إعداد إمكانية الوصول

خيارات الألوان

لون أحادي لون باهت مظلم

أدوات القراءة

عزل حاكم

القصص

مواضيع

10 أسئلة مع محمد أبو شحمة: أن تعمل وتعيش داخل غزة كصحفيٍّ استقصائيّ

إقرأ هذه المقال في

 

حدثتْ الشّبكة العالميّة للصحافة الاستقصائيّة GIJN مع الصحفي المقيم في شمال غزة “محمد أبو شحمة” حول نجاته وعمله كمراسلٍ مراقبٍ في ظلّ ظروف مروّعة تتعرض فيها حياته للخطر.

محادثتي الأولى مع “محمد أبو شحمة”، وهو صحفيّ استقصائيّ يعيش في غزة عمِلَ في السابق مع شبكة أريج والجزيرة و درج، كانت عندما نشر تحقيقًا أجراه خلال الشهر الأول من الحرب في غزة في أكتوبر/نوفمبر 2023.

كانت القصة تتناول الحروق الشّديدة التي عانى منها سكّان غزة بعد تعرّضهم للغارات الجويّة الإسرائيليّة. وكان “أبو شحمة” ينظر أيضًا في مزاعم بأن الجيش الإسرائيليّ قد استخدم أسلحةً محظورة في استهداف المدنيين في غزّة. تضمّنت محادثتنا طلبًا محزنًا: أن أروّج لعمله في مجتمع الشبكة العالميّة للحصافة الاستقصائية GIJN حتّى يتذكره العالم ويتذكّر تقاريره إنْ قُتِل.

“أبو شحمة”، من مواليد خان يونس في قطاع غزة، نزح منه خلال الصراع، وشعر شخصيًا بالخسائر التي تخلّفها الحرب. فقد العشرات من أفراد أسرته المقرّبين خلال الأشهر السّبعة الماضية – بمن فيهم شقيقه، الذي وجد جثّته الهامدة بشكل محمد أبو شحمةاوي ملقاة في الشارع – ودُمِّر منزله في قصفٍ إسرائيلي. في الوقت الذي تعتمد فيه قصص الصّحافة الاستقصائيّة البارزة من غزّة اعتماداً كبيرًا على تحديد الموقع الجغرافيّ، والتّقارير مفتوحة المصدر عن بعد، حقّق “أبو شحمة” في جرائم حرب محتملة على الأرض، مما يدل على تصميمٍ وصمودٍ لا مثيل لهما. في هذه المقابلة، تحدثت GIJN معه حول نجاته وعمله كمراسلٍ مراقبٍ في ظلّ ظروف مروّعة تتعرّض فيها حياته للخطر.

GIJN: تنطوي الصّحافة في غزة على مخاطر  هائلة في الوقت الحاليّ، وكان هنالك تقارير حديثة تناولت الادعاءات القائلة بأن الجيش الإسرائيليّ يستهدف الصّحفيين. بشكل عام، كيف تعيش وتعمل في مثل هذه البيئة؟

محمد أبو شحمة: في كل خطوة أخطوها أثناء العمل على تقرير استقصائي، أرفع عيني إلى السماء وأستمع إلى صوت طائرات الاستطلاع المرعب. تطاردني فكرة سقوطِ صاروخٍ من هذه الطائرات، حيث قُتل عشرات الصّحفيين خلال مهمات العمل. كما أخشى أن أتعرّض لإصابات خطيرة، أو أن يتمّ اعتقالي ونقلي إلى السجن حيث وصف صحفيون آخرون تعرُّضهم لاستجوابات قاسية. هذا يجعلني أفكّر في موضوع التّحقيق وطريقة تنفيذه في ظلّ ظروف الحرب.

خوفي الأكبر هو أن يتمّ استهداف وعائلتي في الدّاخل، وكم سأشعر بالذنب طوال الباقي من حياتي. هذا الخطر يدفعني إلى رفض بعض مواضيع التّقارير الاستقصائيّة. غالبًا ما أقضي الليل خارج منزلي، وتحديدًا في المستشفى. أفعل ذلك كلّما أكملت تقريرًا استقصائيًا، لضمان سلامة عائلتي وأطفالي وأمّي المسنّة.

GIJN: هناك إجماع على أن العمل الاستقصائيّ معقدٌ جدًا في غزة معقدة للغاية في الوقت الحالي، ومع ذلك فقد تمكّنت من إنتاج العديد من التقارير الاستقصائيّة بنفسك – وسنتناول بعضها. كيف تمكنت من إعداد تقاريرك، وما الذي يحفّزك على الاستمرار؟

محمد أبو شحمة من مواليد خانيونس في قطاع غزة. الصورة: بإذن من أبو شحمة

محمد أبو شحمة: أعدُدت عدّة تحقيقات استقصائيّة باستخدام أدوات بدائيّة جدًا للكتابة والتّوثيق بسبب انقطاع الكهرباء، وهو أمرٌ ضروريٌّ لاستخدام حاسوبي المحمول. في البداية، كنت أستخدم ورقةً وقلم، وكنت أمشي مسافاتٍ طويلة للتحدُّث إلى مصادري، وخاصّةً الأطبّاء وعائلات الضّحايا. بعد ذلك، تمكّنت من الحصول على الكهرباء في مستشفى ناصر، ووجدتُ مكانًا على الأرض كنت أجلس فيه لساعات طويلة جدًا مع حاسوبي المحمول لكتابة تقاريري. لقد استخدمتُ أيضًا مصادر مفتوحةً للتّوثيق.

كان دافعي الرّئيسي لإعداد التقارير هو واجبي المهني في توثيق ما لم تقدّمه صحافة “الأخبار السريعة” التي تقتطع وتختزل قصص الكثير من الضّحايا. لكلّ ضحيّة وتفجير قصّة محمّلة بالمعاني يجب الكشف عنها ونقلها إلى العالم، خاصة وأن الجيش الإسرائيلي منع الصّحفيين الأجانب من دخول غزة. ونتيجة لذلك، عملتُ بتعمُّق على تقارير استقصائيّة متعلّقة بالحرب وكشفتُ عن معلومات لم تقدّمها الصّحافة أو تعالجها.

GIJN: لقد فقدت العديد من أقاربك. كيف أثّرت هذه الخسارة الكبيرة عليك شخصيًا ومهنيًا؟

محمد أبو شحمة: في بداية الحرب، استهدفت القوّات الإسرائيليّة منزلَ أختي. كانت هناك مع أطفالها وابنة أخي وأبناء عمومتي من الأب. كنت مصدومًا وتوقّفت عن العمل لمدّة أسبوع. لم أستطع الاستمرار بسبب هذه الخسارة.

ومع ذلك، عدتُ إلى العمل مع استمرار الحرب وبروز الحاجة إلى إعداد تقارير من شأنها أن تكشف تفاصيل غير معروفة. في وقت لاحق، صُدمت بخبر قصف منزلي وتدميره، وتدمير معدّاتي الصحفيّة ووثائق التّقارير الاستقصائيّة. أحزنني الخبر لأنني عشت في ذلك المنزل لسنوات.

لقد شهدتُ لحظاتٍ من الفرح والحزن والضيق والرّاحة، وشهدتُ ولادةَ طفلي الأوّل. ذهبت إلى منزلي المدمّر، لكنني لم أستطع إنقاذ حاسوبي المحمول أو أي من وثائقي. من تحت الأنقاض، تمكّنتُ فقط من انتشال بعض الملابس التي كانت إما ممزّقة أو تفوح منها رائحة البارود. هذا أحبطني هذا كثيرًا، خاصة لأن عائلتي في مقتبل العمر ولقد عملتُ بجدٍّ لبناء هذا المنزل. ومع ذلك، فقد خففت عن نفسي بالتفكير بأن سلامتي وسلامة عائلتي أهمّ من المنزل، وتقبّلتُ ما حدث له.

بعد أسبوعين من قصف منزلي، صدمني خبرُ استشهاد أخي الأكبر بينما كان يحاول الفرار من خان يونس. أصعب شيء في وفاته هو أن جثّته تُركت في الشارع لمدة 20 يومًا حتى تحلّلت. لم يكن باليد حيلة بسبب كثافة القصف في المنطقة. هذه أصعب تجربة يمكن أن يمرّ بها المرء.

GIJN: تضمنت بعض قصصك مقابلات مع مدنيين قُتل أطفالهم ودُمّرت منازلهم. يتطلب هذا النوع من المقابلات استخدام تقنيات خاصة للتعامل مع الآثار النفسيّة والجسديّة للحرب. كيف يمكن لصحفيٍّ من غزّة أن يوفّر بيئةً مناسِبةً لإجراء المقابلات بينما هو نفسه يعاني من نفس الخسارة والخسائر العاطفية والماديّة الهائلة؟

محمد أبو شحمة: معظم الأشخاص الذين قابلتهم تعرّضوا لصدمةٍ شديدةٍ لدرجة أنّهم كانوا يبكون وينهارون بمجرد أن يبدأوا في الكلام. كان هذا تحديًا كبيرًا بالنسبة لي. ومع ذلك، فإنني أعمل في هذه الظروف منذ سنوات، لذلك كنت أحتضنهم وأبكي معهم، وأخفّف عنهم، وأنغمس في مشاعرهم لأتمكّن من نقل قصصهم بصدق.

GIJN: في تقريرك الاستقصائي حول إصابات الحروق التي لحقت بالمدنيين بعد القصف الإسرائيلي للأحياء السكنيّة، طُلب منك جمْعُ عيّناتٍ من الشظايا وبقايا القنابل. يتطلّب هذا النوع من جمع الأدلة معرفة عميقة. كيف تمكّنت من إنجاز هذه المهمة وما هي المنهجيّة التي اتّبعتها؟

محمد أبو شحمة: وجدتُ أسماء وأرقامًا على قطع الصواريخ والشّظايا. بحثتُ عن هذه الأسماء والأرقام على الإنترنت. سألتُ خبراء المتفجرات ووجدتُ الشّركات المصنِّعة لهذه الصّواريخ. كانت المنهجيّة التي استخدمتها هي تسجيل الأسماء المكتوبة على بقايا الصواريخ والشظايا واستخدام المصادر المفتوحة لتأكيد مصنِّعيها. علاوة على ذلك، استكشفتُ الإصابات النّاجمة عن هذه الصّواريخ وقارنتُها بإصابات الضّحايا في الحروب السّابقة.

تحقيق “أبو شحمة” عن الحروق الشديدة التي عانى منها سكان غزة بعد تعرّضهم للغارات الجويّة الإسرائيليّة. الصّورة: لقطة شاشة، قناة الجزيرة.

GIJN: هل يمكنك أن تشرح لي خطة تقييم المخاطر التي طوّرتها أثناء العمل على القصص في غزة لأن كلّ الأراضي معرّضة لخطر القصف؟

محمد أبو شحمة: في كل تقرير استقصائيّ ، أفكر كثيرا في إمكانية التعرُّض للانتقام ويجب أن أفكّر في التفاصيل التي يجب ان أذكرها – أو ألّا أذكرها – لحماية نفسي ومصادري. ومع ذلك، لا تزال المخاطر قائمةً حتى يومنا هذا. “السّلامة أولاً” هي قاعدة أساسيّة في الصّحافة، ولكن في هذه الحرب الخطر محيطٌ بالجميع. ولهذا قرّرت أن أستمر في العمل وفي إعداد التّقارير.

GIJN: تضمّنت تقاريرك الاستقصائيّة أرقامًا رسميّة وبيانات صادرةً عن مسؤولين في غزة ومصادر مستقلة لدعم قصصك. هل هناك استراتيجية تتبعونها لتوثيق الحقائق والمعلومات باستخدام مصادر موثوقة، نظرًا إلى ظروف الحرب والانهيار الكامل للخدمات والقطاعات العامّة في غزة؟

محمد أبو شحمة: كنتُ أنتظر لساعات طويلة على أبواب صغار المسؤولين الذين لديهم قاعدة البيانات اللازمة للوصول إلى الإحصاءات الموثّقة. أقوم يوميًا بجمع الإحصاءات الصّادرة عن الجهات الرسميّة وتحليلها واستخدامها في تقاريري الاستقصائيّة لجعلها أكثر دقّة.

GIJN: ما هي القصة التي كنتَ ستنجزها بشكلٍ مختلف لو أُتيحت لك الموارد المطلوبة؟

“أودّ أن أدعو زملائي إلى التحلّي بالصبر ومراعاة الظروف المعقّدة النّاجمة عن الحرب، بالإضافة إلى النّقص الحادّ في الموارد الذي يجعل عمل التّحقيق يستغرق وقتًا أطول من المعتاد.” – محمد أبو شحمة

محمد أبو شحمة: القصص التي تتناول موضوع أدوات الذّكاء الاصطناعي التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي لتحديد الأهداف التي سيتمّ قصفها ستكون مثار الاهتمام، لكنني أفتقر إلى الموارد اللازمة للكتابة عن تفاصيل مثل كيفية تحديد المنزل الذي سيتم استهدافه، ومنْ سيُقتل، ومن يزوّدهم بالبرمجيات، ومن يستفيد أيضًا من هذا التّرتيب، وكم يكلف، وكيف يتمّ تمويله؟

GIJN: ما هي النّصيحة التي تقدّمها للصحفيين الرّاغبين في إنتاج تقارير استقصائيّة وقصص معمّقة، سواء من داخل غزة أو خارجها، لتوثيق جرائم الحرب المحتملة وتداعيات الصّراع في القطاع؟

محمد أبو شحمة: أود أن أقول لهم أن يركّزوا على المواضيع التي تكشف أيّ جرائم حرب محتملة ارتُكبت ضد آلاف المدنيين الأبرياء. ومع ذلك، فإن فضح الأعمال الإجراميّة المحتملة يتطلّب جهدًا استقصائيًا. ونظرًا إلى أنه يكاد يكون من المستحيل على الصّحفيين الأجانب دخول غزّة بسبب الحصار العسكريّ الإسرائيليّ، في حين يجد الصحفيّون المحلّيون صعوبةً بالغة في التنقُّل تحت القصف المدفعيّ والجوّي، فإن المصادر المفتوحة وأدوات التّحقيق الأساسية تُعدُّ موردًا جيدًا.

أنصح الصّحفيين بالتّركيز على القضايا التي لا تزال غامضة بالنسبة للجمهور، مثل تحديد المصادر الأصليّة للأسلحة المستَخدمة في قتل المدنيين ومصير الآلاف من المدنيين المختفين والمعتقلين منذ بداية الحرب. وأخيرًا، أودّ أن أدعو زملائي إلى التحلّي بالصبر ومراعاة الظروف المعقّدة النّاجمة عن الحرب، بالإضافة إلى النّقص الحادّ في الموارد الذي يجعل عمل التّحقيق يستغرق وقتًا أطول من المعتاد.

GIJN: ما هو أصعب موقف مررت به كصحفي استقصائي في هذه الحرب؟

محمد أبو شحمة: كنت في مستشفى الشفاء أتحدّث إلى طفل يدعى “إلياس”، كان يعاني من حروق ناجمة عن صاروخ إسرائيلي. كان الطفل يجد صعوبةً في الكلام لأن جميع أفراد أسرته قد قُتلوا. في وقتٍ لاحق، أبلغني عمُّ الطفل أن “إلياس” توفّي قبل أن أتمكن من نشر تقريري. راجعتُ المقابلة عدّة مرّات، وشاهدتُ الطفل يقول إنه بخير ويعبّر عن أمله في البقاء على قيد الحياة. عندما كتبتُ التّقرير، أعطيت الأولوية لقصّة إلياس وأعطيتها مساحةً كافية لإظهار معاناته.


مجدولين حسن   محرّرة القسم العربي لدى  GIJN، صحفيّة حائزة علي جوائز وتتمتّع بخبرة تمتد لأكثر من ثماني عشر عامًا. عملت مع مؤسسات إعلامية محلية ودولية مثل Global Integrity، و 100Reporters، وشبكة أريج للصّحافة الاستقصائيّة. وكانت مديرة وحدةٍ للصّحافة الاستقصائيّة في الأردن، وكانت أوّل أردنيّة ترفع دعوى على الحكومة الأردنية لحرمانها من حقها في الحصول على المعلومة.

حاصلة على درجة الماجستير في العلوم السياسية والبكالوريوس في الصحافة.

 

إعادة نشر مقالتنا عبر الانترنت أوطباعة تحت رخصة النشاط الابداعي

إعادة نشر هذا المقال


Material from GIJN’s website is generally available for republication under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International license. Images usually are published under a different license, so we advise you to use alternatives or contact us regarding permission. Here are our full terms for republication. You must credit the author, link to the original story, and name GIJN as the first publisher. For any queries or to send us a courtesy republication note, write to hello@gijn.org.

إقرأ التالي

أخبار وتحليلات

الفقد والدمار والإصرار على الاستمرار, كيف غطت مؤسسات صحافية عربية الحرب على غزة

لقد تسببت الحرب على غزة في خسائر فادحة، حيث قُتِلَ أكثرَ من 34000 فلسطيني، وتضررت مساحاتٌ شاسعةٌ من القطاع بسبب القصف، ويعيش السكان حالياً أزمة إنسانية. أصبح نقل الخبر أمراً في غاية الصعوبة بسبب الدمار الهائل، وانقطاع الإنترنت، وانقطاع الكهرباء بشكل شبه كامل.

أخبار وتحليلات نصائح وأدوات

أسئلة ونصائح لتوجيه تحقيقاتِ مواقع الويب

هنالك طرق عديدة لمعرفة هويّة الأفراد أو المنظّمات المخفيّة الكامنة وراء مواقع الويب الإشكاليّة، ابتداءً من الطّرق البسيطة إلى الطّرق بالغة التعقيد. لكن التّحقيقات النّاجحة في المواقع المجهولة التي تروّج للكراهيّة أو الاحتيال أو المعلومات المضلِّلة تبدأ عادةً بنفس الأسئلة.