أحد المقاتلين الأكراد يتفقد قنبلة كيميائية غير منفجرة من الهجوم الذي وقع عام 1988 وأدى إلى مقتل 5000 كردي في حلبجة، العراق في 8 يوليو 1991. الصورة: بإذن من رون هافيف، VII
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: الأسلحة المحظورة والمقيَّدة
إقرأ هذه المقال في
دليل مصادر
دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: مقدّمة
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: الهجمات على المدنيين
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: هياكل القيادة
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: تعقُّب مجرمي الحرب
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: العثور على المفقودين
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب: الأمن المادي والرقمي
ملاحظة من المحرّر: هذا مقتطف من دليلِ المراسل الذي أعدّته الشّبكة العالميّة للصّحافة الاستقصائيّة للتّحقيق في جرائم الحرب. نتقدّم بالشّكر الخاصّ لـ”ديربهلا مينوغ” من شبكة العمل القانونيّ العالمية على نصائحها القيِّمة. وسيصدر الدّليل بالكامل في أيلول المقبل في المؤتمر العالمي للصحافة الاستقصائيّة.
بينما كانت قوّات النظام تدكُّ مدينةَ دوما التي يسيطر عليها الثّوار في سوريا، كانت مقاطعُ الفيديو القادمة من الميدان مروّعةً بطبيعتها. تساقطت النّيران كما المطر من الأعلى بينما أجبرَ القصفُ العنيفُ السكّان المدنيين على الاختباء تحت الأرض وفي الأقبية، حيث اختنق الضحايات في الظلام بفعلِ غازِ الكلور الأصفر والأخضر الذي ألقته المروحيات.
كان الوضع مربكًا، ولكن كان من الضّروري تسجيلُ كلِّ معلومة، مع تدوين نوع السّلاح المستخدم، وكيف استُخدِمَ، من أجل تَبيُّنِ وقوع الجرائم من عدمه، وتبيُّن كيفيّة وقوعها.
الأسلحة مصمّمةٌ بهدف قتل النّاس وتدمير الأشياء. يمكن أن تؤدّي آثارها إلى الوفاة والتّشويه والإصابات التي تبقى مدى الحياة. ليس من المستغرب أحيانًا أن يُعدَّ الاهتمامُ بالأسلحة وكيفيّة عملها شيئًا غريب الأطوار أو مثيرًا للعجب أو حتى متعطشًا للدّماء. ومع ذلك، فإن فهم كيفيّة عمل الأسلحة وكيفيّة تصنيفها جزءٌ بالغ الأهمية منْ فهمِ نوع الضّرر الذي يقع أثناء الصّراع.
أحد الأسئلة الحاسمة التي قد يرغب الصّحفي في الإجابة عليها حول حادثةٍ معيّنة هو هل وقعتْ جريمةٌ أم لا – وللإجابة على هذا السّؤال، أو على الأقلّ فهم القضايا المحيطة بها، من الضروري أيضًا فهم القانون حول كيف ومتى يمكن استخدام الأسلحة، ومتى يتم تقييدها أو حتّى حظرها.
هناك عددٌ كبيرٌ من التّعريفات والقواعد والمبادئ المختلفة التي تنظّم سَير النّزاع المسلّح. هذه القواعد نفسها، وغيرها من الاتفاقيات الأكثر تفصيلاً، تحكم الأسلحة التي يمكن والتي يُمنَع استخدامها، وتحت أيّ ظروف. من النّاحية النّظريّة، فإن استخدام جميع أنواع الأسلحة مقيّد، بموجب مبادئ القانون الدّولي الإنسانيّ المعروف أيضًا باسم قانون النّزاع المسلّح أو قانون الحرب – وكذلك القانون الدّولي العرفيّ.
بعض أنواع الأسلحة، مثل الألغام الأرضيّة أو الذخائر العنقوديّة أو الأسلحة الحارقة مثل النابالم، لها معاهدات معيّنة أو قواعد من القانون الدّولي العرفيّ التي تحكم أو تقيّد استخدامها. وقد تكون الأسلحة محظورةً حظرًا تامًا بموجب هذه المعاهدات، في حين تُقيّدُ طريقة استخدام أسلحة أخرى، بسبب الآثار المتوقعة التي ستُحدثها في ظروف معينة.
هذه المعاهدات ملزِمةٌ فقط للدّول التي صادقت عليها. ومع ذلك، فإن الالتزامات القانونيّة والعديد من المحظورات المتعلّقة باستخدام أسلحة محددة قد “تتبلور” أيضًا في صورة القانون العرفي الدولي بسبب الممارسة المتّسقة وواسعة النطاق من قِبل الدّول وقبولها لهذه الممارسة كقانون، مما يؤدّي إلى تطبيق هذه الالتزامات عالميًا. ولدى لجنة الصليب الأحمر الدولية قاعدة بيانات تحدّد الظروف التي يمكن فيها تطبيق القانون العرفيّ الدّوليّ.
لم يتمّ التّوقيع على أي من المعاهدات التي تحكم استخدام الأسلحة من قِبل جميع حكومات العالم. وإذا لم توافق دولةٌ ما على اتفاقيّة أو معاهدة، فإنها لا تنتهك أيّ اتفاق باستخدام سلاح قد يحكمه ذلك الاتّفاق، باستثناء الحالات التي تكون فيها تلك القواعد قد تبلورت في القانون العرفيّ الدّوليّ ومن ثم يمكن تطبيقها عالميًا على أيّ حال.
فعلى سبيل المثال، لم تصادق روسيا ولا الولايات المتحدة الأمريكية على اتفاقية الذّخائر العنقوديّة، ولا يوجد حظرٌ عرفيٌّ محدّدٌ على استخدام الذّخائر العنقوديّة. وعلى هذا النّحو، فمن القانوني بالنسبة لها تخزين واستخدام الذّخائر العنقوديّة، طالما أنها تلتزم بمبادئ وقيود القانون الدّولي الإنساني والقانون العرفيّ الدّولي.
وبطبيعة الحال، هناك أيضا حجة مفادها أن الذخائر العنقوديّة، بسبب تصميمها وآثارها، قد تنتهك بطبيعتها مبادئ القانون الإنسانيّ الدّولي والقانون العرفي الدّولي، مما يجعلها محظورةً فعليًا في جميع الظّروف تقريبًا بغض النظر عن الاتفاقيات الموقَّعة.
إن التطوّر المستمر والسّريع للأسلحة يعني أنها تظهر دائمًا كمواضيع للنقاش، مثل استخدام الذّكاء الاصطناعي في أنظمة الأسلحة. في بعض الحالات، مثل المركبات الجويّة القتالية بدون طيّار (UCAVs)، قد تُناقَش شرعيّةُ استخدامِ أنظمةِ أسلحةٍ معيّنة، وليس ذلك بالضرورة بسبب التأثير المحدّد لنظام الأسلحة هذا، ولكن بسبب القواعد المتعلّقة بشرعيةِ استخدامِ دولةٍ للقوة داخل أراضي دولةٍ أخرى.
خبير الأسلحة هو المصدر الأهمّ للصحفيين عندما يحاولون تبيُّن الأسلحة وشرعية استخدامها.
كثيرًا ما تربكُ كثرةُ القواعد والمبادئ الأشخاصَ غير المطّلعين على القوانين المختلفة أو استخدام القوّة. حتّى أن الأشخاص الذي يُتوقّع منهم الاطّلاع علىهذه القواعد، سواء كانوا محامين أو جنودا، قد يتخذون قراراتٍ لا تتّفق مع هذه القواعد والمبادئ. وبدلاً من محاولة عمل تلخيص شامل للقوانين المتعلقة باستخدام الأسلحة، سيتناول هذا الفصل بعض المبادئ والاتفاقيات. كما سيتناول موضوع استخدام الفوسفور، والذي يصلح كمثالٍ لتوضيحِ تحديدِ ومشروعيّةِ استخدام الأسلحة الحارقة والكيميائيّة.
مصادر لتبيُّن نوع السلاح
قد يكون تبيُّن نوع الأسلحة صعبًا في بعض الأحيان: فالكثير من الانفجارات تبدو متشابهة جدًا مع بعضها. ومع ذلك، فإن بعض الأسلحة، مثل الذّخائر الحارقة والعنقودية، لها بصمةٌ بصريّةٌ مميزّة. يمكن تبيُّن نوع الكثير من الأسلحة الأخرى من خلال الشظايا التي تخلّفها. لا ينبغي جمع هذه الشظايا، لكن التقاط صورٍ لها، خاصةً الصور التي تظهر فيها أرقام تسلسلية قد توفّر أدلةً على نوع السلاح.
الخبراء
خبير الأسلحة هو المصدر الأهمّ للصحفيين عندما يحاولون تبيُّن الأسلحةِ وشرعيّةِ استخدامها. بعض المؤسسات الإعلامية محظوظة، إذ يتوفّر لديها مثل هؤلاء الخبراء في غرف الأخبار عندهم، ولكن قد تستدعي الحاجة أحيانًا التّواصلَ مع خبيرٍ خارجيٍّ للحصول على المعلومات المطلوبة، خاصّةً إذا تعلّق الأمر بنظامِ أسلحةٍ أكثر سريّة.
فهم السّياق
من غير المحتمل أن يتمكّن معظم الصحفيين من تخصيص الوقت اللازم للتعرُّف على الأسلحة من آثارها أو الشظايا التي تخلّفها، إلا أنّه من المفيد أن يكون لديك فهمٌ لكيفية عمل الأنظمة المختلفة، والبصمة البصريّة لكلٍّ منها. بالنّسبة للأسلحة المميزة مثل الذخائر الحارقة أو العنقوديّة، من الممكن بالتأكيد فهم الشكل الذي قد تبدو عليه، حتى لو تطلّب الأمر خبيرًا ليؤكّد استخدامها.
بعض المواقع مثل CAT-UXO تُعدُّ مصدرًا ممتازًا حول شكل الأسلحة، بينما توفر تقارير مثل إسقاط حلب وإسقاط الغوطة التي أعدّها Atlantic Council معلومات حول ما قد يبدو عليه أثر هذه الأسلحة.
كيف يُخضعُ استخدام الأسلحة للأحكام؟
يخضع استخدام جميع الأسلحة مبدئيًا إلى المبادئ المنصوص عليها في القانون الدّولي الإنساني، ويشمل ذلك مبدأي التّمييز والتناسب، وحظّر التّسبُّب في معاناة لا مبرّر لها أو إصابات مُفْرِطة. كما يجب على الدّول أن تضمن عند دراسة الأسلحة الجديدة أو تطويرها أو شرائها أو اعتمادها أن استخدامها لن ينتهك القانون الدّولي الإنسانيّ. منذ عام 2014، تنظّم معاهدة تجارة الأسلحة، التي صادقت عليها 113 دولة، نقلَ الأسلحة من قبل هذه الدول، بما في ذلك بيعها وتصديرها.
يمكن أن تعتمد شرعيّة السّلاح على كيفيّة استخدامه. على سبيل المثال، تّعدُّ قنبلة جي بي يو 43\بي (MOAB) أحد أقوى الأسلحة التّقليديّة على الإطلاق ومدى انفجارها كبير للغاية. إذا استُخدِمت ضدّ منطقةِ تجمُّع مجموعةٍ قتاليّة وسطَ الصّحراء خلال حرب تقليدية، فيمكن القول إنه استخدام قانونيّ للسّلاح.
ومع ذلك، إذا تمّ استخدام MOAB وسط مدينة يسكنها مدنيّون لقتلِ رجلٍ مسلّح ببندقيّة قديمة، فمن شبه المؤكد أنها ستنتهك التزامات معيّنة بموجب القانون الدولي الإنساني، مثل مبدأ التّناسب. وعلى هذا النحو، فإن استخدام جميع الأسلحة مقيّدُ بطبيعته إلى حدٍّ ما بهذه المبادئ.
معاهدات محدّدة
قائمة المعاهدات المُدرجة أدناه ليست شاملة، إلا أنها تتضمّن أبرز الأمثلة على هذه الاتفاقيات.
– اتفاقية أوتاوا، المعروفة أيضًا باسم اتّفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام.
تحظر هذه المعاهدة استخدام وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد، وتتضمن التزامًا بإزالة حقول الألغام المضادة للأفراد من أراضي الدول الأعضاء، بغض النظر عن منْ زرعها. وقّعت عليها 133 دولة (مما يشير إلى الدّعم السياسي) وأطرافها 164 دولة (دول ملزمة قانونًا بالمعاهدة).
وتعرّفُ الاتّفاقيّة الألغام المضادة للأفراد بأنّها “لغمٌ مُصمّمٌ للانفجار بفعلِ وجودِ شخصٍ عنده أو قريباً منه أو مسّه له، ويؤدّي إلى شلّ قدراتِ أو جرحِ أو قتلِ شخصٍ أو أكثر”. وهو لا يحكم استخدام الألغام المضادة للمركبات.
ونظرًا لاستمرارِ استخدام الألغام، لا يمكن القول في هذه المرحلة إن استخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد محظورٌ بموجب القانون العرفي الدّولي.
– الاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة CCW
تحكم هذه المعاهدة استخدام أنواع معيّنة من الأسلحة التّقليدية، مثل الألغام الأرضيّة والشّراك الخداعية والأسلحة الحارقة وأشعة الليزر المسببة للعمى. لاحظ أن هذه الاتفاقيّة لا تحظر استخدام معظم هذه الأسلحة، بل تقيّد استخدامها. وقعت عليها أربع دول ولها 126 طرفًا.
بموجب القانون العرفي الدّولي، هناك قيود على استخدام الألغام الأرضيّة، والشراك الخداعيّة، والأسلحة الحارقة، وأشعة الليزر المسببة للعمى.
– اتفاقيّة الذّخائر العنقوديّة
تحظر هذه الاتفاقيّة استخدام الذخائر العنقودية ونقلها وإنتاجها وتخزينها. وبلغ عدد الدول الموقعة عليها 108 دول والدول الأطراف فيها 110 دول.
تعرّف هذه المعاهدة الذخائر العنقودية بأنها “سلاح يتكوّن من حاوية أو موزِّع تنتشر منه العديد من الذخائر الصغيرة أو القنيبلات على مساحات واسعة”. وتجدر الإشارة إلى وجود تعاريف دقيقة أخرى في الاتّفاقية.
وعلى الرغم من عدم وجود قيود محددة من القانون العرفي الدولي على استخدام الذخائر العنقودية، يمكن القول إنها تُعرَّف على أنها “سلاح عشوائي بطبيعته”، وبالتّالي فهو محظور.
تحكم هذه الاتّفاقية الكائنات المسبّبة للأمراض أو السموم التي تستخدم لإيذاء أو قتل البشر أو الحيوانات أو النباتات. وتحظر الاتفاقيّة فعليًا استحداث الأسلحة البيولوجية والسمّيّة وإنتاجها وحيازتها ونقلها وتخزينها واستخدامها. عدد الدول الأطراف 185 دولة ووقعت عليها أربع دول.
تعرّف منظّمة الصّحة العالميّة التابعة للأمم المتّحدة الأسلحةَ البيولوجيةَ والسمّيّة بأنها: “إما الكائنات الحيّة الدقيقة مثل الفيروسات أو البكتيريا أو الفطريات، أو المواد السامة التي تنتجها الكائنات الحيّة التي يتم إنتاجها وإطلاقها عمدًا لتسبب مرضَ وموتَ البشرِ أو الحيوانات أو النباتات”.
وبموجب القانون العرفيّ الدولي، يحظر استخدام الأسلحة البيولوجيّة.
تحظر هذه الاتّفاقيّة تطوير الأسلحة الكيميائيّة أو إنتاجها أو حيازتها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها أو نقلها أو استخدامها من قبل الدول الأطراف. وبلغ عدد الدول الموقعة عليها 165 دولة والدول الأطراف فيها 193 دولة. أربع دول فقط في الأمم المتّحدة ليست أطرافًا: مصر وإسرائيل وكوريا الشماليّة وجنوب السودان.
تعرّف هذه المعاهدة الأسلحة الكيميائية بأنها: “المواد الكيميائية السامة وسلائفها… الذخائر والنّبائط، المصممة خصيصًا للتسبب في الوفاة أو غيرها من الأضرار من خلال الخصائص السامة لتلك المواد الكيميائية السامة… وأي معدّات مصمّمة خصيصًا للاستخدام المباشر فيما يتصل باستخدام الذّخائر والنّبائط”.
وبموجب القانون العرفيّ الدولي، استخدام الأسلحة الكيميائية محظور. قد تكون بعض العوامل الكيميائية قانونية في بعض الظروف، مثل الغاز المسيل للدّموع لأغراض مكافحة الشّغب مثلاً، ولكن لا يجوز استخدامها كوسيلة من وسائل الحرب.
أسلحة خلافيّة
الفوسفور الأبيض
ولتوضيح كيفيّة تطبيق هذه الاتفاقيات، يتضمّن هذا الفصل دراسة حالة عن استخدام الفوسفور الأبيض، الذي يمكن استخدامه في الحروب والنزاعات ضمن سياقات مختلفة.
الفوسفور الأبيض مادة كيميائية تشتعل تلقائيًا عندما تتفاعل مع الأكسجين، مما ينتج عنه لهبٌ شديد السّخونة وكميّة كبيرة من الدّخان الأبيض الكثيف. عندما يتلامس مع اللحم فإنه يتسبب بحروق شديدة للغاية ويصعب إزالة الفوسفور أو إطفاؤه.
يمكن أن يُظهر الإبلاغ عن استخدام الفوسفور في بعض الأحيان فهمًا ضعيفًا لكيفيّة تقييد أو حظر أسلحة معيّنة والسبب وراء ذلك. يمكن استخدام عنصر الفوسفور في أشكال مختلفة (الأحمر والأبيض والأسود) في مقذوفات منتجة للدّخان أو مضيئة غير مقيّدة على وجه التّحديد؛ كسلاحٍ حارق تحكمه اتفاقيّة حظر أسلحة تقليدية معينة، أو في سياقات محددة للغاية، كسلاح كيميائي تحكمه اتفاقيّة الأسلحة الكيميائيّة. على هذا النحو، لذلك فإن فحصَ نوعِ الفوسفور الذي يمكن استخدامه والمكان الذي يُستخدم فيه يُعدُّ دراسةَ حالةٍ مفيدة.
ومن الصعب للغاية تحديد ما إذا كان الفوسفور الأبيض يُستخدم كسلاح كيميائي.
والسّبب الأكثر شيوعًا لاستخدام الفوسفور الأبيض – وهو إلى حد بعيد أكثر أنواع الفوسفور شيوعًا في الذّخائر العسكريّة – هو عمل ستار دخاني. الدخان الذي ينتجه كثيفٌ للغاية ويوفّر الحماية على مستوى البصر والأشعة تحت الحمراء، مما يعني أن البصريّات الحرارية لا يمكنها أن ترى خلاله. يمكن أيضًا استخدام الفوسفور الأبيض بسبب لهبه الساطع لإضاءة منطقة معيّنة.
وفي كلتا الحالتين، إذا اتبعت جميع مبادئ القانون الإنساني الدولي والقانون العرفي الدولي، وكان القصد من ذلك هو حجب الرؤية أو الإضاءة، فإن استخدام الفوسفور الأبيض قانوني تمامًا.
مصدر القلق الرّئيسي هو استخدام الفوسفور الأبيض كسلاح حارق. تعرّف اتّفاقية الأسلحة التقليديّة السّلاح الحارق بأنه “أي سلاح أو ذخيرة مصممة أساسًا للإحراق أو التسبُّب في إصابة الأشخاص بحروق باستخدام اللهب أو الحرارة أو مزيج منهما، ناتج عن تفاعل كيميائي لمادة تم إطلاقها على الهدف”.
وإذا كان المستخدم إحدى الدول الأعضاء في الاتفاقيّة المتعلقة بأسلحة تقليديّة معيّنة، فإن استخدام الفوسفور الأبيض يخضع لتلك الاتّفاقية. بموجب الاتّفاقية يُحظر استخدام الأسلحة الحارقة لـ:
– استهداف المدنيين أو الأعيان المدنيّة بالهجوم
– استهداف هدف عسكري داخل تجمّع للمدنيين بالأسلحة الحارقة الملقاة جوًا
– استهداف أي هدف عسكري يقع داخل تجمّع للمدنيين بأسلحة حارقة غير الأسلحة الحارقة الملقاة جوًا، باستثناء:
– عندما يكون الهدف العسكري منفصلاً بوضوح عن مكان تركُّز المدنيين
– عندما تتخذ جميع الاحتياطات الممكنة بهدف ألا تلحق الآثار الحارقة إلا بالهدف العسكري
– عندما يتجنب الهجوم أو يقلّل من الخسائر العرضيّة في أرواح المدنيين وإصابتهم والأضرار التي تلحق بالأعيان المدنية
– استهداف الغطاء الحرجي أو النباتي، إلا إذا استخدم لتغطية المقاتلين أو الأهداف العسكريّة الأخرى أو إخفائها أو تمويهها، أو إذا كانت هي نفسها أهدافا عسكريّة.
تنص القاعدة 84 من القانون العرفي الدولي على ما يلي: ” إذا استخدمت الأسلحة المحرقة، وجب إيلاء عناية خاصة لتجنب الخسائر العارضة في أرواح المدنيين أو إيقاع إصابات بينهم أو الإضرار بالأعيان المدنيّة، والتّقليل من هذه الخسائر والأضرار في كل الأحوال”.
وعلى هذا النحو، فإن استخدام الفوسفور الأبيض كسلاح حارق مسموح به في الواقع بموجب اتفاقيّة الأسلحة التّقليدية والقانون الدولي العرفي في عدد محدود للغاية من الظروف. واقع الحرب هو أن معظم المعارك الكبيرة تحدث في المراكز السّكانية وفي محيطها وتعني أنه من غير المحتمل، ولكن ليس من المستحيل، أن يكون الهجوم الحارق مبررًا بموجب اتفاقيّة الأسلحة التقليدية والقانون الدّولي الإنساني والقانون الدولي العرفي.
رغم الوضوح النسبي في التّعريفات المذكورة أعلاه إلا أن هنالك حالات قد تكون فيها شرعيّة استخدام السلاح غير واضحة. على سبيل المثال، في 2017، أظهرت لقطات فيديو ذخائرَ فوسفور أبيض يطلقها التّحالف بقيادة الولايات المتحدة على منطقة حضريّة في الموصل. على الرغم من أن هذا يبدو أنه ينتهك مبدأ التّمييز في القانون الدولي الإنساني وكذلك اتّفاقية الأسلحة التّقليدية، إلا أن بيانًا صادرًا عن التّحالف زعم أن هذه الذخائر كانت تُستخدم لعمل ستارٍ من الدخان لإخفاء المدنيين الذين هاجمتهم داعش أثناء محاولتهم الفرار. كما أشارت هيومن رايتس ووتش أن المقذوفات في هذه الحادثة “انفجرت بالقرب من الأرض فيما يبدو أنه محاولة لتقليل الآثار”.
وفي هذه الحالة، من الصعب معرفة السّياق الذي استُخدم فيه الفوسفور الأبيض دون معرفةٍ مباشرةٍ بجميع حيثيات الموقف ودون معرفة الأثر الذي كان القائد ينوي إلحاقه بالهدف. هذه العناصر ضرورية لمعرفة ما إذا كان استخدام السلاح يُصنّف على أنه جريمة حرب أو انتهاك آخر للقوانين المعمول بها. وإذا أخذنا الأمور بظاهرها، فهذا قد يعدُّ ببساطة انتهاكًا لمبادئ القانون الدّولي الإنساني مثل التّناسب والتّمييز، فضلاً عن اتفاقية الأسلحة التّقليدية نفسها. ولكن إن صحَّ ما جاء في بيان التّحالف فقد يُقال إن استخدام الفوسفور الأبيض لعمل ستار من الدخان في هذه الحالة قد يكون مبررًا بموجب اتّفاقات مختلفة نظرًا للظروف.
كما يمكن استخدام الفوسفور الأبيض، من الناحية النّظرية، كسلاح كيميائي. تعريف السلاح الكيميائي وفقًا لاتّفاقية الأسلحة الكيميائيّة هو “مادة كيميائية تستخدم للتسبب في الموت أو الأذى المتعمد من خلال خصائصها السّامّة”.
الفوسفور مادة كيميائية شنيعة بحد ذاتها، ولكن حتى عندما يستخدم الفوسفور كسلاح حارق فإنه ليس بالضرورة سلاحًا كيميائيًا. وحتى يتطبق عليه تعريفُ اتّفاقيةِ الأسلحة الكيميائيّة فيجب نشره بنيّةِ استخدامِ خصائصه السّامّة.
وبالتالي من الصعب معرفة إن كان الفوسفور الأبيض يستخدم كسلاح كيميائي. أولاً، يتطلّب الأمر معرفةَ نيةِ القائد. ثانيًا، للفوسفور استخدامات متعدّدة في ساحة المعركة، حيث يمكن استخدامه للدّخان أو الإضاءة أو لصفاته الحارقة. وهذا يختلف عن عوامل مثل السارين أو حتى الكلور، التي ليس لها سوى استخدام واحد ممكن في ساحة المعركة: استخدامه كسلاح كيميائي. وعلى هذا النّحو، من الأصعب تصنيف آثار الفوسفور الأبيض وتحديد ما إذا كان يستخدم لخصائصه السّامّة.
ومن الأمثلة الواضحة على الحالات التي يمكن أن تحكم فيها اتّفاقيةُ الأسلحة الكيميائيّة استخدامَ الفوسفور الأبيض إذا تم تسريب أوامر مكتوبة تُظهر أن أحد القادة أمرَ رجاله بتوجيه الدّخان الناتج عن حرق الفوسفور الأبيض إلى نظام أنفاق من أجل قتل أو طرد مقاتلي العدو. من الواضح في هذه الحالة أن لم يُستخدم للإضاءة أو الحجب أو كمادة حارقة. إنّه يُستخدم لخصائصه السامة فقط، والتي قد أن تؤدّي إلى شلّ القدرات والقتل.
المُسيّرات القتاليّة بدون طيّار (UCAV)
تخضع الطائرات بدون طيار، أو المسيّرات المسلحة، لنفس القواعد التي تخضع لها كلّ الأسلحة الأخرى. لا يوجد اتفاق دوليٌّ محدّدٌ حاليًا يحكم استخدام المسيّرات على هذا النّحو، ولا يميز القانون بين المنصّات المأهولة وغير المأهولة. إن الغارة الجوية التي تقتل 10 مدنيين في حفل زفاف شنّته طائرة مأهولة من طراز F-16، لا تختلف من الناحية القانونية عن غارة جوية تقتل 10 مدنيين في حفل زفاف شنته طائرة بدون طيار من طراز بريداتور. من غير المرجّح أن يشكّلَ وجودُ الطّيار على بعد آلاف الأميال فارقًا جوهريًا في القانون، على الرغم من إمكانيّة وجود اعتبارات تتعلق بالإجراءات يمكن اتّخاذها لحماية الطيار.
تجنّبت بعض الدّول، مثل إيران، المناقشات المتعلّقة بشرعية استخدام المسيّرات المسلحة. مكتفين بالإحجام عن الاعتراف بأنهم شنّوا مثل هذه الهجمات.
لا يتعلّق الجدل القانوني الأساسي حول استخدام المسيّرات بقواعد القانون الدولي الإنساني أو تأثيره الفعلي على الهدف، بل بمكان وكيفية استخدام المسيّرات، وفقًا للقوانين الدّولية الأخرى التي تنظّم استخدام القوة بين الدول. يحظر ميثاق الأمم المتحدة “التهديد بالقوة أو استخدامها ضد وحدة أراضي” دولة أخرى. وقد يشمل ذلك هجمات المسيّرات، التي يمكن أن يشكَّل استخدامها من قبل دولةٍ على أراضي دولةٍ أخرى انتهاكًا ظاهريًا للميثاق.
هناك العديد من الأمثلة على قيام الولايات المتحدة بشن مثل هذه الهجمات بالمسيّرات في باكستان واليمن، وهي حملات أسفرتْ أيضًا عن أعداد كبيرة من الضّحايا المدنيين. برّرت الولايات المتحدة هذه الضربات بأن الأماكن المستهدفة بهجمات المسيّرات تمثّل “تهديدًا وشيكًا” وعندما توافق الدّولة التي يقع فيها الهدف على استخدام القوّة، أو تكون الدولة “غير راغبة وغير قادرة” على اتّخاذ الإجراءات المناسبة للتصدّي للتهديد بنفسها. غالبًا ما يكون تقييم الولايات المتحدة لشيءٍ على أنّه “تهديد وشيك” تقييمًا مبهمًا، خاصّةً وأن الكثير من المعلومات المتعلّقة بهذه الهجمات ما تزال سرية.
، على أراضي دول أخرى بمجرد رفضها الاعتراف بأنها نفذت مثل هذه الهجمات.
تجنّبت بعض الدّول، مثل إيران، المناقشات المتعلّقة بشرعية استخدام المسيّرات المسلحة أو المسيّرات المعدَّلة لتصبح ذخائر متسكعة مكتفين بالإحجام عن الاعتراف بأنهم شنّوا مثل هذه الهجمات.
ولكن يرى البعض في حالة المسيّرات أن القانون قد تخلّف عمّا هو ممكن من النّاحية التكنولوجية، بينما يشير آخرون إلى أن ما هو مطلوب هو الوضوح بشأن كيفيّة تطبيق القوانين الحاليّة على مثل هذه الحالات. ورغم المخاوف القانونية الكبيرة الجليّة حيال استخدام المسيّرات بسبب قدراتها الفريدة إلا أنّه ما من اتّفاقٍ دوليٍّ محدّد يقيّدُ أو يحظرُ استخدامها.
دراسات الحالة
حملة القصف الإسرائيليّة بالفوسفور الأبيض في غزة
تم تكليف Forensic Architecture (FA) ، وهي مجموعة استقصائيّة مقرّها في لندن تقدّم نهجًا علميًا لقضايا المجتمع المدني، في عام 2012 بفحص استخدام الجيش الإسرائيليّ لذخائر الفوسفور الأبيض خلال نزاع 2008-2009 في الأراضي الفلسطينيّة في غزة. وباستخدام النمذجة ثلاثية الأبعاد وتحليل الفيديو، وجدت FA أن سلاح الجو الإسرائيلي أطلق مرارًا قذائف الفوسفور الأبيض على سكّان المدن، وآذوا وروّعوا المدنيين الذين هجروا أحياء بأكملها. بعد أن نقضت أدلّة الفيديو النّفي الأوّلي، اعترفت إسرائيل باستخدام الذخيرة، لكنها زعمت أن الغرض الوحيد منها هو استخدام الدّخان لحجب الرؤية. وفي نهاية المطاف، قدّمت مجموعة FA تقريرها إلى كلٍّ من اتفاقيةِ الأمم المتّحدة للأسلحة التّقليدية وإلى المحكمة العليا الإسرائيليّة. استمرّ الجيش الإسرائيلي في الاعتراض على النّتائج، إلا أنّه أعلن سنة 2013 أنه لن يعود لاستخدام الفوسفور الأبيض في المناطق الحضريّة أو المأهولة بالسّكان.
الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين في غارات المُسيّرات الأمريكية
سنة2021 نشرتْ صحيفة نيويورك تايمز سلسلة متعمّقة حول الفشل الذريع في منع وقوع إصابات بين المدنيين في استخدام الجيش الأمريكي لهجمات الطائرات المُسيّرة. كشفت صحيفة التايمز عن سجلات خفيّة لوزارة الدّفاع الأمريكية توثّق الغارات الجويّة وآثارها في الشرق الأوسط تعود إلى عام 2014. كشفتْ هذه المواد الأرشيفيّة عن تقييمات الجيش الخاصة لما يقرب من 1300 مدني قتيل أو جريح في العراق وأفغانستان وسوريا، رغم زعم البنتاغون العلنيّ أن هجمات المسيّرات الدقيقة لم تسفر عن أيّ إصاباتٍ مدنيّة معروفة تقريبًا. كشف تقرير التايمز، الذي حصل على جائزة بوليتزر للتقارير الدولية لعام 2022، عن ثقافة داخلية تستهتر في تبيُّن ما يسمّى بالأهداف الإرهابيّة، وثقافة إفلات من العقاب متفشّية بين أفراد الجيش الذين ارتكبوا أخطاء موثّقة أدّت إلى قتل رجال ونساء وأطفال أبرياء.
نيك نيك ووترز هو ضابط سابق في الجيش البريطاني ومحلل مفتوح المصدر. وهو رئيس قسم العدالة والمساءلة في شركة Bellingcat ولديه اهتمام خاص بالصراعات في سوريا ، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني والاستخبارات والأمن.
رون هافيف، مؤسسة VII رون هافيف هو مدير ومؤسس مشارك لمؤسسة The VII ومؤسس مشارك لـ VII Photo Agency. في العقود الثلاثة الماضية ، غطت Haviv أكثر من خمسة وعشرين صراعًا وعملت في أكثر من مائة دولة. تم عرض أعماله ، الحائزة على العديد من الجوائز ، في المتاحف وصالات العرض في جميع أنحاء العالم.