إعداد إمكانية الوصول

خيارات الألوان

لون أحادي لون باهت مظلم

أدوات القراءة

عزل حاكم

فلسطينيون يتفقدون منزلهم بعد تدميره بغارة جوية إسرائيلية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، 10 نوفمبر 2023. الصورة: Shutterstock

القصص

مواضيع

التحقيق في غزة: كيف وثّقت وكالة أسوشيتد برس قصص العائلاتِ التي بطشت بها الحرب

إقرأ هذه المقال في

وثّقت المراسلة الاستقصائيّة في وكالة أسوشيتد برس “سارة الدّيب” قصص 60 عائلة من قطاع غزة فقدتْ 25 فردًا أو أكثر من الغارات الجويّة الإسرائيلية خلال الأشهر الثّلاثة الأولى من الصراع.

كان من الصعب استيعاب حجم الدمار منذ بدأت الحرب في غزة.

مع تزايد أعداد الضّحايا، تحدّث مدنيّون فلسطينيون عن خسارتهم للعشرات من أفراد أسرهم في الغارات الإسرائيليّة. كانت الأشهر الأولى من الصّراع دمويّة لدرجة أن الأطباء اضطروا إلى صياغة مصطلح جديد لبعض المرضى من الأطفال: طفل جريح، بدون عائلة على قيد الحياة (WCNSF).

ومع ذلك، ظلّ توثيق الأثر صعبًا، حيث عانت وزارة الصحّة في غزة لمواكبة ما يحدث بعد انهيار القطاع الصحّي وتدمير جزء كبير من البنية التّحتية اللازمة للتوثيق.

أفاد أحدثُ تقديرٍ لوزارة الصحّة أن أكثر من 41,000 فلسطيني قتلوا في غزة منذ بداية الحرب، وهو رقم يُعتقد أنه أقل منْ عددِ من سقطوا في الواقع مع وجود الكثير من الضحايا الذين ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض.

وبسبب صعوبة الحصول على المعلومات من غزّة، أخذ بعض الصحفيين على عاتقهم التّحقيق من الخارج.

سارة الديب، وهي صحفيّة استقصائيّة في وكالة أسوشيتد برس، تعمّقت في تأثير الحرب على العائلات الممتدة، وأجرت تحقيقًا مع 60 عائلة من قطاع غزة ممّن فقدوا 25 عضوًا أو أكثر في الغارات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب. في حين أن “كل عائلة فلسطينية تقريبا عانت من عدّة خسائر فادحة”، وخلص تحقيقها إلى أن  العديد من هذه العائلات قد أُبيدت.

“مُسحتْ”

في مقابلة مع GIJN، قالت “الديب” إن التحقيق ” ظلّ قيد الإعداد لفترة طويلة”.

“بدأنا نسمع النّاس يظهرون أمام الكاميرا في الأسبوع الأول أو الثاني [من الحرب] قائلين: ‘لقد مُسحتْ عائلتي بأكملها’… فأقول: “ما معنى “مُسحت”؟”.

عندما أصدرتْ وزارة الصحّة في غزة أوّل قائمة للوفيات المسجَّلة في 31 أكتوبر/تشرين الأول، بدأت الدّيب في جمع البيانات، وأسماء العائلات المتشابهة في أعمدة، وتتبعت التّكرارات.

شرحت “الديب”: “اخترتُ عيّنة عشوائيّة [من الأسماء] التي تكررت 10 مرّات في القائمة، لمعرفة أين قُتل هؤلاء الأشخاص، لأن البيانات الواردة من الوزارة لم تُبيّن كيف أو متى أو أين ماتوا. كانت تحتوي فقط على الاسم ورقم الهويّة”.

وبعد عمليّة دامت شهورًا، تمكنتْ من تحديد الهجمات على المباني السكنيّة والملاجئ التي أسفرت عن مقتل عدّة أفراد من عائلة واحدة.

الصحفية الاستقصائية في وكالة أسوشيتد برس "سارة الديب"

الصحفية الاستقصائية في وكالة أسوشيتد برس “سارة الديب”

بعد دراسة العيّنة، وجدتْ عائلات فقدت عدّة أفراد في هجوم واحد، وأمثلة أخرى حيث تأثّرت عائلات معيّنة بالضّربات المتكررة. وتشير إلى أن “هذا تكرّر في شمال ووسط وجنوب غزة”.

وفي النّهاية، حدّدت 10 غارات إسرائيلية أثخنت في بعض العائلات الممتدّة في غزة. من هذه العائلات عائلة أبو النجا، التي فقدت أكثر من 50 من أفرادها، بينهم امرأتان حاملان، في غارات في أكتوبر/تشرين الأول، وعائلة المغربي، التي قُتل أكثر من 70 فردًا منها في غارة جويّة واحدة.

البحث والتحدث إلى العائلات

تم العثور على معلوماتٍ عن العائلات والضّحايا من خلال بحث متعمق في المصادر المفتوحة على شبكات التّواصل الاجتماعي والمحادثات المباشرة مع أفراد الأسرة الأحياء، المقيمين على الغالب خارج غزة. تطلّب ذلك من “الديب” أن تبحث في إشعارات الوفاة على الإنترنت وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي للعائلة، والحيّ، وجداول البيانات.

وعلى الرغم من أنها تحدثت إلى بعض أفراد الأسرة الذين ما زالوا في غزّة، إلا أن الوصول إليهم كان يمثل تحديًا مستمرًا لأنهم أيضًا أصيبوا بجروح، أو انتقلوا إلى أماكن أخرى، أو لعدم قدرتهم على الوصول إلى الإنترنت أو وسائل اتصال أخرى.

عندما كانت “الدّيب” تتواصل مع الأقارب في الخارج، كانوا في بعض الأحيان يتمكنون من إيصالها إلى أقاربهم في غزة أو غيرهم من الشهور القادرين على رواية تفاصيل ما حدث، أو تقديم صور أو مواد أخرى تتعلّق بغارة معيّنة.

عندما توقفت “الديب” عن ملء جدولها، كان لديها 2700 اسم.

أصبحت عائلة سالم، التي فقدت ما لا يقل عن 270 فردًا عندما كتبت “الديب” التحقيق سنة 2024، محور القصّة. ساعد “يوسف سالم”، وهو محلّل قانونيّ مقيم في تركيا، “الديب” في القصة، حيث كان هو نفسه يحاول العثور على مزيد من المعلومات حول ما عاشته عائلته.

“أجريت مع بعض العائلات مكالمة واحدة وانقضى الأمر، وكنت أعرف أنّه لا عودة إليهم. هذا كل ما سيقدمونه، وهذا كل ما يمكنني طلبه.” – سارة الديب

تلعب الرّوابط الأسريّة دورًا مهمًا في المجتمع الفلسطيني: غالبًا ما يعيش الأقارب في غزة قرب بعضهم، وتقيم العائلات الممتدًة أحيانًا في مبنى واحد. وقد تعزّز هذا الوضع خلال الحرب، حيث بدأت المباني والمنازل تستضيف الأقارب النازحين من جميع أنحاء القطاع. وهذا يعني أن بعض الضربات أثخنت في بعض العائلات التي لجأ أفرادها معًا إلى مكان واحد.

في إحدى الحالات في ديسمبر/كانون الأول، قال “محمد”، ابن عم “يوسف سالم”، إن هجومًا إسرائيليًا على منزل الأسرة قتل جميع أفراد الأسرة الـ 200 الذين كانوا يحتمون هناك، باستثناء 10 منهم. وقال للصحفيين إن “عبد الله”، وهو صبي يبلغ من العمر تسع سنوات، كان الناجي الوحيد من سلالته بعد مقتل والده ووالدته وشقيقاته السبع.

كان العمل على قصة تنطوي على هذه الدرجة من الخسارة، ومطالبة العائلات بسرد وتقديم معلومات عن المآسي التي أثّرت على عائلاتهم، أمرًا صعبًا على “الديب”. في حين أن بعض العائلات كانت سعيدة بالتحدث وتبادل المعلومات، لم يكن البعض الآخر مرتاحين للحديث عمّا مروا به.

“أجريت مع بعض العائلات مكالمة واحدة وانقضى الأمر، وكنت أعرف أنّه لا عودة إليهم. هذا كل ما سيقدمونه، وهذا كل ما يمكنني طلبه.”

لكن في حالات أخرى كانت تتصل و”تتركهم يتكلمون فحسب. في بعض الحالات، ستكون محادثة مدتها ساعة أو ساعتان فقط”. كانت الديب تبقى على الهاتف، “حريصةً على أن يعرفوا أنني أنصت إليهم”.

“مع مرور الوقت ، أعتقد أن الناس أدركوا أن الأمر مهم، خاصة من لم يكونوا في الداخل. الموجودون في غزة كانوا أكثر إحباطًا وانشغالاً بأشياء أخرى، [فقط] البقاء على قيد الحياة”.

وبينما يدرك الصحفيون الذين يغطون حرب غزة الحالة العاطفيّة للأشخاص الذين يقابلونهم، إلا أنهم قد يجدون أنفسهم مصدومين من فداحة الخسائر والدّمار الذي يغطون أخباره. “الديب” لم تكن استثناءً.

وأقرّت: “لقد سبق وأن عملت على مواضيع صعبة حقًا، لكن حجم واستمرارية هذه المهمة؟ لم أر نفسي أبدًا متزعزعةً إلى هذا الحد”.

التحقُّق

عملت “الدّيب” مع خبراء أسلحة وخبراء في تحديد الموقع الجغرافي للتحقُّق من الضربات، وقد شكّل هذا جزءًا مهمًا من عملها. كما اعتمدوا على بيانات من Airwars، وهي شركة مراقبةٍ للنّزاعات مقرّها لندن.

وأوضحت الديب: “الشيء الوحيد الذي أردت أن أتأكّد منه بنسبة 100٪ هو أن الصاروخ لم يكن صاروخًا [من حماس أو مجموعة فلسطينية أخرى]، وأنها لم تكن ضربات ذاتيّة. هذه غارة جويّة إسرائيلية أو مدفعيّة إسرائيلية”، التي أدت إلى الوفيات.

بعد الاطلاع على مقاطع الفيديو والصور والتحدّث إلى الشّهود، حدّد الفريقُ الموقعَ الجغرافيّ للمباني. ساعد خبراء الأسلحة أثناء “محاولتهم تحديد ما إذا كانت غارة جوية … إذا كان هذا الشيء قد سقط من السماء، من طائرة بدون طيار في السماء، أو إذا كان هناك قذيفة مدفعيّة. إذا كان هناك حفرة”. في معظم الحالات تمكنّا من العثور على نقطة خروج أو دخول أو مكان انهيار المبنى”.

الدفاع المدني الفلسطيني ومواطنون يبحثون عن ناجين تحت الأنقاض بعد غارة جويّة إسرائيليّة على منزل غرب قطاع غزة، 22 نوفمبر 2023. الصورة: شترستوك

الدفاع المدني الفلسطيني ومواطنون يبحثون عن ناجين تحت الأنقاض بعد غارة جويّة إسرائيليّة على منزل غرب قطاع غزة، 22 نوفمبر 2023. الصورة: شترستوك

وأوضحت أن تحديد مصدر القذيفة كان صعبًا في إحدى الحالات، وبعد مناقشات وتحليلات طويلة وجدوا مدخلاً أظهر أن “شيئًا ما جاء من الأعلى وسقط”. كما اعتمدوا على دليل آخر وهو حجم الانفجار. هذا الجزء من العملية “استغرق عدة أسابيع”.

وبمجرد تسلّحها بالمعلومات، تواصلت “الديب” من الجيش الإسرائيلي “الذي إمّا أكد الموقع أو قال إن شيئا قريبًا من المكان قد ضُرب حينها”.

وقالت إسرائيل مرارًا إنّها تستهدف مقاتلي حماس في غزة ردًا على هجوم أكتوبر 2023 المميت – الذي قُتل فيها 1200 شخص واحتجز عدد من الأشخاص كرهائن. وتتهم إسرائيل الحركة المسلّحة بتعريض المدنيين للخطر وقالت إنها تتخذ تدابير للتّخفيف من الأضرار المدنيّة.

لكن وكالة أسوشيتد برس ذكرت أن الغارات العشرة التي قاموا بتحليلها “أصابت بشكل أساسي المباني السكنية والمنازل والملاجئ حيث تجمع الآباء والأطفال والأجداد معًا من أجل السلامة … لم يكن هناك في أي حال من الأحوال هدف عسكري واضح أو تحذير مباشر لمن بداخله، وفي إحدى الحالات قالت العائلة إنها رفعت علمًا أبيض على العمارة في منطقة قتال”.

قالت “الديب” لشبكة GIJN إن الإسرائيليين أخبروها في واحدة من الحالات أن هناك قائدًا من حماس في المنطقة. وفي حالة أخرى استقصت عن عائلة كان أحد أفرادها يعمل في جمعيّة خيرية مرتبطة بحماس. “ليس هدفًا عسكريّا بالتعريف التّقليدي”.

“السؤال الكبير الذي يتناوله المقال ولكنه لا يجيب عليه، لأنني لا أعتقد أن أحدًا يملك الإجابة عليه، هو سؤال التّناسُب. متى يكون الهدف العسكري في المنزل مبررًا لقتل كلّ من في المنزل؟” تتساءل “الدّيب”.

التّأثير والخطوات القادمة

لقد كان تحقيقًا “لا يأخذ في الاعتبار النّزاعات السياسية … [كان] لا يخشى هذا الجانب أو ذاك. الأمر يتعلّق بكشف الحقيقة” — وليد بطراوي، مدرب إعلامي فلسطيني

انتشر التّحقيق بسرعة عندما تم نشره. تعزو “الديب” ذلك إلى حقيقة أن “العائلات تلمس قلوب الجميع. هذا شيء يقرّب القصّة إلى النّاس”.

وبما أن الكثير من التغطية في غزة تخيّم عليها تصريحات وادّعاءات المسؤولين الإسرائيليين أو مسؤولي حماس، فقد ساعدت هذه القصّة في إلقاء نظرة متعمّقة على الضّحايا الحقيقيين وعائلاتهم. لقد ربطت الوجوه والأسماء والقصص بالأرقام وأضفت طابعًا إنسانيًا على المعاناة.

وأشاد “وليد بطراوي”، وهو مدرب ومستشار إعلامي فلسطيني مخضرم، بالتّوثيق المستخدم في التّحقيق، والرسالة التي يرسلها التحقيق إلى الفلسطينيين في غزة. لقد كان تحقيقًا، كما يقول، “لا يأخذ في الاعتبار النّزاعات السياسية … [كان] لا يخشى هذا الجانب أو ذاك. الأمر يتعلّق بكشف الحقيقة”.

وأضاف “بطراوي” أنه نظرًا إلى أن الصّحفيين الفلسطينيين في غزة ليس لديهم الوقت لإجراء تحقيقات معمّقة بسبب النزاع، فمن المهم لزملائهم في الخارج القيام بذلك. وأضاف أن هناك قصصًا أخرى لم تُروَ بعد عن عائلاتٍ مدمَّرة في غزة.

ونظرًا لعدد الضحايا الهائل، تقرّ “الديب” بأن تحقيقها لم يتمكن من توثيق تأثير الحرب على كل أسرة، وأن عملها كان محدودًا بسبب عدم قدرتها على الذهاب إلى غزة، والصعوبة التي يواجهها السكان المحليون في التّحقيق في مواقع الهجمات بسبب القصف المستمر.

وأشارت: “لم أفتح بالضرورة آفاقًا جديدة، 60 عائلة ليست إلا غيضًا من فيض”.

لكن “سامي أبو سالم”، وهو صحفيُّ مقيم في غزة، قال إنه من المهم أن تقوم وسيلة إعلامية دولية مثل وكالة أسوشيتد برس بإجراء هذا التّحقيق، الذي ساعد في تفصيل واقع الفلسطينيين في القطاع الذي مزّقته الحرب.

“نحن لسنا أرقامًا … [هذا التّحقيق] أظهر المزيد من التفاصيل، وأضفى طابعًا إنسانيًا على القضية”، يشير أبو سالم. “التّحقيق أجرى مقابلات مع شهود، وأعطانا المزيد من التفاصيل، وجعلنا أقرب إلى الحدث، وهو أمر مهم للغاية.”


 نادر ضرغام صحفيٌّ مقيمٌ في لبنان. يكتب لموقع “ميدل إيست آي“، وهو موقع إخباريّ مستقل مختصٌّ بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولقناة سكاي نيوز، حيث يغطي حرب غزّة وتأثيرها على لبنان. عمل سابقًا مع صحيفة واشنطن بوست، حيث غطّى انفجار مرفأ بيروت، والأزمة الاقتصاديّة، والقضايا السياسية والإنسانيّة في جميع أنحاء سوريا. تخرّج من الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وحصل على درجة الماجستير في الديمقراطية والسياسة المقارنة من كلية لندن الجامعيّة

إعادة نشر مقالتنا عبر الانترنت أوطباعة تحت رخصة النشاط الابداعي

إعادة نشر هذا المقال


Material from GIJN’s website is generally available for republication under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International license. Images usually are published under a different license, so we advise you to use alternatives or contact us regarding permission. Here are our full terms for republication. You must credit the author, link to the original story, and name GIJN as the first publisher. For any queries or to send us a courtesy republication note, write to hello@gijn.org.