا عن الأدوات المفضّلة للصحفيين، تحدّثنا مع “كاثرين إيبان”، وهي صحفيّة استقصائيّة ومؤلّفة حصلت على العديد من الجوائز لموادّها عن الاتجار بالأسلحة، وتزييف الأدوية، واستجوابات وكالة الاستخبارات المركزيّة.
تكتب ايبان حاليّاً في مجلّة فانيتي فير. كشفت عن الاحتيال المتوطّن في صناعة الأدوية المقلدة (الأدوية التي لا تحمل علامة تجارية)العالمية في كتابها الأخير الأكثر مبيعاً “زجاجة من الأكاذيب: خبايا ازدهار الأدوية الجنيسة (المقلدة).” وقد كتبت ثلاث قصص مهمّة حول كوفيد-19.
تحدّثت إيبان عن استراتيجيات فعّالة للوصول إلى مصادر الجائحة الرئيسية في جلسةٍ حواريّة عبر الإنترنت عن سلاسل الإمداد – وهي الجلسة التاسعة في سلسلة الشبكة العالمية للتحقيق في الوباء – المقابلة التالية:
كشفت إيبان أن تحقيقاتها عن كوفيد-19 استندت إلى حدٍّ كبير على أدوات تستخدم تقنيات بسيطة ووثائق ورقيّة – بدلاً من بعض وظائف البحث الرقميّ المتقدّمة المُستَخْدمة على نطاقٍ واسع – ووصفت كيف يمكن للأساليب القديمة في استخدام هذه الأدوات أن تكون فعالةً في الوصول إلى المصادر خلال فترات الإغلاق.
وفي تقرير لوكالة رويترز في أبريل/ نيسان، حققت إيبان في تبرّع كبير من عقار “ريسوشين” للمخزون الوطني للولايات المتحدة من قبل شركة باير الألمانية لصناعة الأدوية، بعد أن أن حصل المُنتج على موافقةٍ سريعة لعلاج مرضى كوفيد-19. اكتشفت إيبان أن الهيئة التنظيميّة الأمريكيّة، وهي هنا إدارة الغذاء والدواء FDA، قد وافقت على الدّواء دون تفتيش مصانعه في باكستان والهند، حتى أنّها اكتشفت أنّ الهيئة التنظيميّة الباكستانية وجدت الكثير من المشاكل في مصنع باير في كراتشي. كما كشفت عن مؤشّرات غير مُبشِّرة عن فرع المصنع في الهند.
وفي تقريرها لفانيتي فير كشفت إيبان عن حملةٍ سياسيّة للضّغط على مسؤولي القطاع الصحّي للتجاوز عن بعض القواعد الطبية لإغراق نيويورك ونيو جيرسي بكميات كبيرة من عقار الملاريا “هيدروكسي كلوروكين” الذي يُستخدم بشكل تجريبيّ لعلاج كوفيد-19. في مايو/ أيار، كشفت كيف تعرّض مسؤول رفيع في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية للملاحقة لمقاومته الضغوط السياسية للاستثمار في أدوية ولقاحات كوفيد-19 غير المثبتة.
وعندما سُئلت عن سرّها، قالت إيبان: “كان استقصائي عن تفشي هذا المرض يستخدم تقنيات بسيطة لأنني كنت أهدف للعمل مع الناس والسجلّات الورقيّة”.
فيما يلي استعراضٌ لبعض الأساليب والأدوات المفضلة لدى إيبان للبحث في الاستجابة لوباء فيروس كورونا.
مقص، ملاقط قديمة، ولينكد إن
“في [صحف مثل] صحيفة نيويورك تايمز، قد ترى أحياناً التماسات ورسائل مفتوحة، حيث تكون الجمعيات الطبية ومسؤولو الصحة العامة – ربما 50 منهم – قد وقّعوا على رسالة مفتوحة تطالب الحكومة بالقيام بـشيءٍ ما. أقوم أنا بقصّ هذا الإعلان، وأضعه في ملف يسمى “الخبراء”. أعود إلى هذا الملف الآن وأبحث عن الخبراء الذين يمكنني التّواصل معهم [حول موضوع كوفيد-19]، لأن هؤلاء الناس بالفعل صريحون وبارزون، وأطلبُ منهم المساعدة.
“في الولايات المتحدة، كما هو الحال في بلدان أخرى، هناك مجموعة محدودة من المصادر على رأس السلسلة الغذائيّة داخل الحكومة الاتحاديّة، والجميع يتنافسون على مجموعةٍ مماثلة من المصادر”.
“أبحثُ دائمًا عن وسيط: أيُّ معارفي يمكنه أن يعرّفني على من أريد؟ أستخدم Linkedin كثيراً، ولكنني أستخدمه الآن للبحث عن المصادر المعروفة لديّ أيضا. كما أستخدم حافظة رولوديكس الصّلبة القديمة (انظر الصورة أدناه)، والذي يشبه في هذه الأيام التنقُّل بالحصان والعربة.
” لدينا جميعاً أكوام من البطاقات التعريفية التي يعطينا إياها أصحابها في المؤتمرات. لقد قضيت الكثير من الوقت في مطابقة البطاقات التعريفية القديمة مع حسابي على LinkedIn لأرى أين انتهى المطاف بالأشخاص الذين كنت أعرفهم وهل ويمكنهم أن يساعدوني”.
“في وقت مبكر من تقريري عن عقار هيدروكسي كلوروكين، كانت مصادري في إدارة الأغذية والعقاقير FDA تُشير إلي بأن هنالك شيئاً غريباً جداً يحدث. كان تبرُّعاً من قبل شركة باير بثلاثة ملايين حبة من عقار هيدروكسي كلوروكين، ولكن إدارة الأغذية والعقاقير كانت تريد أن تقبل تلك الأدوية [لعلاج كوفيد-19] بالرّغم من أنّها جاءت من مصنعٍ في باكستان لم يسبق للإدارة أن قامت بتفتيشه. عرفتُ من دراستي للوائح إدارة الأغذية والعقاقير أنّ ما يجري ليس أمراً عاديّاً. ومن خلال شبكة لينكد إن الخاصة بي، وجدت شخصًا من الباكستان كان قد أُعجب بكتابي.
“تواصلتُ مع ذلك الشخص، الذي تبين أنّه المُنَظِّم الذي قام بتفتيش مصنع باير في باكستان، والذي تمكن في وقتٍ قصير من إعطائي سجلّات تفتيشٍ أظهرتْ وجود شكوى من المُبَلِّغين عن المخالفات، وأن المصنع كان يصنع جرعات دون المستوى من الهيدروكسي كلوروكوين”.
الهياكل التنظيمية، مع إضافة مسؤولين السابقين
“غالباً ما تكون الأنظمة البيروقراطية في قطاع الصحة العامة والصناعات الدوائية مُعقدّةً للغاية.
“أنصحكم بالعثور على الهيكل التنظيمي وطباعته، ثم حاولوا أن تعثروا على المسؤولين السابقين وأن تكتبوا أسماءهم إلى جانب أسماء المسؤولين الذين يشغلون هذه المناصب حاليّاً. اكتبوا أن هذا هو المسؤول السابق وهذا هو المسؤول الحاليّ. غالباً ما يعرف المسؤولون السابقون أرقام هواتف المسؤولين الحاليين، وأرقام الهواتف المحمولة الآن ثمينةٌ كالذّهب، لأن الجميع يعملون من المنزل، وإذا اتصلت بشخصٍ ما من خلال عنوان بريد إلكتروني حكومي، فلن يجيبوا، لأن الجميع خائفون. يمكنك بعد ذلك أخذ أرقام الهواتف المحمولة هذه ووضعها في WhatsApp و Signal، ومعرفة ما إذا كانت موجودة هناك ، والاتصال بها بهذه الطريقة. لأنك حينها ستعطيهم ضماناً للسرّية إلى حدٍّ ما.
“تجربتي من العمل في العالم النامي هي أن الكثير من هؤلاء المسؤولين الحكوميين أقل تحفُّظًا من نظرائهم في [الغرب]. يمكنك أن تصل إلى المسؤولين على الهاتف.
“أتذكر، أنني دخلت مرة في أكرا (غانا) بكلّ بساطة إلى مبنى إدارة الأغذية والعقاقير، وتجوّلت بين المختبرات.
“ابحث عن موظفين من المستوى المتوسط داخل الوكالات. علمتني تجربتي أن أفضل المعلومات تأتي من خارج الاجتماعات الرسمية أو عندما يتمّ إخفاء المصدر”.
اكسب المصادر لصفّك، ولا تكن حسّاسًا
“لقد تعلّمت تقنيةً جديدة أثناء هذا الوباء المجنون.
“إذا كنت تسعى للحديث مع شخصٍ ما، فعليك أن تتظاهر بأنك تعرفه حتى تعرفه فعلاً. اعتدتُ على إرسال رسائل البريد الإلكتروني كل يومين إلى المصادر التي أريد أن أكسبها، حتى لو لم يردوا عليّ أبداً. أكتب لهم قائلة: “مرحبًا، أعمل حاليًا على هذ الموضوع” وأقدّم لهم المعلومات. وهم ككل الناس: يحدوهم الفضول لمعرفة ما يحدث في المستويات التي تفوقهم،ولهذا إنْ أصبحتَ مصدراً للمعلومات بالنسبة لهم، ولم تكن تطلب منهم أيّ معلومات، فقد يردّون عليك بعد البريد الإلكتروني العاشر. هذا ما حدث معي.
“احتمال العلاقة بينك وبين المصدر قائمٌ دائمًا طالما أنهم لا يهددون باستدعاء الشرطة لمنعكَ من التواصل معهم.
“ويجب أن تعطي المسألة بعض الوقت. إذا أرسلت بريداً إلكترونياً متسرّعًا فما الذي سيدفع هذا الشخص للرد عليك؟ – إذا كان يبدو عليك أنّك لا تعرف شيئاً؟ عليك أن تثبت أنك أحسنت الاستعداد.
“دار هذا الحوار بيني وبين مصدر محتملٍ بينما كنت أعمل على “زجاجة من الأكاذيب”. كنت قد أرسلت لموظّف حكوميّ فكتبَ لي قائلاً: “ما زلت غير مقتنع بأن هذه القصة يجب أن تُروى… كما أنني لستُ مُقتنعاً بأنك الشخص المناسب لرواية هذه القصة، فأنت لم تثبتي لي معرفتك بالموضوع.
“اعتبرتُ هذا الكلام دعوةً لي. و بعد ثلاثة أشهر أعطاني هذا الشخص ذاكرة USB تحتوي 20,000 وثيقة صارت لاحقًا العمود الفقري لكتابي. تمكّن من الوثوق بي في النّهاية.
“لا تفترض من عندك ما هي مواقف الأشخاص، فهذه المنظّمات تعيشُ كلّ أنواع الانقسامات الداخليّة وهو ما من شأنه أن يحوّل أي شخصٍ إلى مصدر. أحد أفضل المصادر في القصة التي أعمل عليها حالياً هو شخصٌ ظننت في البداية أنّ تحقيقي سيتناوله هو”
“إذا كنت تتواصل من خلال Signal أو WhatsApp ، فستحتاج إلى تعريف نفسك والقصة الصحفية التي تعمل عليها وأن تعطيهم سببًا قد يدفعهم للتحدّث إليك.
“لقد كانت عدوانيتي في التّواصل خلال هذا الوباء أعلى مما توقّعت. فقد يكتب لي أحدهم ليقول “حظاً سعيداً في قصتك، ولكنه لا يضيف أيّ تعليق”. فأقول لنفسي: “هذا شيء عظيم: لقد ردّ على رسالتي برسالة”. الآن يمكنني أن أرسل له مرة أخرى وأن أقول “أسعدتني رسالتك”. يجب أن تتظاهر بأنه ل يقل “لا”. وأن تصرّ عليه مراراً وتكراراً.
“بعض الناس قد يقولون لك: “أنا أعمل 16 ساعة في اليوم لإنقاذ حياة الناس، ليس لدي الوقت للتحدث معك”. حسنًا، الآن لقد أعطوك معلومةً مهمّة: لقد قالوا لك ما يهمّهم. فتقول: “هذا هو هدفي أيضًا”، وتثبت أن أهدافك تتماشى مع أهدافهم. وهذه هي الطريقة التي أعدّ التقرير على أساسها”.
المرشدون السياحيون والأحاديث عند مبرّدات الماء
“بعضُ هذه التقارير معقدٌ للغاية، ولذلك فأنت بحاجة إلى مرشدين سياحيين. في كل فرصة، يجب أن تكسب لصالحك مجموعةً من الخبراء يمكنك اللجوء إليهم لفكّ رموز المعلومات، ولتسألهم إذا كان شيءٌ قد رأيته أو سمعته يبدو غريبًا.
“أعمل الآن على قصة عن تجربةٍ سريريّة ولقد اكتسبت خبراءَ أستطيع أن أشارك معهم تلك التجربة، وأن أسألهم: “هل يبدو هذا غريباً بالنسبة لك؟” إسهاماتهم تعطيني الشجاعة والدّافع لكي أستقصي أكثر.
“إذا كنت تحاول تتبّع شيءٍ ما، فعليك أن تبحث في كلّ مكان قد يحتوي أي معلومة عنه. لذا إذا كنت أتتبع دواءً، فسوف أفكّر في الأطبّاء والجمعيّات الطبيّة والجهات التنظيمية وجماعات الدفاع عن المرضى ومحامي المُدّعين والسجلّات القانونية. ما هي قواعد البيانات التي يتم فيها تتبُّع المعلومات الطبية؟ إدارة الاغذية والعقاقير لديها “الكتاب البرتقالي” الذي يسرد جميع الموافقات على الأدوية، أو ClinicalTrials.gov، وهو قاعدة بيانات لجميع التجارب الجارية لكوفيد.
“هناك عناوين البريد الإلكتروني في ClinicalTrials.gov، ويعطيك حرفيا أرقام الهواتف للمحققين الرئيسيين.”
“أعمل الآن على قصة استفدت فيها كثيراً من ClinicalTrials.gov. يمكنك معرفة متى تمّ تسليم التّجارب، وما هي التدابير، ومتى تمّ تعديلها. هنالك عناوين بريد إلكتروني، حتى أنه يعطيك أرقام هواتف المحقّقين الرّئيسيين. هنالك موقعٌ واحدٌ أستخدمه كثيراً — رغم أنني أكره أن أوصي به لأن خدماته مدفوعة الأجر — هو Govzilla. يجمع الموقع كل تفتيشات إدارة الأغذية والعقاقير في أي مكان في العالم. ولكن عليك أن تعرف ما هي الكلمات الرئيسية ذات العلاقة. مثل اسم الشركة و “رسالة التحذير” أو “483” وهو رقم النموذج الذي يستخدمونه للملاحظات.
“فكّروا بالجهات التنظيميّة الأجنبية أيضا. فكّر في منظّمة الصحّة العالميّة، وهيئات الرّقابة، والمفتّشين العامّين، والمجلّات الطبّيّة. أقضي الكثير من الوقت على YouTube، أشاهد مقاطع الفيديو الترويجية. أين يتم صنع الدواء؟ كيف يُصنَع؟ كيفية تُصنع الحقنة، وكيف تُصنَع القوارير الزجاجية فكلُّ هذا مفيدٌ جدّاً.
“التحقيق في سلاسل توريد الأدوية أمرٌ صعب، لأن سلاسل الإمدادات الصيدلانيّة مُبهمة فعلاً. في الولايات المتحدة، لا تعرف إدارة الأغذية والعقاقير حتّى من أين تأتي عقاقيرها. سلسلة التوريد مقطوعة. لديك مكوّنات الدواء — المواد الكيميائيّة الأوليّة والمكوّنات النّشِطة والجرعات الجاهزة — وتذهب هذه إلى الوسطاء والسماسرة، وبعدها تذهب منهم إلى الصيدليات. عليك أن تعرف من هي مصادرك في كلّ خطوة – من المصبُّ ومن المنبع. قد تساعدك الشركات المُصنِّعة التي تحاول أن تتبَّعَ موادّها. هناك RFID [علامات تعريف التردُّدات الراديوية] والعلامات الذّكيةّ على بعض المُنتجات.
“فكّر في الحوارات التي تدور بين الموظّفين وهم واقفون عند مبرّدات المياه في شركاتهم – أين يذهب الموظفون لتبادل الشكاوى على شركاتهم دون الكشف عن هويتهم؟ Cafepharma منصّةٌ عظيمة تخدمُ هذا الغرض. يمكنك نشر من أنت وما تبحث عنه، وأن تدعو الأشخاص للتواصل معك.
“راجعوا التّقارير السنويّة للشركة. ابحث عن فئات المخاطر في وثائق العمل.”
انظر إلى المشهد من بعيد
“كثيراً ما أمضي بعض الوقت دون أن أفعل شيئاً غير الجلوس إلى مكتبي — لا أتصل بأحد، ولا أرسل شيئاً عبر البريد الإلكترونيّ – وأكتفي بالتفكير بالروابط التي تصلُ بين كل ما لديّ من معلومات. من لديه معلومات، وإلى أين تذهب؟
“أحاول أن أبدأ كلّ صباح بالقراءة فقط. أقرأ قائمةً بريدية مفيدةً إلى حدٍّ بعيد، تشمل الكثير من أخبار الكوفيد من خلال CIDRAP (مركز أبحاث وسياسات الأمراض المُعدية) في جامعة مينيسوتا. لأنّهم مُطّلعون عن قُرب على الكثير من الجوانب العلميّة للمرض.
“إن لم يفارقك النّوم وأنت تحاول أن تتخيل السجّلات التي تسعى للحصول عليها فهذا يعني أنّك لا تعمل بحقٍّ على قصتك. “
روان فيليب صحفيٌّ عاملٌ مع الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية. كان المراسل الرئيسي لصحيفة Sunday Times الجنوب إفريقية. عمل كمراسل أجنبيّ وتناول الأخبار والسياسة والفساد والصراعات في أكثر من عشرين بلدًا.