

الأوكرانيون يفرّون من الجيش الروسي أثناء تقدّمه نحو مدينة إيربين، أوكرانيا، في 12 مارس 2022. الصورة: بإذن من رون هفيف، مؤسسة VII.
يلخّص هذا الفصلُ العناصرَ الأساسيّة للإبلاغ عن التهجير القسري، وفهمِ أثر الإخراج القسري للأشخاص من مساكنهم، والفرار من النّزاع، والعنف، والاضطهاد.
ملاحظة من المحرر: هذا الفصل هو إضافة جديدة إلى دليل الصحفيين من GIJN للاستقصاء عن جرائم الحرب، والذي نُشر لأول مرّة في سبتمبر 2023.
بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فقد تم تهجير أكثر من 122 مليون شخص قسرًا بحلول يونيو 2024، بزيادة قدرها 5.3 مليون شخص، مقارنةً بنهاية عام 2023. الذين يفرّون تُجبرهم على ذلك الاضطهاد والصراعات وأعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وانهيارات النظام العام. ومن المتوقّع أن ترتفع الأرقام ارتفاعًا كبيرًا الآن، نظرا للأزمات المستمرّة على مستوى العالم، في جمهورية الكونغو الديمقراطيّة وغزّة والسودان، وغيرها من المناطق.
إن فهم التوقيت والآلية التي يمكن أن يكون عندها التّهجير القسري غير قانوني وبالتالي مستوجبًا للعقوبة يزوّد الصحفيين بسياق قانونيّ مهم ولغةٍ دقيقة، مما يضمن تحليل القضايا الجوهريّة بشكل فعّال.
النّزوح هو أحد أكثر المخاوف الإنسانيّة إلحاحًا اليوم. قد يتم تهجير الأشخاص داخليًا أو خارج حدود الدّولة. يتحرّك الأفراد لأسباب متعدّدة ومعقّدة، لكن النزاعات المسلحة تؤدّي إلى نزوح جماعي للأشخاص الباحثين عن الأمان والمأوى والدّعم. أدّى النزوح الداخلي بسبب النّزاع والعنف وحدهما إلى نزوح 72.1 مليون شخص بحلول منتصف عام 2024.
وإلى جانب الخسائر الفادحة في الأرواح والمعاناة من الإصابات، فإن النّزاع المسلّح يدمّر الأفراد والمجتمعات بطرقٍ أخرى كثيرة. وتتفاقم الصعوبات البدنيّة والعقليّة التي يعاني منها المحاصرون وسطَ النّزاعات المسلحة عند نزوحهم، خاصةً إذا أُجبروا على التنقّل بشكل متكرّر أو لفترةٍ طويلة. إنّهم يفقدون منازلهم وممتلكاتهم وسبل عيشهم وشعورهم بالأمان. وقد لا يتمكنون من الحصول على الخدمات والإمدادات الأساسيّة للبقاء على قيد الحياة، مثل الماء والغذاء والطّاقة والرّعاية الصحيّة. بالنسبة للأطفال والشّباب النّازحين، فإنّ لانقطاعهم عن التعليم وما يفوتهم تعليميًا، تداعياتٌ بعيدة المدى. كما أن النزوح يمزّق الأسَر والنّسيج الاجتماعي، مع ما يترتب على ذلك من آثار بين الأجيال.
يفهم النزوح القسري عمومًا على أنه الخروج غير الطوعي للأشخاص من مساكنهم، أو الفرار من النزاع أو العنف أو الاضطهاد أو غيرها من الظروف والأحداث غير المواتية. إنه أكثر من مجرد مصطلح وصفي، فهو يحمل معنىً قانونيًا كذلك.
التّهجير القسري محظور بشكل عام بموجب القانون الدولي، وقد يشكّل جريمة دولية، على الرغم من أن القانون الدولي يتوقع أيضًا بعض الظروف المحدودة التي يمكن فيها تقبُّل التهجير القسري ولا يُعتبر خرقًا للقانون. ومع ذلك، من الممكن استغلال هذه الموادّ أو إساءة استخدامها.
إن فهم التوقيت والآلية التي يمكن أن يكون عندها التّهجير القسري غير قانوني وبالتالي مستوجبًا للعقوبة يزوّدُ الصحفيين بسياق قانونيّ مهم ولغةٍ دقيقة، مما يضمن تحليل القضايا الجوهريّة بشكل فعّال، وهذا مهم ليس فقط للمساءلة القضائية عن الانتهاكات والجرائم المحتملة؛ بل يساهم كذلك في التّوثيق المهم وإعداد تقارير أكثر دقّة.
يلخّص هذا الفصل بعض العناصر الأساسيّة للإبلاغ عن التهجير القسري، بهدف تبسيط المفاهيم القانونيّة المعقّدة. لا يوجد تعريف واحد للتهجير القسري في القانون أو غير ذلك. وغالبًا ما يعامل التهجير القسري في إطار القانون على أنه مصطلح عام للإشارة إلى أفعال معيّنة يحظرها القانون الدولي (ويجرّمها في ظل ظروف معيّنة). تعريفات الأفعال المحددة هي خليط من المعاني المتداخلة جزئيًا وغير المتّسقة في بعض الأحيان.

الأوكرانيون يفرون قاطعين جسرًا بالقرب من “إيربين” سنة 2022 دمرته المدفعيّة الروسية. الصورة: بإذن من رون هافيف، VII Foundation
الحماية القانونية من التّهجير القسري
يمكن تتبع الحماية من النّزوح القسري منذ سنة 1863، في المحاولات الأولى لوضع قوانين الحرب في “قانون ليبر”، أثناء الحرب الأهلية الأمريكية. وذكر ميثاق المحكمة العسكريّة الدوليّة (نورمبرغ)، الذي أنشئ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، التّرحيلَ بوصفه جريمة حرب وجريمة ضدّ الإنسانية.
وكما هو موضح في أجزاء أخرى من دليل GIJN للاستقصاء في جرائم الحرب، فإن القانون الدولي الإنساني هو الجزء المعنيّ بتنظيم النزاعات المسلحة في القانون الدولي، سواء كانت النزاعات دولية أو غير دولية. ويمكن العثور على هذه القواعد في قانون المعاهدات (بصفة رئيسية في اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، واتفاقيتيّ لاهاي لعامي 1899 و1907) وكذلك في القواعد العرفية للقانون الدّولي الإنسانيّ التي تعتبرُ ممارسةً عامةً مقبولةً كقانون.
يسعى القانون الدّولي الإنساني إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على الإنسانيّة والضرورة العسكرية، من خلال فرض قيودٍ على السلوك المقبول في النزاعات المسلحة لمنع المعاناة غير الضروريّة.
“التهجير القسري”، غير مُعرَّف كمصطلح محدّد في القانون الدّولي الإنساني. ولكنها تستخدم كمظلة لتغطية بعض الأفعال المتعلّقة بالنقل القسري المحظور للأشخاص أثناء النّزاعات المسلحة.
وقد تطور فهم هذه الجرائم في الاجتهاد القضائي، ولا سيما في السّوابق القضائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
ببساطة، يحظر القانون الدّولي الإنساني التّهجير القسري للسكّان المدنيين (كليًا أو جزئيًا) من قبل أطراف النّزاع المسلح ما لم يقتضِ ذلك أمن المدنيين المعنيين أو لأسباب عسكريّة قاهرة. وهذا يجسّد جوهر القاعدة التي تحمي المدنيين من التّهجير القسري، وهي قاعدة موجودة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على حد سواء، وتعكس القانون العرفي (بغض النظر عن تصديق الأطراف على المعاهدة ذات الصلة).
تصنيف النزاع كنزاع مسلح دولي أو غير دولي يحدّد القواعد الواجب تطبيقها.
بموجب القانون الذي يحكم النزاعات المسلحة الدولية، يحظر ترحيل “الأشخاص المحميين” أو نقلهم قسرا من الأراضي المحتلة، كما ورد في المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة. بالمعنى الدقيق للكلمة، تنطبق هذه القاعدة تحديدًا على قوة الاحتلال (طرف يسيطر فعليًا على أراض أجنبية ولديه القدرة على التهجير القسري)، وينظّم التهجير القسري الذي يحدث في حالات الاحتلال (ولكن لا ينطبق بالضرورة على النّزاعات المسلحة الدولية الأخرى). “الأشخاص المحميون” هم مدنيون يجدون أنفسهم في أيدي طرف في نزاع مسلح دولي ليسوا من رعاياه، ويتمتعون بالحماية بموجب اتفاقية جنيف الرّابعة.
يمكن أن يتّخذ التّهجير القسري شكلين: خارجيًا، عبر الحدود الوطنية أو الإقليمية، أو داخليًا، داخل هذه الأراضي. تشير عمليات الترحيل إلى التهجير القسري عبر الحدود، وتشير عمليات النّقل القسري إلى التّهجير القسري داخل الحدود. وكثيرًا ما يستخدم مصطلحا “اللاجئون” و “النازحون داخليًا” للإشارة إلى المهجّرين خارج الحدود الوطنية وداخلها، على التوالي. (تحديد وضع اللاجئ له وظائف حمائية أخرى).
تجاوز الحظر المفروض على الترحيل والنقل القسري يُعدّ انتهاكًا خطيرًا لاتّفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول. الانتهاكات الجسيمة تعدُّ انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، ونوعًا من جرائم الحرب. (ينطوي الانتهاك الجسيم على واجب قانوني لجميع الدّول لتسليم الجناة ومحاكمتهم).
بموجب القانون الواجب تطبيقه أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية، يحظر الأمر بتهجير السكان المدنيين، على النحو المنصوص عليه في المادة 17 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف. وفي حين أن البروتوكولين الإضافيين لم يُصادَق عليهما عالميًا، فإن حظر التهجير القسري هو انعكاس للقانون الدّولي الإنساني العرفي، وبالتالي فهو ملزمٌ لجميع أطراف النّزاع (الدول والجماعات المسلّحة من غير الدّول).
كما أن انتهاك حظر التهجير القسري قد يشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وقد تطور فهم هذه الجرائم في الاجتهاد القضائي، ولا سيما في السوابق القضائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة. وقامت المحكمة بمقاضاة جرائم مختلفة تتعلق بالنزوح: على سبيل المثال في قضية المدعي العام ضد “كرستيتش“، والمدعي العام ضد “كرنويلاك“، والمدعي العام ضد “ناليتيليتش” و”مارتينوفيتش“.
في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدّولية، هناك العديد من الأحكام التي يتم بموجبها إدراج أفعال التهجير القسري صراحة كجرائم محتملة. وتدرج أفعال التهجير القسري المختلفة كجرائم حرب في كل من النزاعات المسلحة الدولية (المادة 8 (2) (ب) (ثامنا)) والنزاعات المسلحة غير الدولية (المادة 8 (2) (ه) (ثامنا)). ويمكن أن تشكل أعمال التهجير القسري جرائم ضد الإنسانية، إذا ارتُكبت كجزء من هجوم واسع النطاق ومنهجي. ترحيل السكان أو نقلهم قسرًا مذكورٌ نصًا باعتباره أحد أفعال الجرائم ضد الإنسانية (المادة 7 (1) (د)). ومن الناحية التاريخية، كانت أفعال التهجير القسري تُحاكم أيضًا كأساس للاضطهاد وغيره من الأفعال اللاإنسانية (كما هو الحال في قضية المدعي العام ضد “كوبريشكيتش” وآخرين. والمدعي العام ضد “كرنويلاك“.

النصب التذكاري للإبادة الجماعية في سريبرينيتسا، الذي يكرّم آلاف البوسنيين المسلمين الذين ذبحوا على يد الجيش الصربي عام 1995. تمّت مقاضاة التّهجير القسري للبوسنيين باعتباره جريمة حرب في قضايا متعددة للمحكمة الجنائية الدّولية. الصورة: شترستوك
ما الذي يعتبر “قسريا”؟
العنصر الأساسي لانتهاك حظر التهجير القسري هو الطابع اللاإرادي للتهجير. على هذا النحو، فإن فهم ما يٌعتبر “قسريًا” أمر بالغ الأهمية.
والسؤال الرئيسي هو ما إذا كان فعل النزوح ناتجًا عن اختيار حقيقي أم ناتجًا عن القوة أو الإكراه. عند فحص القوة في هذا السياق، فإنها لا تقتصر على الاستخدام الفعلي للقوة الملموسة ولا ينبغي تفسيرها بشكل مقيَّد. ويشمل ذلك التهديد بالقوة أو الإكراه، مثل التهديد النّاجم عن الخوف من العنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسي أو إساءة استعمال السلطة، أو باستغلال بيئة قسرية (انظر الحكم الابتدائي في قضية “كرنويلاك”، الفقرة 475). ومن شأن هذه الظروف أن تجعل الموافقة الحقيقية والاختيار الحقيقي مستحيلين (الحكم الابتدائي في قضية “ناليتيليتش”، الفقرة 519). في مثل هذه الحالات، تكون أي موافقة مزعومة مُفرغةً من معناها.
من الناحية العملية، يمكن أن يشمل ذلك اتخاذ إجراءات مباشرة لإبعاد المدنيين عن منطقة ما ضد إرادتهم، أو بشكل غير مباشر، عن طريق جعل البقاء مستحيلاً. ويمكن الاستدلال على هذا الافتقار إلى الاختيار الحقيقي، كما وصفته المحكمة، من حرمان السكان المدنيين من أي شعور بالأمان عن طريق قصف المنازل أو حرقها والتّهديد بارتكاب جرائم أخرى (الحكم الابتدائي في قضية سيميتش، الفقرة 126).
متى قد يكون التهجير القسري قانونيًا؟
لا يسمح القانون الدولي الإنساني بالتهجير القسري إلا في ظل ظروف ضيقة ومحدّدة للغاية. وينبغي التعامل مع هذه التدابير على أنها تدابير استثنائية ومؤقّتة.
الإجلاء القانوني هو الاستثناء الوحيد لحظر التهجير القسري. هناك سببان قانونيان فقط قد يستدعيان عمليات الإخلاء:
- أمن السكّان: ينطوي ذلك على ظروف تشكل خطرًا جسيمًا على المدنيين الذين يتعين إجلاؤهم حفاظًا على سلامتهم، مثل عندما تكون المنطقة عرضة لقصف مكثّف. ولا يمكن أن يكون هذا الخطر على المدنيين نتيجة لأعمال غير قانونية من جانب الأطراف نفسها. على سبيل المثال، لا يمكن لطرف في النزاع أن يبرر التّهجير القسري بشنّ هجمات عشوائية.
- أسباب عسكرية حتمية: في هذه الحالة، تبرر الاعتبارات العسكرية المهيمنة التهجير، لكن التكييف القانوني يقلل من هذه الحالات إلى الحد الأدنى. ويجب مع ذلك أن تكون هذه الاعتبارات العسكرية المهيمنة أهدافًا مشروعة. إن إساءة استخدام عمليات الإجلاء كذريعة لتبرير التهجير القسري، مثل التطهير العرقي، سيكون فعلاً غير قانوني.
عندما يكون التهجير قسريًا وغير مبرر بموجب أحد هذه الاستثناءات، فهو فعل غير قانوني. يجب أن تكون عمليات الإخلاء مؤقّتة أيضًا (وتنتهي بانتهاء السبب الذي يبررها)، وإلا فهي غير قانونية.
هناك ظروف قد تكون فيها عمليات الإجلاء مطلوبة لحماية المدنيين. على سبيل المثال، يمكن إبعاد المدنيين كتدبير احترازي ضد آثار الهجمات امتثالاً للقواعد التي تنظم سير الأعمال العدائية. في هذه الحالات، حيث يتم توجيه تحذيرات مسبقة للسكان المدنيين قبل وقوع هجوم وشيك، يجب أن تكون هذه التحذيرات فعّالة وتتيح المجال للإجلاء الآمن. استيفاء الشروط الصارمة لازم للإجلاء القانوني من أجل الحماية الحقيقية للمدنيين، لتجنب الاستيلاء غير المشروع على المبادئ الإنسانية للتهجير الجماعي.
ولا بد من التأكيد على أن القانون الدولي الإنساني لا يسمح بالتهجير القسري إلا في ظل ظروف ضيقة ومحدّدة للغاية. وينبغي التعامل مع هذه التدابير على أنها تدابير استثنائية ومؤقّتة. كما أنه استغلال هذه الأحكام يتعارض بشكل أساسي مع الهدف الإنسانيّ للقانون الدولي الإنساني.
توصيف تهجيرِ بأنه إخلاء (من قبل أطراف النزاع أو الجهات الفاعلة الأخرى) لا يضفي الشرعية عليه تلقائيًا. لا يعتبر الترحيل القسري للمدنيين إجلاءً قانونيًا إلا إذا تم ذلك لأحد هذه الأسباب القانونية واستوفى الشروط القانونية الشاملة:
- يجب أن يكون النزوح محدودًا داخليًا، داخل حدود الإقليم. وفي الأراضي المحتلة، يجب أن يظل تهجير الأشخاص المحميين داخل تلك الأراضي إلا في حال كان ذلك مستحيلاً ماديًا. في النزاعات المسلحة غير الدولية، يجب أن يكون النزوح داخل الأراضي الوطنية.
- يجب أن يكون النزوح مؤقتًا ويمكن للأشخاص الذين تم إجلاؤهم (طوعيًا) العودة إلى منازلهم بمجرد انتهاء الأعمال العدائية في المنطقة وانتهاء سبب الإخلاء. وهذا يفترض أن العودة ستكون ممكنة بالفعل، ولن تكون المنطقة (المناطق) غير صالحة للسكن، على الرغم من آثار النزاع المسلح. وهذا يتفق مع احترام القواعد التي تنظم سير الأعمال العدائية التي تحمي الأعيان المدنيّة وتحديدا الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين.
ويجب أن تكون هناك ظروف مُرضية (المأوى والنظافة والصحة والسلامة والتغذية)، ويجب عدم تفريق الأُسر عن بعضها.
ويشمل نطاق الحماية منع أعمال التهجير، والقيود الجغرافية والزمنية المفروضة على التهجير، ومعاملة المهجَّرين، وكذلك عودة المهجَّرين. وإذا لم يتم استيفاء أي من هذه الشروط الشاملة التي تحمي السكان المتضررين، فإن التهجير القسري سيكون مخالفًا للقانون.

مئات الروهينغا يتجمعون على طول حدود بنغلاديش أثناء فرارهم من ميانمار بعد عبور نهر “ناف”، سبتمبر/أيلول 2017. أجبر التطهير العرقي على يد القوات المسلحة لميانمار قرابة 700 ألف من الروهينغا على الفرار من ولاية راخين في البلاد إلى بنغلاديش المجاورة. الصورة: شترستوك
نصائح وأدوات
هنالك عدد من الاعتبارات التوجيهية عند الإبلاغ عن الحالات التي يحتمل فيها حدوث التهجير القسري:
افهم جوهر الحماية القانونية ذات الصلة. قد يكون من الصعب على الصحفيين إجراء تحليل قانوني رفيع المستوى لتصنيف النزاع وتحديد سلوك ما على أنه انتهاك محدّد. يُستحسن التماس تحليل قانوني موثوق من الخبراء، ولكن سيكون من العملي أن يكون لديك فهم أوّلي للعناصر الرّئيسية للحماية القانونية.
- ما هي القواعد التي تنطبق على أطراف النزاع؟
- ما الغرض الذي صُممت لأجله هذه القواعد؟
- من تحمي؟
- ما هي مكونات الحماية؟
- ما هي مصادر هذه القواعد وكيف يتم تفسيرها؟
هناك العديد من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية ذات الخبرة السياقية والمواضيعية المحددة، من المنظمات المحلية إلى وكالات الأمم المتحدة، وآليات تقصي الحقائق والتحقيق الدولية.
جمع البيانات المتعلقة بالتهجير القسري. تعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على توحيد إحصاءات المهجرين قسريًا حول العالم، مع تسليط الضوء على حالات التهجير الرئيسية. خذ بالاعتبار أن بيانات المفوضية حول المهجّرين قسريًا لا تثبت أن النزوح جريمة محتملة. إنها بيانات واقعية وليست قانونية.
اجمع الحقائق وقم بتوثيق الأنماط المتكررة. استخدم مجموعة متنوّعة من المصادر لجمع الحقائق وتأكيدها.
- اجمع شهادات المهجّرين، والتي قد تكون متاحة من خلال المنظمات التي تقدم الخدمات وغيرها من أشكال المساعدة. احرص على أن تراعي الصدمات النفسية عند إجراء المقابلات وأن تركز المقابلات على الناجين. تأكد من الحقائق والتفاصيل حول الأحداث والمواقع المعروفة من خلال الوثائق المتاحة، والتي قد تشمل المواد السمعية والبصرية التي التقطها النازحون.
- قد تكون المعلومات مفتوحة المصدر مفيدةً وحاسمةً في التحقيقات، خاصة في المواقع التي يمنع فيها الوصول إلى المعلومات أو لا يتوفر بأي شكل آخر. عند التحقيق في نزاع معين، ابحث عن مواد مفتوحة المصدر على الإنترنت. يمكن أن تساعد الصور ومقاطع الفيديو المتاحة من الوكالات وكذلك تلك التي ينشرها الأشخاص الموجودون في المناطق المعنية أو النازحين إليها في إنشاء صورة للحقائق على الأرض. يمكن أن توفر الأنواع الأخرى من المعلومات مفتوحة المصدر أيضًا منظورًا مرئيًا مختلفًا للتحقيق. على سبيل المثال، تم استخدام صور الأقمار الصناعية على نطاق واسع في تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2024 لتحليل الأضرار والدمار وتتبُّع أنماط التهجير داخل غزة. يمكن العثور على إرشادات حول استخدام البحوث مفتوحة المصدر للتحقيقات في هذا الفصل من الدليل.
- وتشكّل البيانات الرّسمية وغيرها من المواد الصادرة عن أطراف النزاع مصدرًا مهمًا للمعلومات للتحليل الاستقصائي. ويشمل ذلك البيانات الصحفية والمقابلات المنشورة باللغات المحلية والتوجيهات وغيرها من الاتصالات الموجّهة إلى السكان المدنيين المحاصرين في النزاع ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الهيئات الرسميّة والجنود المشاة الذين يشاركون تسجيلات لعملهم العسكري. ويمكن أن تساعد هذه المبادرات في تقديم صورة أكثر شمولية عن العمليات والمواقف والسياسات المزعومة والممارسات والسلوك الواضح والمواقف تجاه معايير القانون الدولي الإنساني للمنخرطين في النزاع والذين قد يكونون مسؤولين عن التهجير القسري.
تحليل ظروف النزوح. يمكن تحسين الملاحظات حول التهجير بالإجابة على هذه الأسئلة:
- ما هو سياق التهجير؟
- ما هي الأسباب المحتملة للتهجير؟ هل هناك مؤشرات على أن التهجير قد تم بأمرٍ من قبل أحد أطراف النزاع أو بالقوّة أو بالإكراه؟
- ما هي الاحتمالات البديلة المتاحة للمدنيين للبحث عن الأمان؟ ما هي الظروف في أماكن الأمان البديلة؟
- هل كان هنالك طرق آمنة لحركة الناس؟ هل أُعطوا الوقت الكافي؟
- إلى أين هُجِّر الناس؟
- كم مضى على تهجير الناس؟
- ما هي اتجاهات التهجير وأنماطه وحجمه؟
حدّد المؤشرات المفيدة. انتبه إلى الأفعال والإغفال. كلاهما يمكن أن يقدّم مؤشرات مفيدة.
- ما هي الدلائل التي تشير إلى استخدام القوة أو التهديد بالقوة التي تؤدي إلى التهجير، إن وجدت؟ ما هي العوامل المحتملة التي تخلق بيئة قسرية؟ هل يمكن استنتاج نية التهجير القسري؟
- ما هي الحقائق التي يمكن استخدامها لتقييم المبررات المحتملة للتهجير؟
- هل تدل ظروف النزوح على احترام القيود الجغرافية والزمنية المفروضة على عمليات الإخلاء والظروف المادية المطلوبة؟
- ما هو السلوك العام للأطراف والتزامها بالقانون الدولي الإنساني؟
- كيف تؤكد سياساتهم وممارساتهم ذلك؟ ما هي المعلومات المتاحة عن التقييم الأولي لامتثالهم للقانون الدولي الإنساني؟
ارجع إلى منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية. هناك العديد من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية ذات الخبرة السياقية والمواضيعية المحددة، من المنظمات المحلية إلى وكالات الأمم المتحدة، وآليات تقصي الحقائق والتحقيق الدولية. يمكن أن يساعد تحليل خبرائهم، بما في ذلك التحليل القانوني، الصحفيين الذين يحققون في التهجير القسري. ويشمل ذلك تقارير من هيئات التحقيق المكلَّفة من مجلس حقوق الإنسان، وفرق التحقيق الرقمية في منظمات حقوق الإنسان، والمعلومات، والتعليقات من المنظّمات والخبراء ذوي الخبرة القانونيّة.
دراسات الحالة
العنف الإغاثي في غزة، Forensic Architecture
وثّقت هذه الدراسة التهجير الجماعي للمواطنين الفلسطينيين من قبل الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة وحللت العنف والتدمير الممنهج. واختار التّحقيق معلومات ذات صلة تحدّد ظروف كل مرحلة من مراحل النزوح التي تم تحديدها والأضرار التي لحقت بالمدنيين، لدعم الاستنتاج بأن عمليات النزوح لم تستوفِ المعايير القانونية التي تؤهلها لتُصنّف على أنها “إخلاءات.” تحدّت النتائج حجة إسرائيل (في يناير/كانون الثاني 2024) بأنها تُخلي المدنيين من مناطق القتال وتتخذ تدابير إنسانية للتخفيف من الضرر، في الإجراءات القانونية الجارية في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. ولم يرِد أي رد من إسرائيل على طلب التعليق على التحقيق من Forensic Architechture. وأكدت المحكمة “التهجير القسري للغالبية العظمى من السكان” ومخاوفها بشأن المخاطر الهائلة التي يتعرض لها السكان الفلسطينيون، وأمرت باتخاذ تدابير مؤقّتة بناء على طلبات من جنوب أفريقيا (واستخدم هذا التحقيق كمصدر للأدلة الداعمة).
مُقتَلعون ، The Kyiv Independent
حققت هذه القصة في ترحيل الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا، وحددت أسماء بعض المسؤولين وحددت أماكن وجود بعض الأطفال. تم تسليط الضوء على هذا التحقيق لتركيزه على التّهجير القسري للأطفال وتأكيده على المسؤولية عن الجرائم. في عام 2023 ، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين ومفوضة حقوق الطفل ماريا ألكسييفنا لفوفا بيلوفا لدورهما في الترحيل والنقل غير القانوني للأطفال الأوكرانيين. وبينما نفت روسيا ارتكاب أي مخالفات ورفضت مذكرات الاعتقال، فإن هؤلاء الأفراد يواجهون خطر الاعتقال من قبل دول أخرى عند سفرهم (لأن الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية ملزمة بالتعاون).

تطرّق الفيلم الوثائقي “مقتلعون” إلى الترحيل القسري للأطفال الأوكرانيين إلى روسيا. تتراوح تقديرات عدد المفقودين من 20,000 إلى 100,000. الصورة: لقطة شاشة، Kyiv Independent
() تقرير البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ميانمار، (الأمم المتحدة).
قدّم هذا التقرير سردًا مستفيضا للانتهاكات التي ارتكبها جيش ميانمار وأنماط عملياته وسلوكه. إنه مثال يوضح كيف كان الطرد الجماعي مدفوعًا بالعنف الشديد المرتكَب وخلفية القمع والاضطهاد المُمنهجين. وقد استندت النيابة العامة للمحكمة الجنائية الدولية على نطاق واسع إلى النتائج التفصيلية لهذا التقرير التي قدمتها بعثة تقصّي الحقائق في طلبها الحصول على إذن قضائي لبدء تحقيق في الوضع. رُفِض التّقرير في تصريحات أولية أدلى بها متحدث باسم الحكومة في ميانمار وفي خطاب رسمي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2019، مع اعتراضات على تفويض بعثة تقصي الحقائق وتقاريرها “المتحيزة والمعيبة”، فضلاً عن سعي المحكمة الجنائية الدولية لإجراء تحقيق. ومنذ ذلك الحين، أذن قضاة المحكمة الجنائية الدولية بإجراء تحقيق، وصدرت مذكرة توقيف بتهمة الجريمة المزعومة ضد الإنسانية المتمثلة في ترحيل الروهينغا واضطهادهم.
فيفيان نج محامية دولية تتمتع بخبرة تزيد عن 10 سنوات في مجال حقوق الإنسان والقضايا الإنسانية في شرق إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. شغلت العديد من الأدوار البحثية والاستشارية مع منظمات المجتمع المدني والأمم المتحدة والأوساط الأكاديمية، حيث قدمت الخبرة القانونية والسياسية والتدريب في مجال حقوق الإنسان والقانون الإنساني. وهي حاصلة على ماجستير في حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي من جامعة إسيكس.
رون هافيف مخرج سينمائي رُشح لجائزة إيمي، ومصوّر صحفي حائز على عدّة جوائز، ومؤسس مشارك لوكالة الصور VII ، المكرسة لتوثيق النزاعات وإثارة قضايا حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وهو أيضًا الشريك المؤسس لمؤسسة VII غير الربحية، التي تركز على المشاريع الوثائقيّة وتوفر تدريبًا مجانيًا للصحافة المرئية.