إعداد إمكانية الوصول

خيارات الألوان

لون أحادي لون باهت مظلم

أدوات القراءة

عزل حاكم

القصص

إصلاح العلاقة بين الصحفي  والمنسق (Fixer)

English

ملاحظة المحرر: هذه الجمعة، وخلال مؤتمر الصحافة الاستقصائية العالمية، سيقدّم المركز العالمي للتقارير التابع لجامعة كولومبيا البريطانية نتائج دراسته الجديدة حول “إصلاح” علاقة الصحفي والمنسق: نظرة نقدية نحو تطوير أفضل الممارسات في التقارير العالمية”ويسرنا أن نقدم هذا الملخص للنتائج المهمة التي توصل إليها المشروع.


كان سانجاي جيها جالسًا في مؤخرة سيارة مع صحفي أمريكي استعان به في مشروع لإعداد التقارير في حيدر أباد، عندما أشار المراسل إلى مصطلح “fixer”. حينها نظر جيها إلى المراسل ممتعضاً من العبارة، وتساءل “ما الذي أصلحه أنا بالضبط ؟” “المرحاض الخاص بك؟ هل أنا سباك؟ “

كان المراسل الموجود في السيارة أحد المؤلفين المشاركين في هذا المقال، وقد ساعدت المحادثة التي تلت ذلك مع جيها – وهو صحفي يحظى باحترام في الهند – في الوصول إلى أكبر دراسة لممارسات “الإصلاح” التي أجريت على الإطلاق.

وقد أجرى المركز العالمي للإبلاغ دراسة بحثية بعنوان “إصلاح” العلاقة بين الصحفي والمنسق: نظرة ناقدة نحو تطوير أفضل الممارسات في إعداد التقارير العالمية، واستطلعت الدراسة 450 مراسلاً ومنسقاً مجهولي الهوية حول علاقتهم ببعضهم البعض. ما وجدناه يشكل فجوة هائلة بين الطريقة التي ينظر بها كل عضوٍ في هذه العلاقة الحرجة إلى دوره ومسؤولياته وإسهامات كل منهما في اعداد التقارير التي يعتمد عليها الناس في جميع أنحاء العالم.

“المنسقون” هم أشخاص محليون يعملون خلف الكواليس لمساعدة المراسلين الأجانب على إنجاز أعمالهم. وهم يعملون كمترجمين فوريين، ويقومون بحجز الفنادق والسائقين، وحجز المقابلات، والوصول الآمن إلى المواقع. ويعملون إلى حد كبير في الظل، ولا ينسب لهم الفضل غالبا. يتسبب ذلك في تكوين جمهور غافل عن كيفية إجراء المراسلات الأجنبية، ومن قد يكون له تأثير على التقارير الدولية نفسها.

“ولكن من المؤسف أنهم ما زالوا ينظرون إلينا باعتبارنا أشخاصاً “بنيون” بلهجة مضحكة”.

منسق امتنع عن ذكر اسمه

 أشارت المقابلات اللاحقة التي أجريت مع المُنسقين الذين شاركوا في الدراسة إلى توترات دفينة لا تزال في كثير من الأحيان مخفية في التفاعل المهني. وعبر عن هذا بكل صراحة منسق لديه أكثر من ربع قرن من الخبرة في العمل مع إحدى شبكات الأخبار الأميركية: “من المؤسف أنهم ما زالوا ينظرون إلينا باعتبارنا أشخاصاً “بنيون/داكنو البشرة” بلهجات مضحكة، ورغم أنّني أنجزت تقارير وبعض القصص الأكثر أهمية والجرأة لــ (الشبكة)، فإن هذا يشكل صراعاً من أجل الحصول على اعتماد كمنتج. ومن ناحية أخرى، يتم ذكر الأطفال من ذوي البشرة البيضاء ــ في مقتبل عمرهم المهني ــ على أسمائهم (في الاعتمادات).”

ومن الأوقات النادرة التي يخرج المنسقون فيها من الظل هوعندما يتم القبض عليهم أو خطفهم أو قتلهم.

وقالت كورتني رادش، مديرة الدفاع في لجنة حماية الصحفيين: “لم يعد الصحفيون المحليون (العاملون كمنسقين) يشغلون المنصب المتميز الذي كانوا يشغلونه من قبل”. “لقد شهدنا عمليات قتل متزايدة للصحفيين”.

هذا، بالإضافة إلى الاعتماد بشكل أكبر على المنسقين في مناطق الصراع، وخلق سيناريو يكون فيه المنسقون في خطر متزايد.

في الوقت نفسه، فإن الصحفي  يعتمد غالبًا على المنسق المحلي لقراءة خطر الموقف في بيئة أجنبية.

كما أوضح لوري فيو، وهو صحفي تحقيقات استقصائية مخضرم ومنتج تنفيذي، أنه عندما يتعلق الأمر بسلامة فريقك، “ليس لديك وقت لعدم الاستماع (إلى المنسق)” وأي شخص يتجاهل نصيحة المنسق يخطو خطوة على طريق لغم أرضي، بشكل مجازي أو فعلي “.

بشأن المال (On the Money)

بينما كانت السلامة في المقام الأول للمراسلين الصحفيين، كان الاهتمام الأكبر للمنسقين هو المال، وجد استطلاعنا أن معدل ما يتقاضاه المنسقون يتراوح بين 50 إلى 400 دولار يوميًا، مع إثبات إن عدد المراسلين الذين يؤكدون إن أجورهم وسياسات العمل كانت عادلة يفوق بكثير عدد المنسقين الذين يوافقون على ذات الشيء. 

قد يؤدي هذا الفارق إلى توترات، خاصةً عندما يضطر المنسقون في البلدان الفقيرة إلى ملاحقة المؤسسات الإخبارية الأجنبية للحصول على أجورهم.

يقول نيج تروسنوفيتش، المنسق في سلوفينيا، أنه اضطر نصف مرات عمله لملاحقة العملاء من أجل الحصول على راتبه واستمر ذلك لعدة أشهر.
“اضطررت إلى الكتابة مرة، ومرة أخرى، ومرة لاحقة للحصول على مستحقاتي المالية … كانوا ينسون فقط أن يدفعوا لي، أو يرسلون بريدًا إلكترونيًا إلى محاسبهم. سوف يقول (الصحفيون): ” نعم، سندفع لك في الأسبوع القادم، ثم اضطررت إلى الانتظار، كما حدث، ما يقرب من نصف عام للحصول على المستحقات المالية”.

منح الاعتماد (Giving Credit)

هناك شاغل آخر يتمثل بالاعتماد الثانوي. اعترف معظم المراسلين الصحفيين في الاستبيان الخاص بهم أنهم نادراً ما يمنحون المنسقين الاعتماد، وقال معظم المنسقين إنهم يرغبون في الحصول على نوع من الاعتماد. قال أحد المنسقين في الشرق الأوسط والذي يعمل بموجب عقد مع مؤسسة إخبارية أمريكية: “لقد عثرت على الكثير من القصص التي تحولت إلى سلسلة دون ذكر اسمي (خارج نطاق الاعتمادات)”. 

ريبيكا كونواي، مصورة صحفية مستقلة تعمل بشكل أساسي في جنوب شرق آسيا، قالت إنها تحاول إعطاء الاعتماد عبر الإنترنت عندما يكون ذلك مناسبا. “إذا كان المنسق يقدم لك إرشادات تحريرية، وكنت تتعامل مع الأمر، وهو أمر جيد، فأعتقد أن هذا يتجاوز (ما) المتوقع أن يفعله المنسق الطبيعي.”

وهذا من شأنه أن يشكل جوهر التعريف الدقيق لدور المنسق، وماهي مساحة إبداء الرأي تحريرياً حينما يتعامل المنسق مع قصة أحد المراسلين الصحفيين؟ ومع دفع المراسلين الأجانب لأجور يومية سخية، يشير المنسقين إلى أن لديهم مساحة صغيرة للرد على رؤساء التحرير في المقرات الرئيسية بعيداً عن الميدان. أحد المنسقين في تركيا قال: “إنهم يستأجرونني، لذا هم أصحاب الرؤساء”. وقالت أليكسينيا ديميتروفا، الصحفية البلغارية ذات الخبرة في العمل كمنسقة أنها تعمل مع مخرجي الأفلام الوثائقية الذين يزورون بلادها، إنها لا تصحح عملائها إلا إذا طلبوا منها ذلك.

وعندما سُئِلَ عما إذا كان المراسلون يعتمدون على المنسقين في التوجيه التحريري، قال 38 في المئة أنهم لا يفعلون ذلك، وكان الكثيرون متحمسين للغاية بشأن الرغبة في نقل المنسق إلى دور لوجستي بحت.

وأشار أحد المنسقين في الأردن إلى أنه على الرغم من خبرته وجداره الممتلئ بالجوائز، فإن حكمه التحريري لا يزال موضع شك. “ما زال هناك قدر كبير من عدم الثقة في جودة عملنا، لسوء الحظ”.

أشار العديد من المنسقين إلى أنهم غالباً ما يركزون بهدوء على التوجيه التحريري للقصة لمساعدة المراسلين الأجانب على فهمها بشكل صحيح.

قال خالد وسيم، منسق في الباكستان، إنه يعرض الخيارات  المتاحة لإجراء المقابلات، ولكن لدي إحساس قوي بمن سيختار العميل. “لدي فكرة واضحة عن ذلك، لكنني لن أحشر قراري في حلقهم.”

“أقدم خدمة “كحارس السكة” لإبقائهم على الطريق إلى حيث يريدون الذهاب، الأمر متروك لهم لتحديد المسار الذي يرغبون في القيادة إليه”

ريتشارد بيكمان

وقال ريتشارد بيكمان، الذي يعمل كمنسق في الولايات المتحدة للمراسلين الصحفيين الألمان، إنه يتعامل بدقة ودبلوماسية أكثر عندما يتعلق الأمر بالاتجاه التحريري. “أقدم خدمة “كحارس السكة” لإبقائهم على الطريق إلى حيث يريدون الذهاب، الأمر متروك لهم لتحديد المسار الذي يرغبون في القيادة إليه”.

كانت مسألة الانتماء السياسي للمنسق مثيرة للجدل بشكل خاص في هذه الدراسة. حيث قال 6.6 في المائة فقط من المنسقين إنهم “في كثير من الأحيان أو دائمًا” يكشفون عن انتماءاتهم السياسية أو العرقية إلى عملائهم، وربما على نفس القدر من القلق، أشار حوالي نصف الصحفيين الذين شملهم الاستطلاع إلى أنهم “أحيانًا أو دائمًا” يسألون عن منسق له هذه الانتماءات.

ولم يعترف سوى واحد من المنسقين الذين قابلناهم بالعمل لصالح الحكومة. وبخلاف اللغة، لم يشير معظمهم إلى انتماءاتهم العرقية، غير أن المقابلات التي أجريت مع الصحفيين أشارت إلى أن كثيرا من المراسلين يدركون تماما هذه الانتماءات.

بدأت بعض المؤسسات الإعلامية تنتهج أسلوباً أكثر شفافية مع الجمهور واعتماد المراسلين المحليين، عن طريق إضافة أسماء  المنسقين إلى علامات “التقارير الإضافية” في نهايات القصص، وحتى في بعض الحالات تقدم خطوطًا ثانوية مشتركة.

يقول ديفيد روهدي إنه استخدم “الصحفيين والمترجمين المحليين” في إعداد تقاريره من البوسنة لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور وفي أفغانستان لصحيفة نيويورك تايمز، مشيرًا إلى أنه يفضل عدم استخدام مصطلح “fixer”. في السنوات الأخيرة، شارك في إعداد قصص مع صحفيين محليين في مناطق الحرب، وقال إن المؤسسات الإخبارية بدأت في الاعتماد عليها لعدة أسباب.

وقال روهدي: “لقد كانت هناك دفعة قوية لكي نكون أكثر شفافية بشأن نشر القصة، والتي أسفرت عن المزيد من الخطوط الثانوية وأسهمت في تقديم التقارير الائتمانية. أنا أؤيد ذلك التغيير  الذين لولاه لظل المسنقون مجهولين في مناطق الحرب. مع تزايد خطورة التقارير، لابد من الاعتراف بمساهمات وتضحيات هؤلاء الصحفيين”.

نماذج التقارير البديلة (Alternative Reporting Models)

لقد ظهر عدد من النماذج البديلة للتقارير العالمية، والتي تتحدى الممارسة البالية المتمثلة في “المراسلات الأجنبية”. صدرت بعض التقارير العالمية الأكثر فاعلية مؤخرا من مشروع خالٍ من المنسقين من قبل الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، والذي يسمح للمراسلين الصحفيين في جميع أنحاء العالم بتبادل البيانات وإنتاج قصص مشتركة.

تلقى باستيان أوبرماير، وهو مراسل لصحيفة Südewutsche Zeitung الألمانية، تسريباً لأكثر من 11.5 مليون وثيقة سرية تتعلق بحسابات خارجية. بمساعدة اتحاد الصحفيين، قام 300 صحفي من 60 دولة بالمشاركة في التحقيق حول استخدام تلك الأموال لإخفاء غسيل الاموال لمشروع أورق بنما.

يحب باستيان أوبرماير العمل “auf Augenhöhe” ، في إشارة إلى تعبير ألماني عن كونه في نفس مستوى العين.

قال أوبرماير إنه يحب العمل “auf Augenhöhe”، في إشارة إلى تعبير ألماني بأنه في نفس مستوى العين. وقال: “لا يوجد أحد أكبر أو أعلى من الآخر”. “إنهم زملاء لدول مختلفة يعملون على نفس القصص من زوايا مختلفة. نحن نرى أجزاء مختلفة من الصورة نفسها وهذا أمر مفيد للغاية، مضيفاً: “إن كل المراسلين يلعبون دوراً اساسياً لإكمال بعضهم البعض، وتوفيرالمعرفة المحلية والسياق، مع الحفاظ على التأليف المشترك في إعداد التقارير.”

جربت المؤسسات الصحافة غير الربحية مجموعة متنوعة من الأساليب في إعداد التقارير العالمية، متحديةً نموذج المراسل والمنسق تمامًا.

يجمع برنامج Round Earth Media بين مراسل أمريكي وصحفي محلي، ولكنه يمنحهما رصيدًا تحريريًا متكافئًا، مع عدم قيام أي شخص بدور”المنسق”.

 قدم المركز العالمي للتقارير الذي ينتمي إليه كل من مؤلفي هذه  المقالة، كاميرات يمكن ارتداؤها إلى المراسلين الصحفيين في الصومال لتوثيق تقاريرهم من وجهة نظرهم، كما عمل على تعزيز “صحافة التمكين”، حيث يعمل المحررون مع رواة القصص المحليين لمساعدتهم على سرد قصصهم الخاصة من وجهات نظرهم، دون بصمة افتتاحية لمراسل أجنبي.

منظمة Syria Direct غير ربحية والتي مقرها الأردن، دربت أكثر من 100 سوري على إعداد التقارير في بلدهم ومشاركة القصص مع العالم الذي لا يستطيع الصحفيون الأجانب الوصول إليها بسهولة.

ما توضحه هذه المؤسسات الجديدة والبيانات المستقاة من الاستبيان الخاص بنا هو أن المشهد الإعلامي يتطور وأن دور “المنسق” يتغير بسرعة معه. لقد كانت الاستجابة لدراستنا، وخاصة من المراسلين الأجانب المخضرمين، ساحقة، حيث أشار عدد منهم إلى أن ديناميكية المراسل المنسق تزعجهم دائمًا، لكن يبدو أنها الطريقة الوحيدة لعمل التقارير العالمية. ومن الواضح أن هذا لن يحدث إذا أستمعنا إلى المنسقين والصحافيين.


تم تمويل هذه الدراسة من قِبَل اتحاد وسائل الإعلام والبحوث الكندي، وكلية الآداب بجامعة كولومبيا البريطانية. كما تم تقديم مساعدة بحثية إضافية من قِبَل أوليفييه موسفيري طالب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا البريطانية. سيقدّم بيتر كلين النتائج التي توصل إليها البحث حول المنسقين والمراسلين الأجانب في #GIJC17.

بيتر كلاين هو مؤسس ومدير تنفيذي للمركز العالمي للإبلاغ غير الربحية، والذي يعزز النهج المبتكرة للإبلاغ عن القضايا العالمية. وهو منتج سابق لبرنامج 60 دقيقة في شبكة سي بي إس الإخبارية، ومساهم منتظم في صحيفة نيويورك تايمز وجلوب آند ميل، وأستاذ في جامعة كولومبيا البريطانية.

الدكتورة شاينا بلوت

هي مديرة الأبحاث في المركز العالمي للإبلاغ وتدرس في جامعة وينيبيغ. يركز مجال أبحاثها على الإعلام وحقوق الإنسان والسلطة والتغيير الاجتماعي، مع التركيز على الأشخاص غير القادرين على التأقلم بشكل جيد داخل الدولة القومية التقليدية.

إعادة نشر مقالتنا عبر الانترنت أوطباعة تحت رخصة النشاط الابداعي

إعادة نشر هذا المقال


Material from GIJN’s website is generally available for republication under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International license. Images usually are published under a different license, so we advise you to use alternatives or contact us regarding permission. Here are our full terms for republication. You must credit the author, link to the original story, and name GIJN as the first publisher. For any queries or to send us a courtesy republication note, write to hello@gijn.org.