رون هافيف، مصور الحرب الشهير لوكالة VII، تحت نيران القناصة من متمردي التحالف الشمالي، أثناء استسلام طالبان لقرية ميدان شار في أفغانستان عام 2001. المواجهة في ميدان شار 30 كيلومترًا جنوب غرب البلد. استمرت العملية في كابول على طريق قندهار الاستراتيجي لمدة أسبوع، مع استسلام 2000 من مقاتلي طالبان في النهاية. الصورة: بإذن من سكوت بيترسون
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: التّوثيق بالصّور والفيديو
إقرأ هذه المقال في
دليل مصادر
دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: مقدّمة
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: الهجمات على المدنيين
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: هياكل القيادة
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: تعقُّب مجرمي الحرب
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: العثور على المفقودين
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب: الأمن المادي والرقمي
ملاحظة من المحرّر: أجرى كبير مراسلي GIJN “روان فيلب” مقابلةً مطوّلةً مع مصوّرِ النّزاعات المخضرم “رون هافيف” – الشريك المؤسِّس لـ VII Photo Agency ومؤسّسة VII، الذي غطّى أكثر من 25 صراعًا –وأُخذت هذه النّصائح ونُقّحت من تلك المقابلة.
يختلف دورُ الصحفيّ الذي يعتمد وسيلةً مرئية أو المصوّر الفوتوغرافي أو مصوّر الفيديو عن الأدوار الصحفيّة الأخرى، إذ يتعيّن علينا دائمًا أن نرى ما يحدث بأعيننا. علينا أن نكون حاضرين في المقدّمة كشهود. ولكننا نحتاج، كما يحتاج جميع الصّحفيين، إلى فهم القصّة وأطرافها. نحتاج إلى بناء العلاقات بسرعة مع المصادر المحليّة لمعرفة ما يجري، ولنكون قادرين على توقُّع الأحداث.
أعتقد أنّه من واجبنا الآن أن نفهم السياق والخلفيّة … وأن نعدَّ سياقًا وتعليقًا توضيحيًا (كابشن) متكاملاً للصّورة.
تغيّرت التّكنولوجيا على مر السنين، وتغيّرت كذلك الظّروف في مناطق الصّراع. كلّ النّاس في ميدان الصراع، بما في ذلك الجنود، باتوا أكثر اطّلاعًا حول آلية عمل التصوير الفوتوغرافي، وبالتّالي لا يمكنك خداعهم بحذف الصورة عن شاشة الكاميرا. في بعض المناطق في التسعينات، كان مجرّد وجودك ومعك كاميرتك التي تمثّل العالم الغربي، كان كفيلاً بإيقاف ما كان يجري. لم يعد أحدٌ يبالي بهذا الآن.
لقد تغيّرت مسؤوليّاتنا أيضًا. ونظرًا إلى أن المصوّرين غالبًا ما يكونون أوّل الغرباء في ميدان النزاع، بات من المتوقع الآن ألا نقدّم المواد المرئيّة فحسب، بل يجب أن نشرح السّياق أيضًا. لذلك عندما تصادف مشهدًا في “بوشا” – أوكرانيا، حيث يرقد رجلان ميّتين في حديقة بيت، كانت طريقة العمل القديمة تقتضي أن: “تلتقط أفضل صورة ممكنة، توثّق الموقف، وتكتب تعليقًا على الصورة: “رجلان يرقدان ميّتين في حديقة بيت في “بوشا”. لكنني أعتقد أنه من واجبنا الآن أن نفهم السّياق والخلفيّة – أن نتحدّث مع أكثر من شخص، ونوثّق ما يمكننا توثيقه، ونجمع الحقائق المهمّة، وأرقام الاتّصال – وأن نعدَّ سياقًا وتعليقًا توضيحيًا (كابشن) متكاملاً للصّورة.
يجب أن تكون قادرًا على التكيُّف سريعًا، لتكون قادرًا على الاستفادة مما يريده النّاس وحتّى الجنود منك – على أن تحرص دائمًا على الالتزام بالمعايير الأخلاقية، وأن تؤدّي عملك الصحفيّ بنزاهة.
الإعداد
المعلومات والمعدّات التي تحتاجها قبل الذهاب لتوثيق صراع
حاول أن تطّلع على أكبر قدر ممكن من المعلومات قبل الذهاب – من وسائل الإعلام التقليديّة ، مثلاً: نيويورك تايمز أو الغارديان؛ من زملائك؛ من مصادر الصحافة العسكريّة الموثوقة، من وسائل الإعلام المحلية؛ من المنظّمات غير الحكوميّة؛ ومن الصّحفيين أو المنتجين المحليين، المعروفين أحيانا بالفيكسرز، الذين يساعدونك.
تحتاج بالطبع إلى تدريب رسميّ على التّعامل مع بيئة معادية وعلى الإسعافات الأولية (HEFAT). [اطّلع على المزيد من المعلومات عن هذا التّدريب أدناه]. من الجيّد أيضًا أن تعرف مجموعات الصحفيين الموجودة بالفعل على واتساب وفيسبوك وأن تنضم إليها.
لدي عدّة أساسيّة آخذها معي في مهماتي خارج البلاد – كاميرات، كمبيوتر، هاتف يعمل بالأقمار الصناعية، وما إلى ذلك – ومجموعة إضافيّة من المعدّات الخاصّة بالبلد والقصّة. إذا كنت ذاهبًا إلى خط المواجهة، فسأحتاج إلى كذا وكذا وكذا، أما إذا كنت ذاهبًا إلى فرنسا فقط لتغطية الاحتجاجات، فسأحتاج إلى مجموعة مختلفة من المعدّات.
اسأل الزملاء الذين كانوا هناك عن الأدوات التي لزمتهم، وفكّر بطبيعة المكان الذي ستزوره: هل من المحتمل أن ينقطع التيار الكهربائي؟ هل هناك مخاطر مرضيّة؟
إذا كنت ذاهبًا إلى منطقة فقيرة ، فسأحتاج إلى التّعامل مع مشكلات طبيّة أكثر، لأنني سأكون معزولاً أكثر مما لو كنت ذاهبًا إلى مدينة أوروبيّة.
على سبيل المثال، قبل السّفر إلى ليبيا لتغطية الرّبيع العربي، أخذت معي سترة واقية من الرّصاص، ولوحات [دروع واقية للجسد]، وهاتفًا يعمل بالأقمار الصناعيّة. أخذت عدّة إسعافات أولية ولعلّني أخذتُ بعض المعدّات لتنقية المياه، مثل قشّة ترشيح صغيرة. خذ بطاريات إضافيّة، ومعدات للشحن من سيارة، وربما مصدرًا للطاقة الشمسية. من باب الاحتياط، حاول أن تكون مكتفيًا ذاتيًا قدر الإمكان.
احرص على أن تحمل بدائل للاتّصال. لحسن الحظ، انقضت الأيام التي كانت فيها مكالمات الهاتف عبر الأقمار الصناعية تكلّف 40 دولارا في الدّقيقة. يمكنك الآن الاتصال مقابل دولارين في الدّقيقة، أو يمكنك استخدام هذه الهواتف لبثّ صورك، ولكن المدهش في الأمر، أنك ستجد على الغالب تغطيةً للهاتف المحمول في كل مكان تذهب إليه تقريبًا.
الوصول
قد تكون مرافقة الصحفيين للقوّات أمرًا مثيرًا للجدل، لكنها مع ذلك وسيلةٌ أساسيّةٌ تمكّن المصورين من توثيق جرائم الحرب.
يمكنك ألّا تلفت الأنظار لنفسك. ولكن حتى لو كنت تستخدم جهاز آيفون فقط، فأنت ما زلت توجّه جهازًا نحو شخص ما، لذلك التّواري عن الأنظار أمر صعب.
مساعدة الفكسرز، المعروفين أيضًا باسم المنتجين المحليين، مهمةٌ للغاية، سواء من حيث مساعدتك في أشياء مثل ترجمة اللغة، وكذلك للوصول إلى القادة العسكريين أو شبه العسكريين والسياسيين وما إلى ذلك، وللحصول على إذن للوصول إلى الخطوط الأماميّة. من الضروريّ بناء علاقة مع أهالي المنطقة. قد يكون مفيدًا أن تعرّف بنفسك على أنّك صحفيّ غربي وأن تضع علامة PRESS مترجمة باللغة المحلية، في المواقف التي يدرك فيها الناس أنك طريقة لرواية قصتهم. ولكن قد يكون الأمر صعبًا أيضًا، لأنك تمثّل العالم الخارجيّ، وقد لا يرغبون في وجودك وشهادتك على ما يجري. في هذه الحالة، قد لا ترغب في حمل إشارة تدلّ على أنّك صحفيّ. كلّ موقف يتطلّب قواعده وتحليله الخاصّ.
يجب أن تجد طريقةً للوصول إلى الحدث – سواء كان ذلك شيئًا بسيطًا مثل مرافقة وحدةٍ عسكريّة غربية، وهي عملية قد تنطوي على الالتقاء بالقادة، وتتطلّب أن يكتب محررك رسالةً لتسهيل مهمتك. يعتمد الأمر أيضًا على العلاقات الشّخصيّة: من بناء علاقة جيّدة مع مسؤول صحفيّ في أوكرانيا، على سبيل المثال، أو أن تصبح صديقًا لوِحدةٍ عسكرية في أوكرانيا لتتمكن من العمل بشكل أكثر استقلاليّة.
هناك قواعد يمكن كسرها، وقواعد لا يمكن كسرها. ضمن حدودٍ واقعيّة، يمكنك ألّا تلفت الأنظار لنفسك. ولكن حتى لو كنت تستخدم جهاز آيفون فقط، فأنت ما زلت توجّه جهازًا نحو شخص ما، لذلك التّواري عن الأنظار أمر صعب. حسب عرقك وجنسك وما إلى ذلك، إمّا أن تتماهى مع من حولك أو أن تبرز بينهم، وعليك أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار. على المصوّرين الذين يعملون منفردين أن يفكّروا كيف تؤثّر تصوّرات الناس عنهم على علاقاتهم في الميدان، وعلى قدرتهم على العمل بفعالية في سياقات مختلفة.
نظر الكثير من الصحفيين والجمهور نظرةً سلبيةً إلى الصحفيين الذين رافقوا الوحدات العسكرية، كما رافق البعض وحدات في الجيش الأمريكي خلال حرب الخليج الثّانية. لكن المرافقة ضروريةٌ لما يريد كلّ مصور القيام به، سواء كان يريد قضاء بعض الوقت مع عائلة لاجئة، أو مع سياسي مرتبط بالصّراع. يجب أن تبقى حاضرًا ريثما ينسى المحيطون بك أنّك موجود، وحينها سيمارسون حياتهم بشكل طبيعيّ. على الغالب، هذه هي الطّريقة الوحيدة التي تمكّننا من مشاهدة جرائم الحرب عن قرب. عندما قضيتُ بعض الوقت مع نمور أركان في البوسنة، بإذن من القائد، كنتُ حاضرًا فقط. نعم، لم يكونوا يريدونني أن ألتقط بعض الصّور، ولكن لمجرد أنني كنت هناك، وكنت “واحدًا من مجموعتهم” وأوثّق ما كانوا يفعلونه، كانوا ينظرون إليّ بطريقة مختلفة.
لا ترافق أحدًا وقد وضعت ببالك فكرة: “سأرافقهم ريثما أمسك بهم وهم يرتكبون جريمة حرب”. بدلاً من ذلك، يجب أن تفكّر: “سأرى ما سيفعلونه، وسأوثّق كل ما يحدث أمامي”.
الأدوات
يتعاون مصورو الحرب مع بعضهم والتطبيقات التي تربطهم مهمةٌ
في السنوات القليلة الماضية، تمّ إطلاق مجموعات محدّدة على فيسبوك تضمّ صحفيين مختلفين، يساهم أعضاؤها بعلوماتهم وتجاربهم. خلال الحرب الروسيّة مع جورجيا، كان هنالك مجموعة مماثلة وكان الكثير من الصحفيين يتبادلون فيها معلومات مفيدة للغاية.
إذا انتقلنا الآن إلى أوكرانيا سنجد الآن تبادلاً متطورًا بشكل مدهش للمعلومات بين المصوّرين الصحفيين. وهذا يشمل أيضًا الحكومة الأوكرانيّة، أو النّشطاء المؤيّدين لأوكرانيا، حيث يقولون: “هذه المعركة بدأت هنا”، أو “سقطت القذائف للتوّ على هذا الحيّ”. كل هذا متاح من خلال مجموعات الواتساب المختلفة وقنوات التّلغرام ومجموعات السغنال . كانت هذه معلومات مفيدة للغاية لأوكرانيا،خاصةً خلال الشّهر الأوّل من الحرب، عندما تعرّضت أجزاء مختلفة من كييف للهجوم، وكان عليك الوصول إلى المكان بأسرع ما يمكن لتوثيق أثر الهجوم. مثل كل شيء، يجب أن تبدأ بسؤال زملائك وأقرانك عن هذه المجموعات، خاصّةً في عالم التّصوير الفوتوغرافيّ، وهو عالمٌ بالغ الكرم والفائدة لجيل الشّباب.
لن أعمل مع أيّ شخص، أو لن أقف حتّى بجانب أيّ شخص، في أي موقف محفوف بالمخاطر، إن لم يكن قد خضع للتّدريب اللازم للعمل في البيئات المعادية (HEFAT).
لدى لجنة حماية الصّحفيين ومنظمة مراسلون بلا حدود العديد من الخدمات التي تساعدهم، وتساعد قناة واتساب جديدة من لجنة حماية الصحفيين، تسمى Chat CPJ، المصورين خلال تقييم المخاطر، والتّدريب على السّلامة، ودعم ما قبل المهمة، وما إلى ذلك. هذا مفيد خاصة للجدد في المجال.
كما تتم مناقشة تقنيات وأدوات تصوير الصّراع وتدريسها خلال الدورات التي نقدمها في أكاديمية VII ، ورسومها الدراسيّة مجّانية.
الأمان
يعدّ التّعهيد الجماعي والتدريب على النّجاة – وخاصة إعادة التدريب العقلي – من أفضل ممارسات السلامة.
لن أعمل مع أيّ شخص، أو لن أقف حتّى بجانب أيّ شخص، في أي موقف محفوف بالمخاطر، إن لم يكن قد خضع للتّدريب اللازم للعمل في البيئات المعادية (HEFAT). هذه الدّورات (لدى لجنة حماية الصحفيين قائمة طويلة من مقدّمي خدمات HEFAT) ضرورية للغاية، وليس فقط لأهمية فهم الإسعافات الأوليّة للإصابات، (التي لا يعرفها معظم النّاس حقًا). يختلف هذا التّدريب اختلافًا كبيرًا عن فهم الحرب والصراع على التلفزيون والأفلام. قد ترى في الأفلام شخصًا يقول: “أوه، هنالك إطلاق نار، دعني أختبئ خلف باب السيارة هذا”، دون أن يدرك أن الرّصاص سيخترق باب السّيارة. هذه الدّورات التدريبية تعيد تدريب عقلك على البقاء على قيد الحياة. لذلك، عندما يتطاير الرصاص، لا تقف لترى من أين أتى، وهو ردّ فعل طبيعي عند كثير من النّاس، ولا تعبروا الأزقّة التي يطلّ عليها قناص واحدًا تلو الآخر، كما هو الحال في الأفلام.
وهذا ينطبق على أماكن مثل مخيمات اللاجئين أيضًا – في أيّ مكان ينتشر فيه الخطف أو الميليشيات- أنت بحاجة حقًا إلى تدريب من هذه التدريبات. هنالك منظّمات مثل Rory Peck Trust و ACOS Alliance التي تساعد المصوّرين المستقلّين في العثور على تمويل لهذه الدّورات. العديد من هذه الدورات توفّر مقاعد للعاملين لحسابهم الخاص، إما مخفّضة بشكل كبير أو مجانية، لذلك لا ينبغي التذرّع بأي سبب لعدم تلقّي هذا التدريب قبل الذّهاب إلى منطقة حرب.
لدى لجنة حماية الصحفيين الكثير من المصادر الجيّدة، مثل دليل نقل معدّات الحماية الشّخصية عبر الحدود. لكن المعلومات بالتوقيت الحيّ مهمةٌ للسّلامة، لذلك ثِقْ بالمعلومات التي تأتي من الفكسرز والزّملاء الصحفيين في مكان النّزاع.
هناك أيضًا جانب نفسيّ وعاطفيّ كبير للسّلامة. كشفت الدّراسات الأكاديميّة التي قادها الدّكتور “أنتوني فاينشتاين” وجود مستويات وتأثيرات مماثلة لاضطراب ما بعد الصدمة بين صحفيي الحرب والجنود والشّرطة. وقد ساعدت هذه النّتائج على إزالة وصمة العار عن اضطراب ما بعد الصدمة في غرف الأخبار. كما شجعت المديرين على إيلاء المزيد من الاهتمام للموظّفين العائدين من مناطق الحرب، وأن يكونوا أكثر وعيًا للمؤشّرات على اضطراب ما بعد الصدمة، وتقديم العلاج عند الحاجة. بصفتي شخصًا عانى من اضطراب ما بعد الصدمة، يمكنني القول إن العلاج مفيد للغاية، وليس مدعاةً للخجل، ولدى منظمات مثل مركز DART مصادر مهمّة لمساعدة الصحفيين على التّعامل مع هذه الآثار. يمكن أن يكون اضطراب ما بعد الصدمة تراكميًا – قد يستغرق الأمر خمس رحلات قبل أن تظهر علاماته – ولا يتطلّب الأمر رؤية الصّراع أو جرائم الحرب.
التعليقات التوضيحيّة (كابشن)
تقع مسؤولية شرح سياق الصّور على عاتق المصور الصّحفيّ.
يمكن أن يتعاون المصّورون مع المراسلين في التعليقات التوضيحيّة إذا كانوا معًا، لكن التّعليق التّوضيحي مسؤولية المصوّر تمامًا. التّعليقات التّوضيحيّة الدّقيقة والمشروحة ضمن سياقها مهمةٌ جدًا. أولاً، إن كان التعليق مضللاً فسوف يُساء فهم الصّورة. نحن مصورون صحفيون في نهاية الأمر، لذلك يجب أن يتضمن التعليق، إن أمكن، إجابةً على أسئلة من وماذا ولماذا ومتى وكيف. لا ينبغي أن يكون هنالك تخمين. إذا كان هنالك خلفية للحدث، فيجب إضافتها أيضًا حتّى يتّضح السّياق. من المرجح أن يتعرض العمل الذي نقوم به – خاصّة فيما يتعلق بجرائم الحرب – للهجوم على الفور من قبل شخص ما، مدّعيا أنّه غير صحيح، أو أن جماعته لم ترتكبه.
لا تغفل عن تحديث التعليقات التّوضيحيّة. في “بوتشا”، على سبيل المثال، كنتُ ضمن المجموعة الأولى من المصوّرين الذين وجدوا رجالاً مُعدمين خلف مبنى. كان العبور إلى “بوتشا” قد فُتح لتوّه، ولم يكن أحد يعرف حقًا ما حدث هناك، لذلك كتبنا ما كنّا نعرفه. في وقت لاحق، أجرتْ صحيفة نيويورك تايمز تحقيقًا مهمًا. تمكّنوا من تحديد هوية هؤلاء الرّجال، وعرفوا ما حدث لهم، وعلى يد من – وبالتّالي احتاجت تعليقاتنا الأوليّة إلى التّحديث لتضاف تلك المعلومات الجديدة التي تمّ التحقُّق منها.
إذا كنت مخطئًا في تعليقك – وكنت تعمل في خدمة إخبارية موثوقة ومؤسِّسة للسرد مثل أسوشيتد بريس أو رويترز أو وكالة الأنباء الفرنسيّة – فقد يكون من الصعب جدًا تصحيح المعلومات بمجرّد نشرها وإعادة نشرها. إذا كنت أوّل شخص من العالم الخارجي في مسرح جريمة حرب محتملة، فمن الضروري جمع أكبر قدر ممكن من البيانات الوصفيّة، اعتمادًا على المعدّات التي تستخدمها. إذا لم تكن كاميرتك قادرة على تحديد موقع GPS دقيق فاستخدم هاتفك لهذا الغرض، أو التقط ببساطة صورةً إضافية بهاتفك المحمول.
توثيق جرائم الحرب المحتملة
الهدف النّهائي هو تصوير الجّاني والضّحية في نفس الصّورة. لماذا؟
بالإضافة إلى قيمة الأدلّة والوعي العام، يمكن أن توفّر هذه الصّور أيضًا شكلاً من أشكال الحماية للضّحايا.
لم أقل يومًا لجندي: “هل تدرك أنّك ارتكبت جريمة حرب للتو؟” لكنني سأقول إن الجنود والمقاتلين شبه العسكريين غالبًا ما يشعرون وكأنهم يقاتلون من أجل قضية – على سبيل المثال، قضية قوميّة أو عائليّة أو دينيّة- ويعتقدون أن أفعالهم مبرَّرة.
فكرة استخدام الصّور الفوتوغرافيّة لتوثيق النشاط الإجرامي فكرةٌ ثانوية. بل إن المصورين هم عيون الجمهور، يوثقون ما نراه، للفت انتباه العالم إليه.
مع صورة التّطهير العرقي الذي كان يرتكبه جنديّ في البوسنة – عضو ميليشيا يركل امرأة تحتضر – أدركتُ أنه للدفاع عن هذه الصورة بصريًا، يجب أن يظهر في نفس الصورة أحد الجنود مع شارته بالإضافة إلى الضحايا. كنت آمل فقط أن ألتقط صورةً لهم بينما يسيرون بجانب الضّحايا. لم أتطلّع بالضّرورة لالتقاط صورة يظهر فيها وقد أرجع قدمه إلى الوراء متأهبًا لركل الضحية. لكن هذا كان جهدًا واعيًا، لضمان ألا يتمكّن أحد من إنكار المكتوب في التّعليق. إذا كان الضحايا يرقدون هناك فحسب، فلن يكون زعمي أقوى من زعمهم. بهذه الطريقة، ستكون المجادلة أصعب بكثير.
بالإضافة إلى قيمة الأدلّة والوعي العام، يمكن أن توفّر هذه الصّور أيضًا شكلاً من أشكال الحماية للضّحايا. اشتهرت الصّورةُ التي التقطتها – لنائب الرئيس المنتخب لبنما وهو يتعرض للضّرب على أيدي بلطجيةِ “مانويل نورييغا” – لدرجة أنّها حمت الضّحية “غييرمو فورد” إلى حدٍّ ما من التعرّض للمزيد من الهجمات.
أمن المعدّات والأدلة
تحميل الصّور بسرعة على السّحابة، والانتباه إلى ما تمّ نشره، أمران مهمان لحماية المصورين وما يتوصّلون إليه.
لقد غيّرت التكنولوجيا الرقميّة التّصوير الفوتوغرافي بكل تأكيد. عندما كنت أصور باستخدام الفيلم، في بعض النّزاعات كان الجنود الغاضبون يوقفونني لشكّهم بأنني كنت ألتقط الصّور. في بعض الأحيان، كانوا يخرجون الفيلم من الكاميرا، ويسحبونه من البَكَرة، ويرفعونه إلى الضوء، ثم يقولون “حسنًا، لا يوجد شيءٌ على هذا الفيلم”، ثم يعيدون الكاميرا، معتقدين أنني لم ألتقط أيّ صور على الإطلاق. لم يكونوا في أغلب الحالات يفهمون كيف يعمل التّصوير الفوتوغرافي.
عندما ظهرت الكاميرات الرّقمية لأول مرة، كنا نحذف الصّورة على شاشة الكاميرا – ولكن الآن، أصبح المقاتلون أكثر اطّلاعًا، وباتوا يعرفون أنه بإمكانك استعادة صورة محذوفة، لذلك صاروا الآن يأخذون كل شيء: كل كاميراتك وبطاقاتك الرقمية. كما أنهم يعرفون كيفيّة البحث على الإنترنت. لذلك، إذا كنت ترسل صورًا يومية إلى غرفة أخبار في مكان ما ويتم نشرها، يمكن للمقاتلين رؤيتها بسهولة. الآن، من الأفضل تحميل الصّور على السحابة، بمجرد وصولها إلى السحابة لا يعود من الممكن إزالتها أبدًا. ومع ذلك، هناك خطر أن تصادف شخصًا لا يحب عملك المنشور، وقد يكون من الصعب عليك أن تخرج نفسك من هذا المأزق.
عندما يتعلّق الأمر بالتنقّل في منطقة نزاع، يتعيّن على مصوري الصور الثّابتة عمومًا الاقتراب قليلاً من الحادث أكثر من مصوّر الفيديو – ولكن لدينا أيضًا مصورو فيديو يقفون بجوارنا في أصعب المواقف. لديهم أيضًا القدرة على استخدام الصوت، والذي من شأنه أن يجعل مشهدًا غير واضح بصريًا يظهر أكثر دراماتيكيةً. ومن الواضح أن كاميرا الهاتف المحمول سهّلت تصوير الفيديو في المواقف السرّيّة.
لتوثيق الاحتجاجات والحرب، ما زلنا نستخدم كاميرات انعكاس العدسة الأحادية الرقميّة التقليديّة (كاميرات DSLR). ولكن نظرًا لأن جودة كاميرا الهاتف الذكي عالية جدًا في الفيديو والصورة الثابتة، يمكن ألا تلفت النظر لنفسك إذ لن تحمل كاميرات كبيرة في وجوه أشخاص متوترين. أيضًا، يمكن أن يجعل طلبات مرافقة الوحدات العسكرية أسهل بكثير.
أنجزت فيلمًا قصيرًا خلال الربيع العربي في ليبيا، استخدمتُ فيه كاميرا DSLR للفيديو والصّور الثابتة، وجهاز آيفون للصّور الثابتة، وكنت أتنقّل بينهما، حسب الموقف.
الصّور المروّعة
من المهم الاستمرار في توثيق الفظائع – ولكن ابحث عن الصّور التي لن يتجاهلها الجمهور.
أنتبه كثيرًا إلى الطريقة التي أؤطر بها الصور من الناحية الجمالية. أنا مدركٌ تمامًا أن بعض الصّور العنيفة لجسم ممزق ليست شيئًا يمكن لمعظم الناس التّعامل معه.
قد يتطلّب نشر الأدلّة على جرائم حرب محتملة موازنةً دقيقةً، خاصّةً عندما توثّق أحداثًا مروّعة أو صادمة بشكل خاص. نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا صورةً قاسية لعائلة أوكرانية قتلت في “إيربين” على صفحتها الأولى. أشادت “لينسي أداريو“، التي التقطت الصورة بصحيفة التايمز لنشر الصورة في مكان بارز وأنا أتّفق معها، لقد كانت خطوةً شجاعةً جدًا من التّايمز وغير معتادة إلى حد ما بالنّسبة لوسائل الإعلام الأمريكيّة.
يجب أن توازن هذه القرارات بين الاحترام مع التأثير والثّقافة الإعلاميّة، وفي بعض الأحيان يتعيّن على المصورين الضّغط من أجل عرض الصورة في مكان يمكن لعدد أكبر من الناس رؤيتها فيه. ومع ذلك، عليك أن تتقبّل أن صور جرائم الحرب أو ضحاياها لن تُنشر كل يوم. وبعد ذلك يجب أن نقول: على المحرّرين أيضًا أن يكونوا حذرين للغاية حتى لا يعتادوا على الفظائع وأن يقولوا: “لقد رأى جمهورنا شيئًا مشابهًا الأسبوع الماضي، لذلك دعونا لا نتجشم عناء نشرها”. هذا فيه ازدراء بشكل لا يصدق، كما أنه ظلم للقصة – ويجب أن يكون: “لماذا يستمر قتل المدنيين هذا؟” تقع على عاتقنا كوسائل إعلام إخباريّة أن نذكّر النّاس يومًا بعد يوم بالأخطاء التي ما زالت تُرتكب.
لن أقول إنني أغير صوري تحسبًا لقرارات التحرير، لكنني أنتبه كثيرًا إلى الطريقة التي أؤطر بها الصور من الناحية الجمالية. أنا مدركٌ تمامًا أن بعض الصّور العنيفة لجسم ممزق ليست شيئًا يمكن لمعظم الناس التّعامل معه. حتّى لو تمّ نشرها، فقد ينتقلون بسرعة إلى الصّفحة التّالية، لأنّه أمر مروّع للغاية. إذا حدث ذلك، فقد فشلت الصورة تمامًا. لذا، فإن الصورة الناجحة في تصوير ما يمكن أن يكون جريمة حرب، ستجد اللحظة المناسبة التي سينجذب فيها القارئ إلى تلك الصورة، مما يجعلها أكثر قوّة. أريد أن تكون هنالك علاقة بين المشاهد والصورة. الجانب الآخر بالنسبة لي هو أنني اتُّهِمت بإنتاج “بورنو الحرب”، وأنا أفهم النّقد، لكنني لا أتّفق معه. أحرص على أن ينظر المشاهِدُ إلى الصور، لأنه إن لم ينظر فما الجدوى منها؟
تأثير مصوِّرات الحرب
هناك نساء يقمن بنفس العمل أو بعملٍ أفضل في الصّراع من الرجال، بعد أن كان التّصوير الصّحفيّ في الحرب – خاصةً في فيتنام والحرب العالمية الثانية، مع بعض الاستثناءات الرائعة – ميدانًا لطالما هيمن عليه الرجال. الآن، يُسمع الصّوت الأنثوي في هذا الفضاء حقًا، أو للدقة: يُرى من خلال عمل أشخاص مثل “لينسي أداريو” و”هايدي ليفين” و”كارول جوزي“، التي فازت بأربع جوائز بوليتزر، أكثر من أيّ مصور صحفي آخر. هؤلاء مصورات رائعات، يواجهن بعض التّحديات الفريدة ويتمتعن بمنظور فريد. في العالم الإسلامي، على سبيل المثال، يمكنهن رؤية عالمٍ يحظر على الرجال دخوله، ولكن في الوقت نفسه، قد تتعرضن لمعاملة سيئة للغاية في المجتمعات الأبويّة. من ناحية أخرى، يشكّل الاعتداء الجنسي والعنف تهديدًا أكبر بكثير للمصوّرات الصحفيات، ويمكن أن يتطلب تقييمًا مختلفًا تمامًا للمخاطر عن نظرائهن من الرّجال.
في أكاديمية VII، الذراع التعليمي لمؤسسة VII، نحاول أن نساوي بين طلابنا من ذكور وإناث وغير ثنائيين، وهو ما فعلناه لمساعدة الجيل القادم، لذلك يجب أن يكون عالم التصوير الصحفي أقرب في التّوازن.
التدخُّل
كن “نصيرًا” ولا تكن “متفرجا” إذا استطعت – لكن مساعدة الضّحايا قرار متعلّق بتقييمك الشخصي للخطر.
أول شيء فعلوه هو إخراج كل منشور استخدم الصور التي صورتها لابنهم، وقالوا: “شكرًا لك لأنك أعطيت معنىً لموته”.
لا توجد قاعدة محدّدة للتدخُّل. ستوثّق مواقف فاصلة بين الحياة والموت، ويمكن أن تؤثّر عليها، ولكنها قد تعني حياتك أو موتك أيضًا. عليك أن تصدر حكمًا على ما يمكنك – وما لا يمكنك – فعله، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي مخاطرك الشخصيّة المضافة؟ تمكّنت في بعض المواقف من مساعدة الناس – في هايتي وأفغانستان، على سبيل المثال – وفي بعض المواقف لم أتمكن من فعل أيّ شيء. وفي هذه المواقف أنا مصممٌ على أنني استطعت على الأقل أن أوثّق ما حدث.
على سبيل المثال، عندما رافقتُ نمور أركان الصربية في بلدة “بييليينا” الحدوديّة في البوسنة سنة 1992، قمت بتصوير رجل مسلم مقدوني ألباني يدعى “هجروش زيبيري“، والذي أصبح واحدًا من أوائل السجناء في حرب البوسنة. طُرِح أرضًا، ورفع يديه، وطلب مني، بصمت، أن أساعده. لم يكن بوسعي فعل أيّ شيء. في نهاية المطاف اقتيد إلى مبنى، ثم سقط أو ألقى به أحدهم من النّافذة، وسقط عند قدميّ، ثم اقتيد إلى منزل، ولم أره مرةً أخرى. بحثت عنه في المستشفى في اليوم التّالي. بعد اثني عشر عامًا، تم التعرّف على رفاته بواسطة الحمض النّووي. عندما ذهبتُ لزيارة عائلته لشرح ما حدث، توقعتُ أن يكونوا غاضبين لأنّني لم أساعده، أوّل شيء فعلوه هو إخراج كلّ منشورٍ استخدم الصّور التي صوّرتها لابنهم، وقالوا: “شكرًا لك لأنك أعطيت معنىً لموته”.أعتقد أن هذا شيء لا يصدَّق. لقد شعروا ببعض الأثر، وفي الواقع ، كانت الصور جزءًا من سلسلة صور استُخدمت في محكمة لاهاي كدليل على ارتكاب جريمة حرب.
دراسات الحالة
تزايد خطر الاعتداء الجنسي على المصوِّرات
لا يزال التّمييز والاعتداء الجنسي يشكلان خطرًا أكبر على المصوّرات الصّحفيات. خلال الهجمات الواسعة على الصّحافة أثناء احتجاجات الرّبيع العربي في مصر، شهدتُ على حالات من العنف الجنسي. أتذكر كيف اضطررتُ أنا وزميلي “كريس هوندروس” إلى حماية مصوّرة حتى تتحرك وسط الحشود بأمان، لأن الرجال كانوا يتحرّشون بها.
مرافقة الوِحدات في الحرب في أوكرانيا
إذا نظرتَ إلى تغطية صحيفة نيويورك تايمز في أوكرانيا، فإن العديد من مصوريها – “تايلر هيكس” ، و”ديفيد جوتنفيلدر”، و”ماوريسيو ليما” – يقضون وقتًا مع وحدات معيّنة يوما بعد يوم، أو يعلمون على قصة تركز على محطات الإسعافات الأولية الطبية ،لأنهم يعتقدون أنّها مهمة، حتى لو كان ذلك يعني فوات فرصة التقاط صور أخرى في مكان آخر. هناك أيضًا عددٌ من المصورين المستقلين الذين يقضون شهورًا من وقتهم – يعيشون مثل الجنود ويوثّقون تلك الظروف. لا يُدفع لهم كلّ يوم، لكنهم سيحصلون في النّهاية على قصّة يعتقدون أنه من المهم أن تُروى.
كيف يمكن لتدريب HEFAT أن ينقذ الأرواح
RISC (تعليمات المراسلين في إنقاذ الزملاء) هو برنامج أنشأه “سيباستيان جونجر” لتدريب الصحفيين المستقلين خصيصًا. أسس “جونجر” RISC بعد وفاة المصور “تيم هيذرينجتون” في ليبيا لأنه كان من الممكن للصحفيين الذين كانوا حول “تيم” ان ينقذوا حياته، لكنهم لم يكونوا على دراية بكيفية تقديم الإسعافات الأولية الأساسيّة. تساعدك هذه الدورات أيضًا على تصوُّر وفهمِ تجربةِ العمل في منطقة حرب.
رون هافيف، هو مدير ومؤسس مشارك لمؤسسة VII ومؤسس مشارك لوكالة VII Photo Agency. في العقود الثلاثة الماضية، غطت هافيف أكثر من خمسة وعشرين صراعًا وعملت في أكثر من مائة دولة. أعماله، التي فازت بالعديد من الجوائز، معروضة في المتاحف والمعارض في جميع أنحاء العالم.