إعداد إمكانية الوصول

خيارات الألوان

لون أحادي لون باهت مظلم

أدوات القراءة

عزل حاكم

القصص

كيف فعلوها: الصحفيون الروس الذين كشفوا “مصنع الكتائب الإلكترونية” في سان بطرسبرج

السبب في معرفتنا  الكثير عن عمليات المعلومات الروسية التي استهدفت الولايات المتحدة في الفترة من ۲۰۱٤ إلى ۲۰۱۷ هو أن بعض الصحفيين الروس جيدون جداً في  عملهم.

وكشفت لائحة الادعاء التي قدمها المدعي العام الأمريكي “روبرت مولر” بشأن اتهام ١٣ مواطنا روسيا  “بإجراء علمية تدخل تستهدف الولايات المتحدة” عن  ثروة من التفاصيل حول أعمال ما يسمى “بوكالة أبحاث الإنترنت” في سان بطرسبرج، والتي يقال ان المتهمين يعملون بها.

ومع ذلك ، فإن العديد من تلك التفاصيل كانت معروفة بالفعل، وذلك بفضل عمل الصحفيين الإستقصائيين الروس. كان الصحافيون الروس قد كشفوا في البداية عن “مصنع الكتائب الإلكترونية” (الإسم  الروسي المستعار) في عام ۲۰۱٣، وكشفوا أيضاً هويات حساباته الأكثر فعالية. في حين أننا نعرف في الغالب عن  أنشطة “مصنع الكتائب الإلكترونية” المُتعلقة بالإنتخابات الأمريكية لعام ۲۰۱٦،  فقد كشف عدد من الصحفيين الروس أن هذه الأنشطة  تُركز في الغالب على التأثير على الرأي العام المحلي، لا سيما مع أنشطته المبكرة.

إنهم الصحافيون الروس أيضاً هم من  قدموا الرؤى الأعمق في أعمال وكالات دعاية الكرملين “آر تي” و”سبوتنيك”، داحضين بها مزاعم تلك الوكالات بأن عملها لا يتعدى المهام الصحافية الاعتيادية.

يتناول هذا المقال العمل الفائق الذي قام به الصحفيون الروس المستقلون الذين قدموا الكثير من التفاصيل حول عمليات التجسس وجمع المعلومات الروسية.

حيث يعيش الترولز المتصيدون

ووفقًا للإتهامات التي قدمها المدعي العام مويلر، تم تسجيل وكالة أبحاث الإنترنت ككيان  روسي مُشترك في يوليو ۲۰۱٣ أو ما يقارب هذا التاريخ.

كان من الممكن أن يكون التاريخ الذي  حدده مويلر أكثر دقة. في ۹سبتمبر ۲۰۱٣، الصحيفة الروسية المستقلة نوﭭايا جازيتا (Новая газета) قد نشرت تحقيقاً صحفياً بعنوان ” أين تعيش الكتائب الإلكترونية، كيف يعمل مُحرضو الإنترنت في سان بطرسبرج ومن يدفع لهم”

ووفقاً لمقالة نوﭭايا، تم تسجيل وكالة أبحاث الإنترنت في سجل الدولة الروسي الموُحد للكيانات القانونية في  ٢٦ يوليو ۲۰۱٣م.

وكان مقال نوﭭايا جازيتا، الذي كتبته مراسلة سان بطرسبرج، ألكسندرا غارمازابوﭭا، واحدًا من ثلاث مقالات كشفت “مصنع الكتائب الإلكترونية”  للعالم في أغسطس – سبتمبر ۲۰۱٣. كانت الأولى عبارة عن منشور على الشبكة الاجتماعية VK من قبل امرأة تدعى ناتاليا لاﭭوﭭا. تشرح فيهه ردها على إعلان لتعمل ” عاملة على الإنترنت” وإنها إنضمت لفريق كانت وظيفته نشر منشورات سياسية عبر الإنترنت.

عامل الإنترنت : المصدر وكالة (VK)  ناتاليا لاﭭوﭭا

ووفقاً للكاتبة لاﭭوﭭا، كان على كل عضو من الفريق كتابة ۱۰۰ تعليق يومياً على الإنترنت يُركز علي السياسة الروسية:

” عندما سألت عن تقنيات المهمة “ما الذي يجب علي كتابته في التعليقات بالضبط” شرح لي المُنسق بإيجاز وبوضوح علي سبيل المثال،  أن لديهم الآن وقت مزدحم، وأنهم بالأمس قد كتبوا جميعًا داعمين (سيرݘي سوبيانين) (الذي كان حينذاك مرشحًا لإعادة انتخابه رئيساً لبلدية موسكو)، و”نحن اليوم ننتقد (قائد مكافحة الفساد ومرشح رئاسة البلدية أليكسي نافالني). وأراني مجموعة من التعليقات المكتوبة من قبل موظفيه تحت إحدى المقالات…””

وعلى ما يبدو أن إثنين من الصحفيين تقدموا كمتقدمين للوظيفة مُسترشدين بما كتبته لاﭭوﭭا ودخلوا وكالة أبحاث الإنترنت: مراسلة نوﭭايا جازيتا غارمازابوﭭا وأندريه شوشنيكوﭪ ، ومن جريدة سان بطرسبرج المحلية مويه رايون الذي يعمل الآن مع خدمات بي بي سي الروسية.

ووصف الصحفيان المنظمة التي قامت بتصوير جوازات سفر مُقدمي الطلبات على أنها أمر طبيعي، ولكن لم تتخذ أي خطوات للتحقق من هوياتهم؛ منظمة مقسمة بالفعل إلى فرق مخصصة لمختلف أشكال النشاط عبر الإنترنت، كما كتبت غارمازابوﭭا

” مبنى ضخم، كبياض الثلج “. حارس، سكرتير ومكاتب مع شواخص للدلالة، إدارة المدونين والمعلقين، إدارة الرد السريع، قسم تحسين مُحركات البحث، الصحفيين، قسم الإبداع، قسم المعلقين، قسم المدونين، قسم المتخصصين في الإعلام الإجتماعي. في الطابق الثالث، مكتب الإدارة وقاعة الإجتماعات”.

كان متوقعاً من المتقدمين كتابة اختبار قصير لإثبات قدراتهم، كما وصف شوشينكوﭪ:

” المهمة الأولى: إكتب عن قانون التعليم ولا تنسى كتابة كلمات دلالية عن المعارض ناﭭالني !

تسائلت “ما علاقة ناﭭالني بهذا؟”

“” أه، ليس ناﭭالني، كما ترى، كان لدينا “موقف” مؤخرًا، وبشكل عام، لا نعطي مهام اختبار مماثلة لما يحدث في العمل. اكتب ما تريد. اكتب لمدة ثلاثة أيام عن القانون، حسنًاً أو سيئًاً. ”

أُعطيت الكتائب الإلكترونية مقاييس محددة، نشر حوالي ۱۰۰ بوست في اليوم الواحد، ومواضيع مُحددة للكتابة عنها تتضمن قمة مجموعة العشرين المُنعقدة  في سان بطرسبرج في ٥ – ٦ سبتمبر ۲۰۱٣. إقتبست غارمازابوﭭا أقوال المُدير الذي قابلها أليكسي ساسكوﭭيتش:

” يجب علينا زيادة عدد الزيارات للموقع. يمكنك فعل ذلك بواسطة الروبوتات، ولكنها تعمل ألياً، وفي بعض الأحيان بعض الأنظمة مثل ( مُحرك البحث الروسي) تقوم بحظرهم. لهذا تقرر عمل ذلك عن طريق البشر. أكتبي تعليقات من تلقاء نفسك وفقًاً للإتجاه الذي نشير إليه. على سبيل المثال، في مجموعة العشرين، يمكنك أن تكتبي أنه شرف عظيم لروسيا، ولكن من غير المريح أن تُقام في بلدنا”

أوضح تقرير غارمازابوﭭا أن الإنتاج الأولي لمصنع الكتائب الإلكترونية كان بالروسية وركز على السياسة الروسية. حتى في هذه المرحلة المُبكرة هاجم مُحتواه أمريكا:

“علي أجهزة الحاسب كانت هناك لقطات مُصورة لعمل أسلافنا، تُهاجم أمريكا وناﭭالني. مثل ” في الولايات المُتحدة هناك ظلام  (بسبب ناطحات السحاب)، الناس يتصفون بالأنانية والجشع، والأفلام بلا روح، في حين أن السينما الروسية ترتفع من كبوتها. مئات التعليقات، تتكون من الكليشيهات الصرفة والقوالب النمطية”.

كما خلدت  لقطات الشاشة هجمات الكتائب الإلكترونية على النسخة الروسية من مجلة فوربس في مايو ۲۰۱٣، مما يشير إلى أن أنشطة الكتائب الإلكترونية كانت قد بدأت قبل تسجيل وكالة أبحاث الإنترنت.

قدم شوشنيكوﭪ روابط لبعض منشورات جريدة الحياة (لايف جورنال) التي نشرها المُتصيدون، مثل المنشور أدناه، واصفاً ناﭭالني “هتلر زماننا”، عندما كان يُرشح نفسه لرئاسة موسكو.

هتلر زماننا: منشور مصنع الكتائب الإلكترونية المنشور بواسطة شوشينكوﭪ (المصدر: لايف جورنال/ أليكسمونك)

 

 

 

 

حتى في هذه المرحلة، يبدو أن “مصنع  الكتائب الإلكترونية” كافح للعثور على عُمال متفانين ممن أخذوا المهمة على محمل الجد. وصف شوشنيكوﭪ محادثة مع زميل مُتقدم للوظيفة :

يقول أحدهم: “يمكنك أن تُصاب بالجنون”. “أخبرونا أنه علينا أن نكتب أربع نشرات لـ (لايف جورنال) يومياً، وأن نكتب عن أشكال التمييز في المدينة والتعليقات في وسائل الإعلام. لا أحد  من المسؤليين بالأعلى يقرأ منشوراتنا، أنا فقط أنسخ نصوصاً من ويكيبيديا. ”

كما أن الشبهات كانت منتشرة بالفعل – ويبدو أنها مستوحاة من  منشور لاﭭوﭭا بعد وقت قصير من مغادرة شوشنيكوف للمبنى، اتصل به سوسكوﭭيتس.

“أنت لست عضوا في المعارضة، أليس كذلك ؟”

” لا”

” حسناً، أنا فقط أهتم بمعرفة خلفية  الناس ”

هذه التقارير المبكرة رائعة في توقيتها وجرأتها. كشفها صحفيون استقصائيون روسيون،  مُستمدين إلهامهم من أحد منشورات VK، عن العناصر الرئيسية لمصنع الكتائب الإلكترونية ، وحسابات وسائل التواصل الاجتماعية المزيفة، ومنشورات  المدونات والتعليقات والهجمات على ناقدي الكرملين – في غضون أسابيع من إنشاء وكالة أبحاث الإنترنت. نشروا ذلك بأسمائهم وفي صُحفهم. كانت هذه صحافة من الطراز الأول.

المُتسلل

في عام ۲۰۱٤م، انتقل “مصنع الكتائب الإلكترونية ” من “أوليجانو” إلى موقع جديد، مبنى مكون من أربعة طوابق في 55 شارع شوﭭاشكينا في شمال سان بطرسبرج. وبحلول هذا الوقت، ازداد حجم العملية بشكل كبير، وكان مئات الموظفين يعملون على مدار الساعة لنشر منشورات بالروسية والإنجليزية.

في فبراير ۲۰۱٥م، تم كشف الغطاء عن الوكالة: نشر شوشينكوﭫ، الذي كان لا يزال مع مويه رايون، مقطعًا جديدًا من مخبرين مجهولي الهوية يحمل صورًا ومقاطع فيديو ونسخًا من “مهام تقنية ” تم إسنادها إلى المتصيدون.

.

على الكاميرا : ڤيديو للكتائب الإلكترونية في العمل ( المصدر: أندريه شوشينكوڤ/ مويه رايون )

وقالت المقالة أن أغلب المهام كانت تهتم بالسياسة الروسية.  كما هاجم “مصنع الكتائب الإلكترونية” السياسات الأمريكية بقوة طوال الفترة من  ۲۰۱٥ وحتى ۲۰۱۷م  . ننتقي منها أربع :

“مشكلة الانتشار الواسع للأسلحة وما يقابلها من عمليات إطلاق نار جماعية وجرائم وحوادث …”

” تجاوز رجال الشرطة الأمريكية لسلطتهم بطريقة أصبحت شائعة. إذا كان المشتبه به، قبل عشرين عاماً، قد اعتمد على تحقيق أولي وحصانة، إلا أنه الآن أصبح الإحتجاز والضرب وحتى القتل عملاً روتينياً …”

“برنامج أوباما للرعاية، الذي أثار مشاكل كبيرة وسخطًا بين المواطنين الأمريكيين …”

“مشكلة وكالة الأمن القومي والمراقبة الشاملة للمواطنين الأمريكيين من قبل أجهزة الاستخبارات”.

ذكرت المقالة أن “مصنع الكتائب الإلكترونية ” قد سحب كل تعليقاته بعد مقتل زعيم المعارضة الروسية بوريس نيمتسوف في ۲۷ فبراير ۲۰۱٥م.

“عندما تم قتل نيمتسوف، تغير عمل الآليين في الكرملين: توقفوا عن التركيزعلى أوكرانيا (وهذا هو عملهم اليومي الروتيني) وتم نقلهم إلى جريمة القتل … قالوا الشيء نفسه بكلمات مختلفة: القتل هو استفزاز، ليس الكرملين علاقة بالأمر، فقد قتلت المعارضة رجلها الخاص لجذب المزيد من الناس إلى المسيرة”.

كما تتبعت القصة ملكية شركة كونكورد القابضة لوكالة أبحاث الإنترنت، وهي ملك الملياردير الروسي يوﭬﭽيني بريجوزين، الذي حقق ثروته من خلال عقود حكومية مربحة، ويتصدر اسمه قائمة ميولر للمتهمين.

تم تحديد مصدر هذه التسريبات فقط باسم “أليكسي”. بعد شهرين، تم الكشف عن المخبر: الناشطة والباحثة ليودميلا سافتشوك، التي قضت شهرين مُتخفية في “مصنع الكتائب الإلكترونية ” في أواخر عام ۲۰۱٤م.  في أبريل ۲۰۱٥م، كشفت قصتها، واصفة ظروف العمل في فرع مصنع اللغة الروسية.

.

المُخبر: واحدة من مُقابلات ليودميلا سافتشوك (المصدر: يوتيوب/AFP

“كان علينا أن نكتب تعليقات إيجابية للغاية عن الحكومة. تلقينا معلومات وقِيل لنا كيف يجب علينا استخدامها – على سبيل المثال، أن الحياة جميلة بل أكثر جمالاً ، ونحن نعيش بشكل أفضل وأفضل. وإذا كان الأمر يتعلق بالولايات المتحدة، فعلينا أن نفعل كل شيء لجعل القارئ يستنتج أن الناس هناك يعيشون بشكل سيئ، وأن الأمر لا يجري جيداً “.

وقد تم اسضافة سافتشوك في مُقابلات مع بعض الوكالات والتي تتضمن سبيجل أونلاين وواشنطن بوست في يونيو ۲۰۱٥م مؤكدة أن “مصنع الكتائب الإلكترونية” قد نما من حيث الحجم والتكُلفة، لكنه حافظ على نفس الأسلوب والبنية.

“هناك أقسام. كنت أنا وحدي مسؤولة عن مدونات (لايف جورنال) وآخرين مسؤولين عن التعليق في وسائل التواصل . هناك أيضًا مجموعة تتنكر كصحفيين.  يُديرون شبكات أخبار وهمية تدّعي أنها مواقع أخبار أوكرانية، مع أسماء مثل خاركيف نيوز أو وكالة الأنباء الاتحادية. كان لدينا مدوني فيديو. البعض جعلوا أنفسهم كأعضاء المعارضة الروسية “.

ينشر “مصنع الكتائب الإلكترونية  ” سمه عبر منصات متعددة:

“لقد شاهدت شخصياً ما يلي:  فيسبوك وتويتر ويوتيوب ولايف جورنال دوت كوم  بالإضافة إلى الشبكات الروسية ﭬي كي دوت كوم وأدنوكالينسكي . وتشمل الأهداف أيضًا مساحات النقاش على جميع المواقع الإخبارية الرئيسية ومُختلف المواقع الإلكترونية الخاصة بالمدن في المقاطعات الروسية “.

تلقت كل وحدة تعليمات عن ما  يجب كتابته، بأشكال مختلفة.

“لقد كان الأمر مختلفًا في كل قسم. بالنسبة إلينا، كُتبت التعليمات عبر الإنترانت، وكانوا يطلقون عليها “المهام التقنية”. كان أولئك الذين من المفترض أن يعلقوا على المقالات الإعلامية يتلقون اتصالات شفهية حول ما كان من المفترض أن يكتبوه. أحد الأمثلة على ذلك التأكيد الرئيسي الذي كان من المقرر نشره هو أن بوريس نيمتسوف هو نفسه المسؤول عن وفاته”.

وبشكل حاسم، أكدت  سافشوك أن “مصنع  الكتائب الإلكترونية” كان لديه أيضًا قسم باللغة الإنجليزية، وأصبح فيما بعد مشهورًا في إتهام ميولر بأنه “مشروع المترجم”.

“أغلب العمل كان باللغة الروسية، لكني أعرف أن البعض يكتبون أيضًا مشاركات باللغة الإنجليزية. الأوكرانية أيضا تلعب دوراً رئيسياً. سمعت أيضا عن الألمانية، ولكن ليس في هذا المبنى”.

وقد قامت سافتشوك بمقاضاة وكالة أبحاث الإنترنت لتوظيفها بدون عقد، وفازت بتعويض رمزي قدره روبل واحد.

كان كشفها عن المخالفات، والبحث الذي أجراه مويه رايون ونوفايا جازيتا، عنصراً حاسماً في فهمنا للنقاط الثلاثة الخاصة “بمصنع الكتائب الإلكترونية “.

أولاً، كان الهدف الأساسي للمصنع هو إغراق الإنترنت الروسي بدعايةٍ مؤيدة للكرملين. وتشير التقديرات إلى أن العدد الإجمالي للمتصيدين  يُقدر بحوالي ۸۰۰- ۹۰۰. ووفقًا لإتهام ميولر، ركز أكثر من ۸۰ من هؤلاء على الولايات المتحدة. كانت هذه عملية سياسية روسية أكثر منها عملية أجنبية.

ثانياً ، كانت ملكية “مصنع القوارب” واضحة حتى في عام ۲۰۱٥م، وقادت إلى يوﭬﭽيني بريجوزين، الذي كان مقاولًا حكوميًا كبيرًا وصديقًا للرئيس فلاديمير بوتين.

ثالثاً ، في اللحظة الحرجة من اغتيال نيمتسوف، غمر “مصنع الكتائب الإلكترونية” منتديات الإنترنت بآلاف المنشورات التي تهدف إلى حماية الكرملين.

وهذه العوامل تُشير مُجتمعة إلى أن “مصنع الكتائب الإلكترونية” كان يعمل بمباركة الحكومة الروسية. وبالنظر إلى الرقابة الصارمة التي كانت تمارسها الحكومة الروسية على وسائل الإعلام الروسية، وعلى علاقات بريجوزين الخاصة الوثيقة مع الكرملين، والسرعة التي قفز بها “مصنع الكتائب الإلكترونية” للدفاع عن الحكومة بعد وفاة نيمتسوف، فمن غير المعقول أن تشير إلى أنها كانت تعمل بدون علم الحكومة.

كشف الحسابات

إحدى المآسي التي حدثت في ۲۰۱٥-۱٦  كانت أن “مصنع الكتائب الإلكترونية” قد تم تناوله مكثفا في روسيا، ولكن تم تجاهله تمامًا في الولايات المتحدة. لم يتم نشر الوعي تجاهه إلا في عام  ۲۰۱۷م، بعد أن وصفته وكالات الاستخبارات الأمريكية في تقريرها عن التدخل الروسي.

 

ولم يكن العمود الفقري للتحقيقات العامة في نشاط مصنع الكتائب الإلكترونية الروسي هو شركات التواصل الإجتماعي أو الحكومات أو وسائل الإعلام الغربية – بل كان الصحفيون الروس.

حتى ٦ من سبتمبر ۲۰۱۷م  لم يؤكد الفيسبوك أنه قد حدد وحذف ٤۷۰ حسابًا ” زائفاً ” والتي تم “تشغيلها من خارج روسيا على الأرجح”.

وبعد  ثلاثة أسابيع، أكد تويتر أنه قام بتحديد وتعليق ۲۰۱ حسابًا مرتبطًا بحسابات فيسبوك المحذوفة. لم يتم تسمية أي من الحسابات من قِبل الشبكتين.

وقد تركت هذه المهمة لوكالة روسية أُخرى، أر بي سي، والصحفيين بولينا روسيفا وأندريه زاخاروف. في ۱۷ أكتوبر ۲۰۱۷م، نشروا تحليلاً مفصلاً حول “مصنع الكتائب الإلكترونية”، بما في ذلك قائمة مُسرّبة لأكثر الحسابات فاعلية.

كان منشور أر بي سي موردًا مهمًا للباحثين. شارك تويتر قائمة تضم ۲۷٥۲ حسابًا “للكتائب الإلكترونية” مع لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب. قام الديمقراطيون في اللجنة بنشر القائمة.  وقام فيسبوك بنشر بعض إعلانات وحسابات الكتائب الإلكترونية في عرضه التقديمي أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في ۱ نوفمبر ۲۰۱۷م. ومع ذلك، تبقى أر بي سي  هي أكثر ملخص شامل متعدد المنصات لأنشطة “مصنع الكتائب الإلكترونية”.

وبالتالي، فإن العمود الفقري لمعظم التحقيقات العامة المفتوحة المصدر في نشاط “مصنع الكتائب الإلكترونية” الروسية – على النقيض من التحقيقات الداخلية للشركة – هو عمل الصحفيين الروس.

ليست مُجرد كتائب مجهولة

هناك ثلاثة صحفيين روسيين آخرين يستحقون ذكرًا خاصًا لدورهم في فضح حرب المعلومات الروسية. وهم ألكسندر جابوييف، من صحيفة كوميرسانت اليومية المستقلة، وإيليا آزار من نيوزواير، الذين أجروا مقابلة مع رئيسة تحرير أر تي، مارجريتا سيمونيان، في عامي ۲۰۱۲و ۲۰۱٣ على التوالي؛ ومراسل لم تذكر اسمه لشبكة أخبار الدولة أر أي إيه نوفوستي ، الذي قام بتصوير رئيس التحرير الجديد للشبكة، ديمتري كيسليوف، عندما تم الاستيلاء على الشبكة واصلاحها كوكالة دعاية حكومية “روسية سيجودنيا” في عام ۲۰۱٣م. سبوتنيك هي العلامة التجارية لروسيا سيجودنيا للتصدير.

لقد أعطانا هؤلاء الصحفيون العباقرة الفهم الأوضح لكيفية عمل شبكة الحكومة الروسية من الصحفيين الزائفين. كان جابوييف هو أول من سأل سيمونيان في عام ۲۰۱۲ لماذا يجب عليه، بصفته دافع للضرائب، أن يمول أر تي.

في أحد الحوارات ، كشف جابوييف عن تصور سيمونيان لوكالتها كسلاح من أسلحة حرب المعلومات الحكومية.

سؤال: هل تعلمنا أي درس؟ هل هناك آلية لمكافحة الأزمة؟ هل هناك أي تفهم أنه هناك حاجة للماء، على سبيل المثال، لزهرة تسمى “روسيا اليوم”، بحيث تنمو لتصبح شجرة قوية، ويمكن استخدامها كهراوة في وقت الحاجة؟

سيمونيان : أعتقد ذلك.

أكد عازار عقلية سيمونيان بعد عام، في مقابلة أشارت فيها مرة أخرى إلى أر تي  بمصطلحات عسكرية:

بالطبع، لا تستطيع وزارة الدفاع أن تبدأ بتدريب الجنود، وتحضير الأسلحة، وأن تصنع نفسها من الصفر عندما تبدأ  الحرب بالفعل. إذا لم يكن لدينا جمهور اليوم، فغداً وفي اليوم التالي، سوف يكون الأمر هو نفسه كما في عام ۲۰۰۸م.”

وتصوَّر تصريحات سيمونيان صراحةً أر تي  “كسلاح معلومات”، بدلاً من وكالة صحفية. ويبقى هذا دليلاً على السلوكيات الإذاعية نفسها وسلسلة الإنتهاكات الطويلة  لخرق معايير البث؛ ولكن بفضل الصحفيين الروس الحقيقيين، لدينا تأكيد رئيس التحرير الخاص على هدفه.

وينطبق الشيء نفسه على كيسليوف ، وهو الإذاعي  الروسي الوحيد  الذي يُعاقب من الإتحاد الأوروبي لدوره في الترويج لضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. في ۱۲ديسمبر ۲۰۱٣، خاطب الموظفين في أر أي إيه نوفوستي وكالة الأخبار التي تمولها الدولة والتي سبق أن حصلت على الإحترام لإستقلالها، ولكن تم إخباره للتو أنه سيتم حلها وتحويلها إلى روسيا سيجودنيا.

وهذا هو صحفي من وكالة أرأي إيه نوفوستي قام بتصوير خطاب كيسليوف الافتتاحي لموظفيه الجدد، حيث أوضح لهم أين يجب أن تكمن ولاءآتهم (الترجمة بواسطة  المترجم الفوري):

“نحن وكالة حكومية تعتمد على الأموال الحكومية. أنا لست ضد وجهات النظر الأخرى، يمكن أن تكون متنوعة حتى في هذا المجال الذي أتحدث عنه. لكن إذا أردنا أن نتحدث عن السياسة التقليدية، فعندئذ بالطبع نود أن يكون الرأي مرتبطاً بمحبة روسيا.

سأل صحفي من وكالة أر أي إيه  نوفوستي مرتين عن كيفية فصل حب البلاد عن حب الحكومة. أجاب كيسليوف:

“إفصل موقفك تجاه الحكومة عن موقفك تجاه الوطن. إذا كنت تخطط للمشاركة في نشاط تخريبي، وهذا لا يتطابق مع خططي، فسوف أعلمك بذلك مباشرة “.

الإستنتاج

قصة “مصنع الكتائب الإلكترونية” الروسي هي قصة صحفيين حقيقيين يكشفون الأكاذيب. قام الصحفيون الروس بفضح حقيقة “مصنع الكتائب الإلكترونية”، وكشفوا عن أعمالها المبكرة. حددوا أولاً ملكيتها، ونشروا أهم حساباتها. لقد وفروا أقوى دليل على أن صحفيي الكرملين ليسوا من هذا النوع، لكن، من وجهة نظرهم، فإنهم ينخرطون في حرب معلومات ضد الغرب.

هذه نقطة حيوية. كانت الكتائب الإلكترونية والصحفيون المزيفون الذين شنوا حملة دعائية ضد الولايات المتحدة من الروس، ولكن الصحفيين الذين كشفوهم كانوا هم أيضا من الروس.

لم تكن أحداث ۲۰۱٤م-  ۱۷ مسألة الروس ضد الأمريكان، أو روسيا ضد أمريكا:  بل كانت قصة وكالات الحكومة الروسية، و”مصنع الكتائب الإلكترونية” الذي يمتلك صاحبه صلات قوية بالحكومة، ويهاجم منتقدي الحكومة في الداخل والخارج.

بفضل الصحفيين الروس عرفنا الكثير عما حدث.

ظهر هذا المنشور لأول مرة في الصفحة المتوسطة من مختبر الأبحاث الجنائية الرقمية التابع لمجلس الأطلسي (DFRLab@) وتم نشره هنا بإذن مسبق.

بن نيمو هو الزميل رفيع المستوى للدفاع عن المعلومات في مختبر الأبحاث الجنائية الرقمية التابع للمجلس الأطلسي. تشمل مجالات أبحاثه وسائل التواصل الإجتماعي، والأبحاث الرقمية، ومساحة المشاركة الرقمية، والمعلومات مفتوحة المصدر.

أريك تولر هو الباحث الرقمي الأساسي في مختبر الأبحاث الجنائية الرقمية بالمجلس الأطلسي. وهو محلل سابق في مجال البيلينكات والذي يُركز على الدول الناطقة بالروسية، والتحقيق في النزاعات، وأبحاث الفساد.

إعادة نشر مقالتنا عبر الانترنت أوطباعة تحت رخصة النشاط الابداعي

إعادة نشر هذا المقال


Material from GIJN’s website is generally available for republication under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International license. Images usually are published under a different license, so we advise you to use alternatives or contact us regarding permission. Here are our full terms for republication. You must credit the author, link to the original story, and name GIJN as the first publisher. For any queries or to send us a courtesy republication note, write to hello@gijn.org.

إقرأ التالي

ورقة نصائح الأمن والأمان نصائح وأدوات

كيف يمكن للصّحفيين أن يعتنوا بأنفسهم عند التّحقيق في الصور القاسية للحرب والصراع

يواجه خبراء المصادر المفتوحة كمًا هائلاً من الصّور القاسية. فكيف يمكن للصّحفيين حماية أنفسهم من الأذى الناجم عن مشاهدة الصّور الصّادمة باستمرار؟
التّحقيقات مفتوحةُ المصدرِ التي كانت في السابق محصورةً بمواقع متخصّصة مثل Bellingcat، دخلت عالم الصحافة السائدة، مدفوعة بالحاجة إلى التحقُّق على الفور من كميات كبيرة من الصور ومقاطع الفيديو والادّعاءات. بات لدى وسائل الإعلام الكبيرة مثل بي بي سي ونيويورك تايمز فرق مخصصة للتّحقيقات البصريّة، وتزايدت أهمية عملها في سياق حرب المعلومات.

العثور على سجلات أمريكية لمتابعة التّحقيقات العابرة للحدود

دليل لبعض مصادر البيانات الحكوميّة الأمريكيّة التي يمكن أن تساعد الصّحفيين الأجانب والأمريكيين في تغطية الحروب الأمريكيّة ومبيعات الأسلحة وتأثير السياسة الخارجيّة الأمريكيّة.

رون ديبرت في الجلسة الافتتاحية #gijc23

الأمن والأمان

أزمة القرصنة العالمية: كيف يمكن للصحفيين الاستقصائيين مواجهتها

تم تحذير أكبر تجمع على الإطلاق من الصحفيين الاستقصائيين من أنهم يواجهون وباء التجسس السيبراني ، ويجب أن يذهبوا إلى الهجوم لفضح الممثلين السيئين الذين يسعون إلى تقويض الأمن الرقمي.