إعداد إمكانية الوصول

خيارات الألوان

لون أحادي لون باهت مظلم

أدوات القراءة

عزل حاكم

خلال حرب عاصفة الصحراء عام 1991، أشعل الجيش العراقي المنسحب النار في أكثر من 600 بئر نفط كويتية لإعاقة تقدم قوات التحالف، مما أدى إلى كارثة بيئية. استغرق الأمر ما يقرب من 10 أشهر قبل أن يتم إطفاء جميع الحرائق. الصورة: بإذن من كريستوفر موريس، السابع

إن الدمار الغاشم والمعاناة الإنسانية التي تسبّبها الحروب والصّراعات المسلّحة كثيرًا ما يتردد صداها لفترة طويلة في المستقبل. وإلى جانب أثرها المباشر على حياة الناس، فإن النزاع المسلح وعواقبه تؤثر أيضًا على الموارد الطبيعيّة وسبل العيش والنظم البيئيّة.

لم تُرصد العواقب البيئيّة والصحية البشرية المدمرة – ولم تُحسب في كثير من الأحيان.

لطالما ظلت هذه الجوانب البيئية للنزاع المسلح دون دراسة كافية، وغالبًا ما يُشار إليها باسم  “الضّحية الصّامتة” للحرب. يُعزى هذا الإهمال إلى حد كبير إلى قلة الأبحاث والضرر الواقع على الطبيعة الذي يصعب إثباته بشكل مرئيّ. ونتيجة لذلك، لم تُرصد العواقب البيئية والصحية البشرية المدمرة – ولم تُحسب في كثير من الأحيان.

هناك بعض الاستثناءات البارزة التي لفتت الانتباه الدّولي إلى العلاقة بين الحرب والطبيعة. تسبب استخدام مبيد “العامل البرتقالي” السام من  قبل جيش الولايات المتحدة في فيتنام بأضرار واسعة النطاق على الغابات، وعرّض الجنود والمدنيين للديوكسين، وترك إرثًا مميتًا من العيوب الخلقيّة وغيرها من التّبعات الصحية بين الفيتناميين. سنة 1991 أضرم الجيش العراقي المنسحب النّار في أكثر من 600 بئر نفط في الكويت، مما تسبّب في اسوداد السّماء وانخفاض درجة الحرارة الإقليمية. الصور المروّعة لمئات الآبار التي تحترق والشمس المحجوبة، دقت جرس الإنذار للمجتمع الدّولي. وعلى الرغم من إخماد كل حرائق الآبار في غضون بضعة أشهر، إلا أن تنظيف التلوّث الذي لحق بالتربة والمياه استغرق عقودًا.

“نغوين ثي لي” 9 سنوات، تعاني من إعاقات ناجمة عن استخدام الجيش الأمريكي للعامل البرتقالي، في منزلها في منطقة “نغو هانه سون” في “دا نانغ”، فيتنام في 9 تموز 2010.

الفائدة من هذه الكوارث هو أنها زادت الاهتمام بالأبعاد البيئية للنزاعات المسلحة. أعلن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2001 يوم 6 نوفمبر باعتباره اليوم الدولي لمنع استغلال البيئة في الحروب والصراعات المسلحة، وكان نقطة انطلاق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) للعمل على التقييمات البيئيّة بعد الصّراع. وعلى الرغم من أن هذه التوصيات مفيدة، فإنها كثيرًا ما تأتي مصحوبةً بقيود ماليّة أو قيود زمنيّة، ولا يزال تنفيذ توصياتها معقدًا. وتوفر مجموعات مثل “النزاع المسلّح والأضرار البيئيّة”،مقترنةً بالبحوث الأكاديمية، نقطة انطلاق مفيدة للتّعمق في الأسباب والعواقب المختلفة وبناء استجابة سياسية أفضل.

الإنترنت والابتكار في تحليل النّزاعات 

زادت الحاجة الملحة لمعالجة البيئة كجزء جوهري من تحليل الصراع في أوائل عام 2010 مع ظهور الهواتف الذكيّة وانتشار الإنترنت. مقاطع الفيديو والصور الوفيرة وغيرها من المعلومات التي تمت مشاركتها عبر الإنترنت مكّنت الصّحفيين والباحثين ومنظّمات المجتمع المدنيّ من الوصول المباشر وفي الوقت المناسب إلى بياناتِ أحداثِ النّزاع. وقد أدّى ذلك إلى ظهور شكل جديد من التّحقيقات الرّقميّة مفتوحة المصدر التي يمكن أن تساعد في تعقُّب مرتكبي جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.

وفي الوقت نفسه، حدثتْ ثورة في وصول الجمهور إلى بيانات الاستشعار عن بُعد من نُظُم الأقمار الصّناعيّة، مما وفر معلومات شبه آنية عن النّزاعات المسلّحة. كما مكّن ذلك الأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني من استخدام أدواتِ رصدِ الأرضِ لتحديد ورصد التغيّرات في  البيئة الطبيعيّة في المناطق المتأثرة بالنّزاع.

يشمل الضرر البيئي الذي تسبّبه النزاعات المسلحة مجموعةً واسعةً من المواضيع التي يمكن الآن تقييمها نوعيًا وكميًا من خلال صور الأقمار الصناعيّة وتتبُّع وسائل التّواصل الاجتماعي. ويتراوح ذلك من القصف المباشر للمرافق التي تخزّن المواد الكيميائية الخطرة مثل المواقع الصناعيّة أو مصافي النفط، إلى التّدمير الواسع للمناطق الحضريّة عن طريق الأسلحة المتفجّرة. وإلى جانب هذه الآثار المباشرة، غالبًا ما تكون هنالك آثار جانبيّة بيئية أوسع نطاقًا، مثل انهيار الحوكمة التي تؤثر على إدارة النّفايات، وزيادة الاستغلال العشوائيّ للموارد الطبيعية  مثل قطع الغابات أو الصيد الجائر، والممارسات غير المستدامة مثل تكرير النفط في منشآت غير مجهّزة والمخاوف الأوسع نطاقًا بشأن فقدان التنوع البيولوجي.

وتأتي مع هذه الأدوات والأساليب الجديدة، القدرة على تحديد الخسائر والأضرار البيئيّة المرتبطة بالنّزاعات المسلّحة. يمكن أن تكون هذه البيانات ضروريّة طوال دورة الصراع.

يمكن للمستجيبين الأوائل والمنظّمات الإنسانيّة استخدام المعلومات أثناء النّزاع لتحديد أولويات الدّعم، في حين يمكن للسّلطات المعنيّة تطبيق ذلك لإجراء تقييمات بيئيّة بعد النزاع لجهود التنظيف والإصلاح والتّرميم.

الخطوة الأولى لتقييم الأثر البيئي للحرب هي التحقق من أي بيانات متوفرة وتخزينها بشكل آمن.

وأخيرًا، هناك اتجاه متزايد نحو مساءلة الجهات الفاعلة العسكريّة، سواء من الدول أو الجهات الفاعلة من غير الدّول، عن الأضرار البيئيّة، إما من خلال تحسين الممارسات القانونيّة القائمة أو تطوير مبادئ جديدة مثل “الإبادة البيئية” بموجب نظام روما الأساسي. بالإضافة إلى الأضرار البيئية المرتبطة بالنزاع، هناك أيضًا العديد من الأمثلة على الباحثين والصحفيين الذين يستخدمون التقارير مفتوحة المصدر لتتبُّع الجرائم البيئية، مثل الاتّجار بالحياة  البرّية وممارسات التعدين الحِرفيّ غير المنظَّمة.

تحليل تأثير الصراع على البيئة

الخطوة الأولى في تقييم الأثر البيئي للحرب هي التّحقُّق من أي بيانات متوفرة وتخزينها بشكل آمن. وهذا يعني أرشفة جميع الصّور واللقطات ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي، وهي أمور يمكن القيام بها بطرق مختلفة. إحدى الأدوات الشائعة التي تستخدمها وكالات إنفاذ القانون والصحفيون على حدّ سواء هي Hunchly، وهو تطبيق يلتقط نشاط متصفحك ويقوم بأرشفة البيانات بطريقة تقيها من العبث حتة تُستخدم لاحقًا في الإجراءات القضائية. هناك أيضا مبادرات مثل Mnemonic، التي تقوم بأرشفة جميع بيانات الإنترنت التي جُمعتْ في التحقيق، وهنالك أمثلة على استخدامها في سوريا واليمن وأوكرانيا.

يمكن العثور على بيانات حول أحداث الصراع على الكثير من وسائل التّواصل الاجتماعي، ولكن اختيار الوسيلة الأنفع يعتمد على شعبية المنصّة في البلد الذي تغطيه. في أوروبا الشرقية وروسيا ودول آسيا الوسطى، على سبيل المثال ، تعد VKontakte  و Telegram أكثر شعبية من TikTok و Twitter و Instagram. لكن هذه المواقع الأخيرة أفضل عند التحقيق في شرق آسيا وأوروبا. في العديد من البلدان الأفريقية، يعد Facebook منصة اجتماعيّة مهمة. لكلّ من هذه المنصّات تحدياتها الفريدة من حيث جمع البيانات والتحقُّق منها.  تقدم Bellingcat نظرة عامة ممتازة في مجموعة أدوات التّحقيق عبر الإنترنت، والتي ترشد المستخدمين إلى البيانات التي يمكن العثور عليها ومكانها.

بناء قاعدة بحثية من مجموعات البيانات الحالية مفيد لوضع خارطة للصراعات.  يحتوي موقع تبادل البيانات الإنسانيّة على الكثير من مجموعات البيانات المفيدة التي توفّرها وكالات الأمم المتّحدة والمجموعات الإنسانية وتعدّ نقطة انطلاق مهمة، سواء كانت لتحليل السكان أو المستوطنات أو تقييم الأضرار الحضريّة أو الوصول إلى المياه. يتضمّن الموقع أيضًا بيانات من متتبِّعات ترصد النّزاعات العالميّة  مثل ACLED، والتي تستخدم معلومات مفتوحة المصدر عن القصف والغارات الجويّة وأعمال الشغب، والتي يمكن تنزيلها بتنسيقات أوليّة ومعالجتها باستخدام أدوات المعلومات الجغرافيّة مثل QGIS. هنالك بدائل أخرى مفتوحة المصدر منها المجانية والمدفوعة مثل Liveuamap، وهو من أوائل المواقع التي تتبع الصراعات التي شكّلت نواة التغطية للحرب الأهلية السورية ويتم استخدامها الآن لرصد الغزو الرّوسي لأوكرانيا. هنالك أيضًا مواقع مراقبة إقليمية تكون دقيقة جدًا في الغالب، مثل مركز معلومات “روج آفا” في  شمال شرق سوريا، ومشروع مكافحة التطرف في وسط سوريا ومشاريع تتبُّع الصراع من Bellingcat  ومركز مرونة المعلومات حول أوكرانيا وميانمار. يمكن العثور على مشاريع مماثلة في مناطق جغرافية مختلفة في العالم.

يمكن أن تكون مواقع المراقبة الإقليمية، مثل مشروع مكافحة التطرف في سوريا، مصادر مفيدة لتتبُّع الأضرار البيئيّة أو الأضرار الواقعة على الممتلكات أثناء الحروب أو النزاعات.

الأقمار الصناعية: مصدر مهم

هناك العديد من مجموعات الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض مزوّدة بأجهزة استشعار بصرية (سلبية) ورادارية (نشطة)، تلتقط ما يحدث تحتها. من البيانات منخفضة الدقة المستخدمة لمراقبة الأرصاد الجوية إلى الصور عالية الدّقة التي يمكنها اكتشاف الأفراد، تعد مراقبة الأرض من الإمكانات المهمّة في مجموعة أدوات البحث مفتوحة المصدر. ولحسن حظ الباحثين، فإن كميةً كبيرةً من هذه البيانات مجّانية، إمّا من المصدر مباشرةً مثل وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية المكافِئة لها، أو يتم توفيرها بواسطة منصّات خارجية عبر الإنترنت. فيما يلي بعض أدوات “العيون في السماء” المفيدة. (للحصول على معلومات أكثر تفصيلاً، اقرأ: نظرة عامة على صور الأقمار الصناعية من إعداد GIJN.)

  • Sentinel-Hub: تستضيف هذه المنصّة كمًا هائلاً من بيانات أجهزةِ استشعارِ الأقمارِ الصناعية المجانية متوسطة ومنخفضة الدقة (10 – 500 متر)، بما في ذلك صور “لاندسات” التابعة لناسا (مع أرشيفات تعود إلى التسعينات)، وبيانات مجموعات Sentinel التابعة لوكالة الفضاء الأوروبيّة، بما في ذلك MODIS، والبيانات البصرية Sentinel-2 / 3 ، وبيانات رادار Sentinel-1 وبيانات مراقبة الغلاف الجوي Sentinel-5P. مع مدار لا يقل عن خمسة أيام لـ Sentinel-2 ، هناك أيضا فرصة للحصول على صور محدَّثة. هذا الرادار مفيد في الكشف عن التلوث من مصادر الانبعاثات الكبيرة. توفّر المنصة أيضًا خيار شراء صور عالية الدقّة (0.4 – 3 متر) من Airbus و Maxar و Planet. إصدار Sentinel Playground المجاني محدود ولكنه يحتوي على بعض الخيارات المفيدة للغاية. يوفر متصفح Sentinel EO المدفوع الوصول إلى جميع الصور ويتضمن خيارات لعمل صور بفاصل زمني وتنزيل البيانات الأوليّة وشراء صور عالية الدّقة وإنشاء مناظر طبيعية ثلاثية الأبعاد. ومع ذلك، هناك خيارات للباحثين للحصول على منحة للوصول المجاني إلى بيانات متصفح EO. طوّر مستخدمو Sentinel-Hub أيضًا مجموعة واسعة من كودات الجافا المصمّمة حسب الاحتياج والتي يمكن استخدامها لتتبُّع التسرّبات النفطية وقطع الغابات وحرائقها والأراضي المحترقة والفيضانات، بما في ذلك التركيز بشكل خاص على الأضرار البيئيّة المرتبطة بالصّراع.
  • Google Earth Pro: هذه الأداة الشائعة توفّر صورًا عالية الدّقة من Maxar و Airbus ويمكن أن تكون أداة رئيسيّة لتحديد الموقع الجغرافي. يحتوي إصدار سطح المكتب أيضًا على بيانات صور تاريخية، وهو أمر مفيد لتتبُّع التغييرات البيئية في موقع معين. يتضمن أيضًا خيارات القياس، والقدرة على إنشاء أشكال مُضلَّعة، وتنزيل الصّور، وإنشاء قواعد بيانات عن طريق تثبيت المواقع، وغيرها الكثير.
  • EarthView: منصة لمراقبة الأرض من وكالة ناسا، وتحتوي على كمٍ هائل من الصّور متوسطة إلى منخفضة الدقّة مع عدد كبير من أنظمة الاستشعار، بعضها يُظهر الأرض في الوقت الفعلي تقريبًا مع صور منخفضة الدقّة محدَّثة كلّ ساعة. يوفّر الموقع أنواعا مختلفة من البيانات حول المخاطر والكوارث التي يمكن استخدامها في تتبُّع النزاعات. مجموعة مقياس الإشعاع للتصوير بالأشعة تحت الحمراء المرئية (VIIRS) التابعة لناسا متوفرة للاستخدام الخاص. والتي يمكن استخدامها للكشف عن البصمات الحراريّة. هذا مفيد لمعرفة ما إذا أدّى هجومٌ إلى حرق شيء، أو مفيد للعثور على مواقع الحرق في قطاع النفط والغاز.

مجموعات البيانات المناخية والبيئية

عند البحث في السياق البيئي لمنطقة النزاع، هناك أيضا مجموعات بيانات كبيرة موجودة مسبقًا ومفيدة للغاية لفهم ما يحدث على أرض الواقع بمرور الوقت. يعدّ ظهور منصّات البيانات التي تحتوي على تحليلات جاهزة للاستخدام قيمةً مضافة لنمو مراقبة الأرض، مما يجعل استخدام هذه البيانات أسهل لغير الخبراء، ومع ذلك فهي موثوقة إلى حد بعيد. ومن قواعد البيانات المهمة قاعدة  المراقبة العالميّة للغابات، حيث يمكن للمستخدمين الحصول على بيانات مجمّعة عن فقدان الغطاء الشجري لكل بلد، وكذلك صور الأقمار الصناعيّة الحديثة. هذه المبادرة هي جزء من مجموعات البيانات الأوسع التي طوّرها معهد الموارد العالميّة  في موقعه الخاص بمراقبة الموارد  ويضم مئات الخيارات، بما في ذلك الإجهاد المائي والأنواع المهددة بالانقراض والمحميات الطّبيعية والأراضي الزّراعية، على سبيل المثال لا الحصر. للبحث في مجال النفط فإن SkyTruth مصدرٌ قيّمٌ لتتبّع مواقع الحرق وقياس تلوث الهواء، مع توفير معلومات استخباراتية ممتازة عن تقارير الانسكاب النفطي. وللراغبين في التعمق في مراقبة الأرض، أقامت منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) تعاونا مع Google Earth Engine وطورت Earth Map، وهي مجموعة أدوات تحتوي على طبقات متعددة من البيانات حول أيّ شيء متعلّق بالبيئة.

ويمكن الوصول بسهولة إلى البيانات الأساسيّة المتعلقة بالديناميّات البيئية الخاصة بكل بلد وقضايا التلوث الموروثة من خلال تقديم البيانات إلى الأمم المتحدة. وتستضيف اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي واتّفاقية  الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر موجزات قُطرية مع تقارير وطنية، في حين  أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة غالبًا ما يكون لديهما أيضًا تقارير بيئية محددة (في مرحلة ما بعد الصراع). كل هذه الأدوات ومجموعات البيانات ليست سوى غيض من فيض، ولكنها توفر نقطة انطلاق جيّدة لاستكشاف حالات بيئية محددة مرتبطة بالنزاع وبناء المساءلة عن الأضرار البيئية التي تسببها الدّول أو الجماعات المسلّحة من غير الدول.

باستخدام نهج متدرِّج مع مجموعات البيانات الموجودة مسبقًا والبيانات الإنسانيّة وصور الأقمار الصناعية للتحقق منها، يمكن للباحثين الآن تحديد وتتبّع أضرار بيئية محددة مرتبطة بالنزاع. في حين أن الآثار طويلة الأجل غالبًا ما تستغرق وقتًا لقياسها كميًا، يمكن الآن جمع معلومات وفيرة وعرضها بشكل مرئي واستخدامها لتحسين السّياسات البيئيّة في الاستجابة الإنسانية وتحسين آليات المساءلة.

جرائم الحرب البيئية؟ 

قد يكون الغزو الرّوسي لأوكرانيا لحظة محفِّزة لبناء سياسات أفضل للرصد والمساءلة البيئية بين الدول والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية.

هناك حاليًا خيارات محدودة لمحاسبة الدول والجماعات المسلحة من غير الدول قانونيًا على الأضرار البيئية. إن معيار انتهاك القانون الإنساني الدولي بشأن الأضرار البيئية مرتفع للغاية. وعلى وجه التحديد، يتطلّب الأمر توثيق “الأضرار واسعة الانتشار وطويلة الأجل والشديدة التي تلحق بالبيئة الطبيعية”، ولكن هذه متطلبات لم يسبق أن تمّ استيفاؤها رسميًا . وبموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن العتبة أعلى من ذلك، حيث لا يمكن اعتبار هذا الضّرر جريمة حرب إلا إذا كان ينتهك أيضا مبدأ التّناسب (إذا كان مفرطًا بالنسبة للفائدة العسكريّة المتوقعة مباشرة).

كما أن إلحاق الضرر بالبيئة يمكن أن ينتهك قواعد أخرى من قواعد القانون الإنسانيّ الدّولي، والتي يمكن أن يشكل بعضها جرائم حرب، مثل تدمير الأشياء الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، أو تدمير بعض المنشآت الصّناعية مثل السدود ومحطّات توليد الطاقة الكهربائية النووية، أو إلحاق الضرر الذي يتسبب بشكل مباشر في النّزوح. وقد توفّر مبادئ أخرى من مبادئ القانون الدولي أيضًا حماية للبيئة، على الرغم من أن تطبيقها في النّزاع المسلح لا يكون بسيطًا دائمًا.  اعتمدت لجنة القانون الدولي مجموعة من مشاريع المبادئ المتعلّقة بحماية البيئة فيما يتعلق بالنزاعات المسلّحة، التي تقدّم بعض التوجيه القانوني، ونشرت لجنة الصّليب الأحمر الدولية مبادئ توجيهية بشأن حماية البيئة الطبيعية في الصراعات المسلحة. والتي تقدّم أيضًا نصائح يمكن أن يطبّقها أطراف النزاع المسلح. وفي حين أن القانون في هذا المجال يتطوّر، فقد تكون المساءلة السياسية في كثير من الحالات صاحبة الصّوت الأقوى.

قد يكون الغزو الروسي لأوكرانيا لحظة محفّزة لبناء سياسات أفضل للرصد والمساءلة البيئية بين الدول والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية. في أوكرانيا، تستخدم مجموعات المجتمع المدني والوكالات الحكومية تقارير وسائل الإعلام العامة لرسم خرائط للمناطق على  موقع Ecodozor لإظهار مكان حدوث الأضرار البيئية المحتملة.  يتضمن مركز مرونة المعلومات بيانات تم التحقُّق منها حول الضرر البيئي والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية المدنية في مشروع “عيون على روسيا“، وفي “باكس من أجل السلام” يتم جمع كل هذه البيانات وتحليلها من أجل نشرها في تنبيهات مفصلة للبيئة والصراع. وقد حفزت كل هذه الجهود الحكومات على العمل حيث تتوفر الآن مبادرات ترعاها الدّولة وتدعمها الأمم المتّحدة لتحديد ورصد الأضرار البيئية المرتبطة بالنزاع، مثل مركز التنسيق هذا في أوكرانيا. ويمكن أن توفر هذه الجهود نقطة انطلاق مفيدة لمقاضاة  الدول في المستقبل على  الأضرار البيئية، على الرغم من أن المنتدى والإطار لذلك لم يحددا بعد.

دراسات الحالة

قطع الأشجار غير القانوني لغابة بحيرة ميدانكي في سوريا

ألقت سنوات الحرب الأهلية بظلالها الخطيرة على الغابات السورية، حيث وثّقت مجلة أطلس البيئية كيف أدّى ارتفاع أسعار الوقود إلى لجوء المدنيين والجماعات المسلّحة المدعومة من تركيا إلى قطع الأشجار غير المنضبط في غابة بحيرة ميدانكي للحصول على الحطب للطهي والتدفئة. قدّمت تقارير وسائل التّواصل الاجتماعي بالإضافة إلى بيانات Global Forest Watch أداة ممتازة للتحقُّق بسرعة من مناطق فقدان الغابات الرئيسية، بينما قدّم استخدام صور الأقمار الصناعية الأخرى مزيدًا من التفاصيل.

تسرب النفط من “الناقلات الشبحيّة” في ميناء عدن اليمني

سنة 2015، بعد القتال العنيف في الحرب الأهلية اليمنية، تُركتْ ناقلات نفط في ميناء عدن وتسرّب الوقود الثقيل بشكل متكرر، مما تسبب في آثار بيئية محلية وأثّر على مصادر الرزق. باستخدام بيانات Planet و Sentinel-2، بالإضافة إلى البيانات التّاريخية عالية الدقّة من Google Earth Pro وبيانات الشّحن من سلطات الموانئ اليمنية، حددت PAX for Peace الناقلات المختلفة ومالكيها وساعدت المقالة في جمع الأموال لإجراء تقييم بيئي ولتنظيف المنطقة.

استخدمت منظمة باكس من أجل السلام صور الأقمار الصناعية من Planet و Sentinel-2،لتحديد هوية “الناقلات الشبحيّة” المتروكة في ميناء عدن والتي سببت أضرارا بيئية من تسرّب النفط.

قنبلة موقوتة سامة في دونباس الأوكرانية

قبل الغزو الروسي عام 2022، كان خطر وقوع كارثة بيئية واضحًا بالفعل في “دونباس”، بسبب قصف المواقع الصناعيّة على مدى السنوات الثماني الماضية.  في مقالة Bellingcat لعام 2017، تم دمج مجموعات البيانات مفتوحة المصدر مع أداة التقييم البيئي Flash لتقديم نظرة عامة على المخاطر البيئية المرتبطة بمرافق محددة تخزّن المواد الخطرة في حالة إصابتها بالمدفعية.

 

ويم زويننبورغ هو قائد مشروع نزع السلاح الإنساني في PAX. وهو يعمل على القضايا المتعلقة بالصراع والبيئة في الشرق الأوسط، واستخدام وانتشار التقنيات العسكرية الناشئة وتجارة الأسلحة.

 

 

 

رون هافيف، مؤسسة VII رون هافيف هو مدير ومؤسس مشارك لمؤسسة VII ومؤسس مشارك لوكالة VII Photo Agency. في العقود الثلاثة الماضية، غطت هافيف أكثر من 25 صراعًا وعملت في أكثر من 100 دولة. أعماله، التي فازت بالعديد من الجوائز، معروضة في المتاحف والمعارض في جميع أنحاء العالم.


إعادة نشر مقالتنا عبر الانترنت أوطباعة تحت رخصة النشاط الابداعي

إعادة نشر هذا المقال


Material from GIJN’s website is generally available for republication under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International license. Images usually are published under a different license, so we advise you to use alternatives or contact us regarding permission. Here are our full terms for republication. You must credit the author, link to the original story, and name GIJN as the first publisher. For any queries or to send us a courtesy republication note, write to hello@gijn.org.