إعداد إمكانية الوصول

خيارات الألوان

لون أحادي لون باهت مظلم

أدوات القراءة

عزل حاكم
الصورة: GIJN
الصورة: GIJN

الصورة: GIJN

مصادر

» دليل

دليل التحقيق في الوقود الأحفوري: كسب التأييد

إقرأ هذه المقال في

ينظر  هذا الفصل إلى الطُّرق التي تتّبعها شركاتُ الوقود الأحفوري للتّأثير على صانعي القرار، ويتناول نصائح للكشف عن المؤشّرات على هذه الجهود وتنبيه الجمهور.

إنّ صورةَ جماعات الضّغط النفطيّة القويّة التي تشدّ الخيوط في العواصم السياسيّة في جميع أنحاء العالم صورةٌ متأصّلة في الوعيّ الجمعيّ لدرجةٍ أنها أصبحتْ مبتذلةً تقريبًا. ولكن كما أظهرت تحقيقاتٌ لا حصرَ لها، هنالك شيءٌ من الحقيقة وراء هذه الصورة. سواء كان الهدف هو منع تنظيم مناخي معين، أو خفض الضرائب، أو الوصول إلى الأراضي العامة للتّنقيب عن النّفط والغاز، أو التأثير على تصوُّرِ صانعي القرار لنظامِ الطاقة المستقبلي لدينا، فهنالك طرق لا تُعدُّ ولا تُحصى يسعى من خلالها قطاع الوقود الأحفوري إلى التّأثير على نتائج السّياسة، وغالبًا ما تنجح أساليبه.

إن نطاقَ وحجمَ الأعمال الاستقصائيّة التي أُجريت على قطاع النّفط والغاز هائلة، ومنها بعض تحقيقاتِ الضغط التي لاقت رواجًا في السنوات القليلة الماضية وحدها.

شركات النّفط والغاز ملزمةٌ بزيادة العوائد للمساهمين، مما يعني أنها غالبًا ما تعارض اللوائح التي تؤثر على أرباحها النهائية ، بغضّ النّظر عن المصلحة العامّة الأوسع. إن حجم الأموال التي يمكن للشركات أن تسخّرها للتأثير على شكلِ السّياسات، والطريقة المدروسة التي تُنفِقُ بها جيوشٌ من المحامين ومستشاري العلاقات العامة والمستشارين السياسيين هذه الأموال، تضعُ مجموعات المجتمع المدني، وحتّى الجهات التنظيميّة الحكوميّة، في وضعٍ غير مواتٍ على الإطلاق. وبحسب OpenSecrets فقد أنفقت شركات النفط الأمريكية 72 مليون دولار على الضّغط الفيدرالي في الولايات المتّحدة في الأشهر الستة الأولى من عام 2024 وحده.

يستكشف الفصل التاّلي كيف تسعى شركات الوقود الأحفوري للتّأثير على صانعي القرار، والأهم من ذلك، نُصح الصحفيين حول كيفية الكشف عن أدلّةٍ على هذه الجهود ولفت انتباه الجمهور إليها. إن نطاق وحجم أعمال التّحقيق التي تم تنفيذها في قطاع النّفط والغاز هائلة – مع عدد من تحقيقات الضغط الرائجة في السنوات القليلة الماضية وحدها. ومنها قصص كشفت الأمور التّالية:

  • العلاقة الوثيقة للغاية بين TotalEnergies مع وزارة الخارجيّة الفرنسيّة الذي أجرته صحيفة لوموند. أكّد وزير الاقتصاد “برونو لو مير” لأعضاء مجلس الشيوخ في البلاد أن   TotalEnergies لم تحظَ بـ “أي معاملةٍ مُحابِية”.
  • جمع مدراء شركات أموالاً طائلة لمحاولة إعادة انتخاب ترامب، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست وفاينانشيال تايمز. رفض المسؤولون التنفيذيون في قطاع النفط الذين وردت أسماؤهم في القصص التعليق.
  • حملة ضغط “سرية” من قبل شركة التّعدين والنّفط العملاقة Vedanta لإضعاف اللوائح البيئيّة في الهند، نشرتها OCCRP و The Hindu. قالت Vedanta إنها تعمل مع الحكومة ضمن الجهود المبذولة لضمان أن تكون الهند أكثر استقلاليّة في مجال الطاقة.
  • كيف قامت حملة ضغطٍ بقيمة 10 ملايين دولار من قبل Occidental Petroleum بمساعدة الشركة في الحصول على مئات الملايين من الدولارات من إعاناتِ احتجازِ الكربون،نشرته بلومبرج. ورفضت Occidental التعليق على النتائج.
  • ضغط  ExxonMobil ضدّ حزمة مناخيّة مهمّة قدّمتها إدارة بايدن، وتكتيكات الضغط التي اتّبعتها، التي كشفت عنها Unearthed و Channel 4 News. قالت Exxon إن الضغط الذي مارسته كان من أجل الزيادات الضريبية التي أسهمت في تمويل حزمة البنية التحتية لبايدن.
  • كيف سحبت شركاتُ النفط التمويلَ لأبحاث الطحالب، والتي شكّلت جزءًا رئيسيًا من الجهود الأخيرة لإقناع صانعي السياسات والجمهور بأن الشركات جادّة في معالجة التغيُّر المناخي، نشرته Drilled و The Guardian. وقالت Exxon إنها استثمرت 350 مليون دولار خلال 12 عاما من عملها على الوقود الحيوي للطحالب.

ينقسم الفصل بشكلٍ عامّ إلى قسمين، الأول حول الضّغط المباشر – جهود الشركات للتّأثير المباشر على صانعي القرار من خلال التبرعات والإقناع. والثّاني حول الضغط غير المباشر، وهي مجموعة من الأنشطة التي تتمّ للتّأثير على الرّأي العام والضّغط على صانعي القرار. من أجل الوضوح والترابط المنطقيّ، سيركّز الفصل على لوبي النفط والغاز، رغم أن الكثير من النّصائح والأدوات تفيد أيضًا للتحقيق في شركات الفحم أو شركات الطّاقة المتجددة.

وثّق تحقيقٌ أجرتْه صحيفة فاينانشيال تايمز في طلب دونالد ترامب تبرعاتٍ من شركات النفط لحملته الرئاسية لعام 2024 العلاقاتِ الماليّة الوثيقة للقطاع مع الحزب الجمهوريّ الأمريكي على مرّ السّنين. الصورة: لقطة شاشة، فاينانشيال تايمز

نصائح وأدوات

جغرافيا

ما لم تبدأ بقرينةٍ ملموسة، فمن المهم أن توجّه نفسك، لأن شركات النفط والغاز ستضغط في الاتجاه والتوقيت الذي يخدم مصالحها. لذلك، يحدث قدر هائل من الضغط من قبل شركات النّفط في الولايات المتّحدة. ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى أن الولايات المتّحدة هي أكبر منتج للنفط والغاز في العالم وثاني أكبر مستهلك للطّاقة في العالم. حتّى شركات النّفط والغاز الدّوليّة الكبرى تحقّق نسبةً كبيرة من أرباحها في الولايات المتّحدة. وبالتالي، فإن معظم ضغوط النّفط والغاز في الولايات المتّحدة تدور حول الجهود المحلية لتسهّل وتخفّض كلفة التّنقيب عن النّفط والغاز (من خلال تقليل الضرائب) ومقاومة السّياسات المصمَّمة لتقليل الطّلب على منتجاتها، على سبيل المثال، من خلال دعم السّيارات الكهربائية وشبكة الطاقة الخالية من الكربون.

في بلدٍ تندر فيه موارد النّفط والغاز، ويندر فيه المنتجون المحليون للنّفط والغاز، فمن المرجَّح أن يحدد حجمُ استهلاكِ النّفط والغاز في البلاد  إلى حدٍّ كبير درجة الضغط في قطاع النفط والغاز.

يتمّ الضّغط في الولايات المتحدة على جميع مستويات الحكومة وفي كلّ مكان داخل النّظام السياسي – من واشنطن العاصمة والأحزاب السياسية الوطنيّة، إلى عواصم الولايات، وصولاً إلى المستوى المحلي. المحرِّضون على هذا الضغط متنوعون، بما في ذلك شركات النّفط والغاز الكبرى، مثل Exxon وChevron، والآلاف من منتجي النّفط والغاز المستقلين – بدءًا من الشّركات التي تبلغ قيمتها مليارات الدّولارات إلى العمليّات العائليّة. ولا يقتصر الأمر على الشركات فحسب، بل تلعب الاتّحادات المهنيّة (على سبيل المثال في الولايات المّتحدة أو الاتّحاد الأوروبي) والمستشارون والمحامون دورًا حاسمًا أيضًا.

المشهد مختلفٌ تمامًا في البلدان ذات موارد النّفط والغاز الشحيحة. على سبيل المثال، في إيطاليا وفرنسا، تهيمن شركات النفط الكبرى في البلدين، ENI و Total، على الضّغط على النّفط والغاز، على التوالي. في فرنسا ، يتمّ توجيه الضغط نحو السّعي للحصول على الدّعم الدّبلوماسيّ من الحكومة الفرنسيّة لأنشطة الشّركة في الخارج، حيث تُجري عمليّاتٍ لبيع النفط والغاز. وبالمثل، بصفتها بائعَ تجزئةٍ للمنتجات البتروليّة في إيطاليا، يُزعم أن ENI لعبت دورًا في السعي لتشكيل سياسة الطاقة والمناخ الوطنيّة. رفضت ENI التعليق على المزاعم، وفقًا لتقريرٍ في صحيفة الغارديان.

في بلدٍ تندر فيه موارد النّفط والغاز، ويندر فيه المنتجون المحليون للنّفط والغاز، فمن المرجَّح أن يحدد حجمُ استهلاكِ النّفط والغاز في البلاد  إلى حدٍّ كبير درجة الضغط في قطاع النفط والغاز.

إذا كانت الدولة صغيرة ومستويات الطلب فيها على النفط والغاز متوسطة واحتمال النمو فيها ضئيل، فمن غير المرجّح أن تشهد الكثير من نشاط الضغط، أما بالنسبة للدول المستهلكة للنفط والغاز فمن المحتمل أن تسعى الشركات، أو الدول النّفطيّة، إلى أن تصبحا مورِّدةً رئيسية وستسعى للتأثير على شكل الجدل السياسيّ حول مستقبل نظام الطّاقة لدى هذه الدول،  لضمان دورٍ لمنتجاتهم.

جمع مؤتمر الأمم المتّحدة العالمي للمناخ COP28 لعام 2023 في دبي ممثلين من جميع أنحاء العالم، مثل المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص بالمناخ “جون كيري”، ولكنّ الحضور ضمّ كذلك قرابة  2,500 من جماعات الضّغط في مجال النّفط والغاز. الصورة: طارق إبراهيم، شترستوك

على سبيل المثال، وجد تحقيقٌ حديثٌ أجراه “مركز تقارير المناخ”، المنظمة التي يعمل معها كاتب هذا الفصل، أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى تحفيز الطلب على منتجاتها النفطية تحفيزًا مصطنعًا في أنحاء إفريقيا وجنوب آسيا من خلال التدخُّل لزيادة عدد السيارات والحافلات والشاحنات التي تعمل بالوقود الأحفوري على طرقها. عندما تم الاتصال بالحكومة السعودية للتعليق، تجاهلت الحكومة الطّلب.

بالإضافة إلى الضغط على مُستوى الدّول، تسعى شركات النّفط والغاز أيضًا إلى التّأثير على المؤسّسات متعدّدة الأطراف، مثل مجموعة السبع ومجموعة العشرين والأمم المتّحدة. خلال مفاوضات المناخ العالمية للأمم المتحدة في دبي عام 2023 (COP28) ، حضر المحادثات 2,456 من أفراد جماعات الضغط المتعلقة بالوقود الأحفوري، وأشرف عليها رئيس شركة النّفط والغاز الحكوميّة الإماراتيّة.

الجهات الفاعلة الرئيسية

من المهم أيضًا تحديد الجهات الفاعلة الرئيسية في الميدان، سواء في البلد المحدّد الذي تحقّق فيه أو على نطاقٍ أوسع. على سبيل المثال، في أستراليا، هناك شركات نفط وغاز دوليّة كبرى، منها Chevron، Exxon، BP، Shell، ولكن هناك أيضًا لاعبون محليون رئيسيون مثل Santos. بعد ذلك، هناك اتحادات مهنيّة على المستوى الوطني وعلى مستوى الولايات تضغط نيابةً عن قطاع النفط والغاز. يمكن أن يكون هذا خاصًا بسياق الوقود الأحفوري، مثل “منتجي الطاقة الأستراليينوجمعية غاز “كوينزلاند” ، أو مجموعات تضغط على مستوى الاقتصاد كله، مثل مجلس الأعمال الأسترالي.

حاول أن تقدّم طلبات حق الحصول على المعلومات… وأن تمشّطَ قواعد البيانات المتاحة للعامّة لتصل إلى ما يثبت الاتصال بهدف الضغط بين الشّركات وصنّاع القرار

يمكن أن تكون هذه الاتحادات مكانًا جيدًا جدًا لتبدأ منه عند التحقيق في أنشطة الضغط المباشرة وغير المباشرة من قِبل قطاع النّفط والغاز لأنّها تمكّنُ الشّركات من الضغط لتمرير السياسات المثيرة للجدل دون ربط علامتها التجارية مباشرةً بهذه الجهود. إذا وجدتَ أن اتحادًا مهنيًا معينًا يعارض سياسةً من سياسات المناخ، فإن الأمر يستحقُّ البحثَ عن دليل على الضّغط المباشر من قِبل شركات النفط والغاز بشأن هذه القضيّة. غالبًا ما تعارض الشركات سياسة علنًا من خلال اتحاد مهنيّ ولكنها تضغط مباشرة في اجتماعات خاصة مع صانعي السّياسات. خلال تحقيق سري في النّفوذ السياسي لشركة ExxonMobil سنة 2021، تحدّث أحد كبار المناصِرين في الشركة عن الضغطَ “بالتّواري خلفَ” معهد البترول الأمريكي بشأن قضايا مثيرة للجدل، مثل استخدام PFAS (المواد الألكيلية البيرفلورية والمتعددة الفلور)، التي لم ترغب الشركة في الدّفع نحوها علنًا. ردًا على ذلك، قالت Exxon إنّها لا تصنع منتجات PFAS ولكنها تستخدمها.

من وجهة نظرٍ صحفيّة، هناك عدد من الطرق للكشف عن أدلّةٍ على هذا الضّغط المباشر. ويشمل ذلك بناء علاقات وطيدة مع المصادر في الإدارات الحكومية والسياسيين وموظفيهم وموظفي أي شركات تقدميّة تشارك في الاتحادات المهنية. حاول أن تقدّم طلبات حق الحصول على المعلومات (على الرغم من أن فائدة هذه الأداة في تراجُع)، وأن تمشّطَ قواعد البيانات المتاحة للعامّة لتصل إلى ما يثبت الاتصال بهدف الضغط بين الشّركات وصنّاع القرار (المزيد حول هذا أدناه).

يجدر أيضًا الانتباه إلى مجموعات الحملات الخاصة بالقضايا التي أنشأتها الاتحادات المهنية وشركات النفط، بما في ذلك ما يُسمّى  بمجموعات النجيل الصناعي، والتي تسعى إلى إعطاء انطباع خاطئ عن الدعم العام لموقف القطاع. كشف تحقيق حديث أجرته E&E  News أن عددا من مجموعات الوقود الأحفوري والمجموعات المرتبطة بالأعمال التجارية أدارت حملات إعلانية بملايين الدولارات في كاليفورنيا في الفترة التي سبقت تصويتًا عامًا مهمًا على إحدى سياسات المناخ. على سبيل المثال، الرئيس والمدير التنفيذي لـ WSPA (جمعية البترول للولايات الغربية) – وهو اتحاد مهني قوي في عالم النفط والغاز – عضوٌ كذلك في مجلس إدارة CEI (كاليفورنيون من أجل استقلالية الطّاقة). CEI مرتبطة بـ WSPA، ولكن يبدو أن اسمها مصمّم ليعطي وقْعَ مبادرةٍ شعبية يقودها المواطنون المعنيون ليضفي على رسائلها مزيدًا من المصداقيّة. نفى WSPA تمويل إعلانات CEI وتوجيه استراتيجيتها.

القضايا الرئيسية

هنالك نقطة انطلاق أخرى مهمة وهي معرفة المبادرات والمقترحات التشريعية والتنظيمية الجارية والتي تؤثّر على قطاع النّفط والغاز في بلد معين أو من خلال مؤسسة متعدّدة الأطراف. يمكن أن تكون ضريبة غير متوقّعة على أرباح النّفط والغاز، أو قانونًا جديدًا مصممًا لتقليل انبعاثات الكربون من منشآت النّفط والغاز، أو خطة لتقديم الدّعم لأشكال الطّاقة المتنافسة مثل الرياح والطاقة الشمسية. أسرع طريقةٍ للتغلُّب على هذا هو التحدّث مع المراكز البحثية ومجموعات الحملات التي تتابع هذه القضايا عن كثب، مع أن تجميعها ممكنٌ أيضًا من خلال التّقارير مفتوحة المصدر. مرّةً أخرى، يمكن أن تشمل المبادرات التي تضغط من أجلها شركات النّفط والغاز قواعد محلية للغاية بشأن تلوث الهواء، أو قوانين جديدة تتمّ مناقشتها في هيئة تشريعيّة وطنية، أو مفاوضات متعدّدة الأطراف حول إحدى معاهدات المناخ.

من المهم فهم العمليات التّشريعيّة والتّنظيميّة حتى تتمكّن من توقع أنواع الضّغط الجارية.

هنالك طرقٌ كثيرة للكشف عن تفاصيل الضّغط المباشر من قبل الشركات والاتحادت المهنية والصّناعية، والتي ستختلف بالتّأكيد حسب البلد والمؤسسات المعنيّة.

على سبيل المثال، هل هي لائحة ستُطرح للتّشاور العام قبل تنفيذها بدون تصويت؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن يشمل الضغط اجتماعاتٍ بين الشركات وكبار مسؤولي الإدارات الحكوميّة، بالإضافة إلى تقديم مواد مكتوبة حول هذه القضية (والتي قد تكون متاحة أو غير متاحة). قد تكون هناك لجنة استشاريّة في هيئةٍ تشريعيّة تدقّق المقترحات، ويمكن للشّركات أيضًا أن تعمل مع مسؤولين منتَخبين ودودين، أو مجموعات مصالحٍ مثل الاتحادات المهنية أو النقابات العمّاليّة، لممارسة الضغط على صانعي القرار حتى توضع القواعدالجديدة بما يخدم مصلحتهم. في هذه الحالة، يمكن أن يكون الحصول على ردود الجمهور طريقة سريعة لتحديد مجموعاتِ المصالح المعنيّة، ويمكن أن يكون التّدقيق في تصريحاتهم طريقةً جيّدة لمعرفة منْ يعمل عن كثب مع قطاع النّفط والغاز. إذا قمتَ بإجراء مقابلات مع سياسيين أو موظفين أو غيرهم من المقرّبين من عملية الضغط، فاحرص على الحصول على أسمائهم. قد يكون من المفيد أيضًا إلقاء نظرة على أي قواعد بيانات متاحة للجمهور للتبرّعات السياسية وتتبُّع الحاضرين في المناسبات التي يقيمها قطاع النفط والغاز، إمّا شخصيًا أو باستخدام وسائل التّواصل الاجتماعي.

الضغط المباشر

هنالك طرقٌ كثيرة للكشف عن تفاصيل الضّغط المباشر من قبل الشركات والاتحادت المهنية والصّناعية، والتي ستختلف بالتّأكيد حسب البلد والمؤسسات المعنيّة. سيقدّم القسم التّالي بعض الاقتراحات الواسعة لنقاطٍ يمكن البدء من عندها، مع بعض الأمثلة التّوضيحيّة لمكان العثور على المعلومات.

التبرّعات السياسيّة

لطالما كانت شركات النّفط تمنحُ السّياسيين المال، ويمكن أن تتراوح الأموال التي يتم تداولها من تبرّعات صغيرة بالدولار للسياسيين المحليين إلى مبالغ أكبر تُدفع  للجماعات السياسيّة الوطنيّة، وحتّى الفساد الصّريح. أسباب التبرُّع كثيرة ويصعب تحديدها بدقة، لكنها قد تعطي أدلّةً على الأولويّات السياسيّة لشركات النّفط والغاز.

على سبيل المثال، وبحسب ما ذكرت ExxonMobil  على موقعها على الإنترنت، فإنّها تقدّم الأموال للمشرِّعين في الولايات الأمريكية (إلى حد كبير في المناطق التي لها مصالح تجارية فيها)، وعلى المستوى الوطني، تقدّم الأموال لمجموعات من منظّماتِ المشرّعين التي تجمع المشرعين وموظفيهم لعقد اجتماعات في المنتجعات الفاخرة. تبيع هذه المجموعات بشكل أساسي إمكانية الوصول إلى الشّركات وأصحاب الثروات لتمويل جهودهم الرامية لإعادة انتخاب أعضائها. ما يحفّز الشركات هو الوصول المباشر، والقدرة على النقاش بشكلٍ غير رسم مع ثلّة من أقوى الساسة في الولايات المتحدة، الذين يشاركون بشكل مباشر غالبًا في الإشراف على جوانب متعلقة بالمصالح التّجارية للشركة.

متظاهرون يحتجّون في لندن أثناء قمة COP26 في سكوتلاندا. الصورة: شترستوك

في المثال أعلاه، نعلم أن Exxon أعطت أموالا لمنظّمات معينة لأن الشركة، وهذا يُحسب لها، نشرت المعلومات على موقعها على الإنترنت. تقدم الكثير من شركات النفط الكبرى الآن تفاصيل عن هذه المساهمات، وكذلك تفاصيل الجمعيات المهنية الكبرى التي تحمل عضويتها، بعد ضغوط المستثمرين ليكونوا أكثر شفافيّة بشأن جهود الضغط التي يمارسونها.

وإذا لم تنشر الشركات على مواقعها فإن  موقع OpenSecrets هو أفضل مكان للبدء عند البحث عن معلومات حول المساهمات السياسيّة في الولايات المّتحدة.

يمكن البحث عن التبرعات في المملكة المّتحدة باستخدام سجل المصالح التابع لبرلمان المملكة المتحدة أو عبر اللجنة الانتخابيّة. إلا أن الكثير من البلدان لا تنشر هذه البيانات على الإطلاق. يمكنك أن تعرف ما إذا كان البلد الذي تريد التحقيق عنه ينشر تفاصيل التبرعات السياسية بالدخول إلى  موقع المعهد الدّولي للديمقراطيّة والمساعدة الانتخابيّة. في أوروبا يمكنك أن تبدأ من تحقيق تمويل حملة Follow the Money. في حالة عدم كشف هذه المعلومات، سيكون التحدي هو العثور على مصادر بشرية قادرة وراغبة في إطلاعك على هذه المعلومات.

تجدر الإشارة إلى أن هذه التبرّعات قد تأتي مباشرة من شركة أو جمعية مهنية أو من المساهمين الرئيسيين شخصيًا. على سبيل المثال، في الدورة الانتخابية الأمريكية لعام 2024، تبرّع رئيس شركة خطوط الأنابيب Energy Transfer، الملياردير “كيلسي وارين”، شخصيًا بمبلغ 5 ملايين دولار دعمًا لحملة إعادة انتخاب دونالد ترامب والتي نجحت في مسعاها.

المراسلات والاجتماعات

يمكن أن تكون قواعد البيانات مفيدة أيضًا للتّحقيق في القنوات المفتوحة بين القطاع والحكومة.

من الواضح أن الكشف عن أدلّة على الاتّصال بين موظفي شركة النّفط وصنّاع القرار – ومحتوى هذه المناقشات – أمر بالغ الأهمية عند التّحقيق في الضّغط من قبل القطاع. ويمكن أن تشمل جهود الضغط هذه الاستجابات على المشاورات الحكومية؛ الخطابات في اللجان التشريعية، ومراسلات البريد الإلكتروني مع المسؤولين والسياسيين، والاجتماعات الرسميّة وغير الرسميّة مع صنّاع القرار. ومع ذلك، قد يكون من الصّعب الكشف عن تفاصيل مثل هذه الاجتماعات والمراسلات، لأن كلا الطرفين غالبًا ما يبذلان جهودا كبيرة لإخفاء تواصلهما.

تُعدُّ قواعدُ بياناتِ جهات الاتصال للضغط – في حال توفرها- مكانًا جيدًا للبدء، مثل:

يمكن أن تكون قواعد البيانات هذه مفيدة أيضًا للتحقيق في قنوات الاتصال المفتوحة بين القطاع والحكومة – عندما يتولّى كبار مسؤولي القطاع وظائف في الحكومة أو ينتقل المسؤولون الحكوميون للعمل في القطاع. يمكن أن تساعد Linkedin وغيرها من المعلومات مفتوحة المصدر أيضًا في توفير معلومات حول جماعات الضغط أو المسؤولين والروابط التي تجمعهم (أو لا تجمعهم) مع القطاع/الحكومة.

في المناطق التي لا يوجد فيها سجل للضغط، قد يكون من الممكن تخمين وجود صلات بين الشركات والمسؤولين عبر البيانات الصحفية أو منشورات وسائل التّواصل الاجتماعي أو المحادثات مع القطاع أو مصادر الحكومة. أو يمكنك تقديم طلب للحصول على المعلومات حيثما أمكن ذلك.

إذا كنت قادرا على تحديد الاجتماعات، فستكون الخطوة التالية هي معرفة ما تمّت مناقشته. في حالة وجود قوانين حرية المعلومات/الحق في الحصول على المعلومات، يمكنك تقديم طلب للحصول على المراسلات والمحاضِر والملاحظات المتعلّقة بالاجتماع والقضايا التي تمّت مناقشتها. ومع ذلك، اعتمادا على المكان الذي تقيم فيه، أصبح قانون حرية المعلومات/الحق في الوصول إلى المعلومات أقلّ فائدة حيث تسعى الحكومات إلى منع الإفصاح وتأخيره. في هذه الحالة، من الأفضل أيضًا اتّباع نهج قائم على المصادر من خلال الاستثمار في بناء العلاقات داخل القطاع والحكومة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني. في الحالات التي تكون فيها لديك معلومات تشير إلى وقوع مخالفات بشأن قضية كبيرة تهمّ الرأي العام خلال اجتماعات كهذه – ولكن لن تقدم الشركة ولا الحكومة تفاصيل جوهرية – قد يكون هناك ما يبرر تقنيات الإبلاغ المتخفيّة.

كشفت التّحقيقات التي أجرتها Drilled و DeSmog و The Guardian عن دور شركات النفط والمراكز البحثيّة المموَّلة من الوقود الأحفوري في حملة عالمية على المتظاهرين من أجل المناخ.

مصدر آخر لمعلومات الضّغط هو قواعد بيانات الاستشارات الحكومية. على سبيل المثال، يمكنك البحث عن المشاركات المقدّمة من الشركات والجمعيّات المهنية باستخدام موقع Regulations.gov في الولايات المتحدة. يمكن أن يؤدي استخدام قاعدة البيانات هذه إلى إنتاج قصص مهمة للمصلحة العامة في الحالات التي تضغط فيها الشركة ضد المصلحة العامة في موضوع مثير للجدل. لدى الاتحاد الأوروبي أيضًا نظام لنشر الردود الاستشارية، على الرغم من أنه يتطلب أحيانًا تقديم طلبات معلومات للحصول على مزيد من التفاصيل. على سبيل المثال، فيما يلي الردود التي تم جمعها على استشارة حول السيارات الكهربائية، بما في ذلك رد من قطاع الغاز الطبيعي التي تضغط لدعم المركبات التي تعمل بالغاز الطبيعي.

الضغط غير المباشر

والضغط غير المباشر مفهومٌ واسع، وكما يوحي الاسم، يشير أساسًا إلى الجهود المبذولة لممارسة التأثير على صانعي القرار بشكل أكثر تحفظًا. يمكن أن يتراوح هذا من المبادرات التي تسعى إلى تشكيل اقتراح سياسي محدد، مثل حملة California Astroturf المشار إليها أعلاه، إلى الجهود المستمرة لتشكيل الرأي السائد  بشأن قضايا الطاقة بشكل عام.

هذه الجهود الأعمق لتشكيل الشروط التي يحتكم إليها النقاش حول تغير المناخ مهمة بشكل خاص لأنها تخلق بيئة تبدو فيها الإجراءات المطلوبة لمعالجة تغير المناخ جذرية، عند مقارنتها بالحلول الأكثر واقعيّة التي يطرحها قطاع النفط والغاز. يسعى قطاع النفط والغاز إلى تحقيق ذلك بطرق لا تُعدّ ولا تُحصى، منها: التبرعات لمراكز الأبحاث  والأوساط الأكاديمية والتعاون الوثيق معها. التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي وإعلانات اللوحات الإعلانية. وضع القصص والروايات الإعلامية الصديقة للقطاع . حملات كتابة الرسائل. وزراعة ونشر “مدققين” تابعين لجهات خارجية. كل هذا مصمم لخلق بيئة مواتية للضغط المباشر في الصناعة، بما في ذلك من خلال الاستفادة من الضغط السياسي والخلافات الإعلامية التي صنعها قطاع النفط والغاز بيديه.

وجد تحقيق أجرته DeSmog حملة إعلانية مكثّفة للوقود الأحفوري تركّز على محطة مترو رئيسية في لندن بالقرب من مكاتب الحكومة البريطانية. الصورة: لقطة شاشة ، DeSmog

إحدى جمعيات النّفط في الولايات المتحدة الولايات، استهدفت الولايات المتأرجحة الكبرى قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بحملة إعلانية هاجمت جهود إدارة بايدن للحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من قطاع النقل من خلال ترويجها للسّيارات الكهربائية. يبدو أن الحملة كانت تهدف إلى جعل هذه السياسات مكلفة سياسيًا بهدف إضعافها أو إلغائها بعد الانتخابات. تدفع شركات النّفط والغاز أيضًا مقابل إعلانات اللوحات الإعلانية المستهدفة للترويج لمدى “التزامهم بالمعايير الخضراء” أو الدّور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه الغاز في انتقال الطاقة في المواقع التي يوجد فيها تركيز كبير من صانعي السياسات، كما هو الحال في محطة مترو أنفاق وستمنستر في لندن أومحطة القطار الرئيسية التي يتردد عليها مسؤولو الاتحاد الأوروبي في بروكسل. قدرت دراسة أجريت عام 2022 أن شركات النّفط والغاز الكبرى قد أنفقت 750 مليون دولار في العام السابق على الاتصالات المتعلقة بالمناخ.

ضخّ قطاع النفط والغاز الأموال في الأوساط الأكاديمية، حيث ناقشت دراسةٌ أكاديمية حديثة أن هذا أدى إلى إبطاء التحوّل إلى الطاقة الخضراء. تقول الدّراسة إن تبرعات قطاع الوقود الأحفوري أثرت على الجامعات للتركيز على الجهود المناخية التي من شأنها أن تجد مكانًا في المستقبل للوقود الأحفوري.

يرتبط بذلك دعم القطاع للمراكز البحثيّة المؤثّرة، والتي توفّر جسرًا لصانعي السياسات والمؤثّرين الخارجيين الذين يمكنهم أن يبثتوا وجهة نظر شركات النفط بالنيابة عنها. في السنوات الأخيرة، لم يكن هذا المجال يحصل على تغطية كافية، مع أن  The New Republic لفتت الانتباه في الولايات المتحدة الأمريكية إلى التبرّعات من الكثير من الشركات لمراكز أبحاث السياسة الخارجية والسوق الحرة، مما يشير إلى وجود صلة بين التمويل والرسائل المؤيِّدة لقطاع النفط والغاز التي نشرتها هذه المؤسسات. وبالمثل، كشفت التحقيقات التي أجرتها Drilled و DeSmog و The Guardian عن دور شركات النفط ومراكز الأبحاث المموّلة من الوقود الأحفوري في قمع عالمي ضد المتظاهرين من أجل قضايا المناخ. على سبيل المثال، استخدم التّحقيق الذي أجرتْه صحيفة الغارديان طلبات حرية المعلومات للكشف عن كيفية قيام شركات النفط والغاز وجمعيّاتها المهنيّة بالضّغط على المشرّعين على مستوى الولايات في جميع أنحاء الولايات المتحدة لقمع الاحتجاجات السلميّة ضد توسع النذفط والغاز.

يلعب “التمويه الأخضر” (Greenwashing) عبر التكتيكات المذكورة أعلاه دورا رئيسيا في الضغط غير المباشر، رغم أنّه يهدف إلى أمور أخرى، والتي تمّ تناولها في هذا الفصل من الدليل الذي يتناول هذا الموضوع.


لورانس كارتر صحفيٌّ استقصائيٌّ مهتمٌ بالتغيُّر المناخي والتأثير السّياسي. حقّق في حرب شركات النفط الكبرى على سياسة المناخ الأمريكيّة، والمشكِّكين في التغير المناخي المموَّلين من شركات الوقود الأحفوري، والدّول النفطية التي تسعى إلى إبقاء العالم مدمنًا على النفط. تحقيقه السري سنة 2021 الذي تناول عرقلة ExxonMobil لسياسة المناخ الأمريكية، أدّى إلى فتح  تحقيقين رئيسيين في الكونغرس. نُشرت تحقيقاته في نيويورك تايمز، واشنطن بوست، وول ستريت جورنال، سي إن إن،  بي بي سي، فاينانشيال تايمز.وغيرها من المنصّات.


إعادة نشر مقالتنا عبر الانترنت أوطباعة تحت رخصة النشاط الابداعي

إعادة نشر هذا المقال


Material from GIJN’s website is generally available for republication under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International license. Images usually are published under a different license, so we advise you to use alternatives or contact us regarding permission. Here are our full terms for republication. You must credit the author, link to the original story, and name GIJN as the first publisher. For any queries or to send us a courtesy republication note, write to hello@gijn.org.