يتم إحضار الجثث التي تم جمعها من مواقع مختلفة إلى المقبرة لجردها بينما تحقق السلطات في جرائم حرب محتملة في مدينة بوتشا. كييف، أوكرانيا، 6 أبريل 2022. الصورة: بإذن من رون هافيف، VII
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: البحث في المصادر المفتوحة
إقرأ هذه المقال في
دليل مصادر
دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: مقدّمة
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: الهجمات على المدنيين
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: هياكل القيادة
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: تعقُّب مجرمي الحرب
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتّحقيق في جرائم الحرب: العثور على المفقودين
دليل فصل مصادر
دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب: الأمن المادي والرقمي
ملاحظة من المحرر: هذا المقال هو الجزء الأوّل من دليلِ الصّحفيّ للتحقيق في جرائم الحرب والذي تعدّه الشّبكة العالميّة للصّحافة الاستقصائيّة. سيناقش “سام دوبرلي”، المشارك في تأليف الدّليل، ومديرة البرامج في الشّبكة العالميّة للصّحافة الاستقصائيّة “آن كوخ” أجزاء من هذا الفصل في حلقة نقاشيّة بعنوان “التّحقيق في جرائم الحرب” في مهرجان الصّحافة الدولي في بيروجيا، إيطاليا، في 20 نيسان 2023. وسيصدر الدّليل بالكامل في أيلول المقبل في المؤتمر العالمي للصّحافة الاستقصائيّة.
في 15 آب 2017، أصدرت المحكمة الجنائيّة الدّوليّة مذكّرة توقيف بحقّ “محمود مصطفى بوسيف الورفلي” – قائد كتيبة الصّاعقة التّابعة للجيش الليبي – متّهمةً إيّاه بارتكاب أو الأمر بارتكاب 33 جريمة قتل بين عامي 2016 و2017. تمّ تصوير سبعة من هذه الوقائع في سبعة مقاطع فيديو نُشرتْ على حسابات على وسائل التّواصل الاجتماعي، وكانت دليلاً أساسيًا استندت عليه المحكمة في اتّهام “الورفلي” بالقتل كجريمة حرب بموجب المادة 8 (2) (ج) (ط) من نظام روما الأساسي. لقد استندتْ مذكّرةُ التّوقيف هذه فعليًا إلى معلوماتٍ مفتوحةِ المصدر. رغم أن “الورفلي” لم يُعتقل على الإطلاق ولم يدخل قاعة المحكمة (قُتل بالرصاص في بنغازي على يد مسلّحين مجهولين سنة 2021)، إلا أنّ هذه الحادثة تُعتبر من أوائل الحالات التي تقرّ بإمكانيّة استخدام المعلوماتِ مفتوحةِ المصدر كدليلٍ للإجراءات القانونيّة المتعلّقة بانتهاكات القانون الإنسانيّ الدّوليّ أو الجرائم الدّوليّة، وهي: جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة والإبادة الجماعيّة.
استخدم الصّحفيّون بكل تأكيد الأبحاث مفتوحة المصدر لسنواتٍ قبل صدور مذكّرة التّوقيف هذه. غطّت المؤسّسات الإخباريّة الهجمات الإرهابيّة في لندن في عام 2005 ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى مقاطع الفيديو التي صوّرها شهود عيان في المواصلات العامّة في لندن. اكتسب هذا الاتّجاه زخمًا في أوائل سنة 2010 مع احتجاجات الرّبيع العربي في تونس ومصر، والصّراعات في ليبيا وسوريا التي تمّ تصويرها ومشاركتها على وسائل التّواصل الاجتماعي بفضل حسّاسات الكاميرات الرّخيصة على الهواتف المحمولة واتّصالات الإنترنت السّريعة عبر الهاتف المحمول. في الوقت نفسه، أطلقت الشركات التّجارية الأولى أيضًا أقمارًا صناعيةً قادرةً على التقاط صور للأرض بدقة أقلّ من متر واحد (حوالي 3.3 قدم). ومع انخفاض تكلفة الوصول إلى هذه الصّور، تزايد استخدامها في غرف الأخبار لتحليل المواقع النّائية. بدأت المؤسسات الإخباريّة في جمع المحتوى الذي يُنشر على شبكات التّواصل الاجتماعي واستخدامه في سرد القصص. عندما بات واضحًا أن هنالك حاجة للتحقُّق من صحّة هذا المحتوى، أصبح من المهم لفرقِ غرفِ الأخبار أن تكون ماهرةً في التحقُّق.
خلال السّنوات الأولى من النزاع السوري، أصبح من الواضح أن المعلومات مفتوحة المصدر لا يمكن استخدامها فقط لرواية القصص الإخباريّة، بل يمكن أن تلعب دورًا أيضًا في التّحقيق في انتهاكات القانون الإنسانيّ الدّوليّ وجرائم الحرب المحتملة. لم يكن هذا شيئًا جديدًا. وكما أشارت “أليكسا كوينيغ” و”داراغ موراي” و”سام دوبرلي” في كتابهم الصّادر عام 2019 بعنوان “الشّاهد الرّقمي“، تم عرض مقاطع فيديو في قاعة المحكمة الجنائيّة الدّوليّة ليوغوسلافيا السّابقة. على مدى العقد التالي، تم تقنين هذه الممارسة الاستقصائيّة من خلال المعايير النّاشئة وممارسات التّدريب، مثل بروتوكول بيركلي بشأن التّحقيقات الرّقميّة مفتوحة المصدر (تمّ تحديثه في عام 2022) من قبل مفوضيّة الأمم المتّحدة السّامية لحقوق الإنسان (OHCHR)، وهو متاح حاليًا باللغتين الإنجليزية والرّوسيّة. واليوم، تستخدم غرف الأخبار ومنظّمات حقوق الإنسان والبعثات الدّوليّة لتقصّي الحقائق والآليات القانونيّة الدّوليّة التي تحقّق في انتهاكات القانون الإنساني الدّولي والجرائم الدّولية المعلومات مفتوحة المصدر كجزءٍ اعتياديّ من عملها.
إيجابيّات وسلبيّات البحث مفتوح المصدر
المزايا
عندما يتعلّق الأمر بالتّحقيق في انتهاكات القانون الدّولي الإنسانيّ أو الجرائم الدّوليّة، يمكن أن توفّر المعلومات مفتوحة المصدر طريقةً قيّمةً للغاية لإثبات الحقائق عند استخدامها مع مصادر أخرى، مثل الزّيارات الميدانية والمقابلات. يمكن أن تساعد المعلومات مفتوحة المصدر في إثبات الحقائق المتعلّقة بمجموعة واسعة من الحالات في سياق النّزاع المسلح. وتشمل التّحقيقات في الهجمات على المدنيين والمنشآت المدنيّة، وأنواع الأسلحة المستخدمة في تنفيذ الهجمات، والتّحقيقات في أعمال الجناة، أو التّحقيقات في ما إذا كانت بعض الهجمات ضد المدنيين واسعة النّطاق أو منهجيّة – وهي سمة أساسيّة للجرائم الدّوليّة ضدّ الإنسانيّة.
المعلومات مفتوحةُ المصدر أداةٌ مهمّة لإثبات العديد من الحقائق فيما يتعلق بكلّ هذه الأبعاد. فيما يتعلّق بالهجمات على المدنيين أو المنشآت المدنيّة، على سبيل المثال، يمكن أن تساعد المعلومات مفتوحة المصدر التي تمّ جمعها من الصّور ومقاطع الفيديو وصور الأقمار الصّناعية المتعددة في تحديد موقع ووقت الحدث، وعدد الأشخاص الموجودين في الموقع، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين أو جهات أخرى متورطة، والأهداف العسكريّة المشروعة المحتملة أو حجم ونطاق النّتائج الملحوظة للعمليّات العسكريّة على الأرض. وفي حالات الانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني الدّولي أو عمليّات القتل غير المشروع والتّعذيب، من المعروف أن الجناة أنفسهم، أو شركاءهم، يصوّرون ويتبادلون مقاطع فيديو لأفعالهم على تطبيقات المراسلة على وسائل التّواصل الاجتماعي. وتشكّل هذه أيضًا معلومات مفتوحة المصدر وقد تكون دليلاً مهمًا لإثبات أن فردًا ما ارتكب فعلاً ينتهك القانون الإنساني الدولي، وأيضًا لإثبات النية الإجراميّة للجناة أو رؤسائهم اللازمة لإثبات جريمة دوليّة.
وكثيرًا ما يتمّ تصوير الأنشطة العسكريّة، بالأخصّ في المناطق الحضريّة، بواسطة كاميرات الهواتف المحمولة أو تكون مرئيّةً في صور الأقمار الصناعيّة – مما يوفّر معلومات مهمة يمكن أن تلعب دورًا في فهْمِ ما حدث. وهنا، يمكن أن تساعد المعلومات مفتوحة المصدر في الإجابة على السؤال التّالي: “هل ينبغي التقصّي أكثر عن هذا الحادث باعتباره انتهاكًا محتملاً للقانون الإنسانيّ الدّوليّ، أم أنه يبدو أنه هجومٌ عسكريّ مشروع؟” على سبيل المثال، إذا كانت المعلومات مفتوحة المصدر قادرةً على دعم الملاحظة القائلة بأن هدف الهجوم كان هدفًا عسكريًا بسبب الوجود العسكري الذي يمكن تحديده بوضوح في موقعٍ ما، فقد تؤدّي هذه النتائج الفوريّة إلى عدم المضيّ قدمًا في التّحقيق في الانتهاك المحتمل للقانون الإنسانيّ الدّولي. غير أن هذا النّوع من الاستنتاجات يتطلب دائمًا مشاورات مع خبراء القانون الإنسانيّ الدّولي. إذا كان هناك ما يبرر إجراء مزيد من التّحقيق، بناء على التحليل الأولي ، يمكن أن تساعد المعلومات مفتوحة المصدر أيضًا في التّوصّل إلى قرار بأن الحادث يمثل انتهاكًا واضحًا أم لا.
يمكن للصّحفيين استخدام المعلومات مفتوحة المصدر للبحث عن عدد من التفاصيل المهمة، منها:
– الوحدات والنّشاط العسكري. هل يظهر الأفراد العسكريّون الذين يرتدون الزّي الرسمي في مقاطع الفيديو أو الصّور؟ هل يمكن التعرُّف على الزي الرسمي والشّعارات والمعدّات؟
– أهداف عسكريّة محتملة. بمجرّد تحديد موقع العمليّة العسكريّة، يمكن أن تكون المعلومات مفتوحة المصدر دليلاً مفيداً يساعد في تحديد ما إذا كانت الأهداف العسكريّة المحتملة في موقع الهجوم أو بالقرب منه. مع المهارات المناسبة، من الممكن تحديد الأهداف العسكريّة باستخدام أدوات رسم الخرائط وصور الأقمار الصناعيّة عالية الدّقة للتحقُّق من المجمّعات أو المنشآت العسكريّة، وكذلك التعرُّف على المركبات العسكريّة الكبيرة مثل الشّاحنات والدّبابات والمركبات المدرَّعة الأخرى والطّائرات.
– النّشاط المدنيّ. أين وقع الهجوم – في حيّ سكنيّ أو نقطة إخلاء أو مبنى سكنيّ أو مستشفى أو في أيّ مكان آخر؟ هل هناك مدنيون يمكن رؤيتهم، مثل الأطفال أو كبار السّن؟ ماذا يفعلون؟ هل يمكنك إحصاء عدد المدنيين سواء كانوا أمواتًا أو أحياء يمكن رؤيتهم في معلومات المصدر المفتوح؟
– التعرُّف على الأسلحة. يمكن لضحايا الهجمات الذين صوّروا المشهد في كثير من الأحيان نشر صورٍ لبقايا الأسلحة أو غيرها من العتاد العسكري على الإنترنت. وهذه قد تشمل شظايا القذائف أو الصواريخ، وخراطيش الرّصاص، والذّخائر العنقودية الصغيرة، وتغليف الذخائر، وما إلى ذلك. يمكن أن يساعد التعرُّف على هذه الأسلحة لمعرفة ما إذا كان الهجوم متكافئًا أو ما إذا كان عشوائيًا.
– الإصابات وعلم الأمراض الجنائي. من المعروف أن تحديد أسباب الوفاة أمرٌ صعب باستخدام المعلومات مفتوحة المصدر، ويجب أن يتم ذلك بعناية، وفقط بالرجوع إلى خبراء في علم الأمراض الجنائيّ. وبالرغم من محدودية المعلومات التي يمكن لهؤلاء الخبراء التأكُّد منها من مقطع فيديو، إلا أنه قد يساعد، على سبيل المثال، في تحديد علامات التّعذيب، أو تحديد مجموعة من الاحتمالات لسبب الوفاة، أو استبعاد الاحتمالات الأخرى. ومع ذلك، يجب التّعامل مع أي تحليل هنا بحذر واستخدامه، بشكل رئيسي ، لتأكيد المعلومات الأخرى الموجودة لدى الصّحفي.
– الحالة السّابقة لموقع الهجوم. يمكن أن تساعد المعلومات مفتوحة المصدر في تحديد ما إذا كان هناك نشاط مدنيّ معروف أو معلومات كان يجب أن يكون القادة العسكريون على علم بها قبل النّشاط العسكري، أو إذا كان الموقع يُستخدم لغرضٍ عسكريّ قبل الهجوم. على سبيل المثال، مكنت صور الأقمار الصناعيّة التّاريخية الصحفيين من تبيُّن كلمة «Дети» (“أطفال”) التي كُتبت خارج مسرح الدّراما في مدينة “ماريوبول” في أوكرانيا في الأيام التي سبقتْ غارةً جويّة دمّرت المبنى الذي يؤوي مئات المدنيين في مارس 2022. وقد شجبت بعض جماعات حقوق الإنسان الدّوليّة هذا الهجوم باعتباره جريمة حرب محتملة.
العيوب
يجب على الصحفيين أن يتتبعوا كلمات التّحذير عند استخدام المعلومات مفتوحة المصدر للتّحقيق في انتهاكات القانون الإنسانيّ الدّولي أو الجرائم الدّوليّة. رغم أن تقنيات المصادر المفتوحة تُعدُّ الآن تقنيةً مقنعةً لسرد القصص في حد ذاتها، يجب على الباحثين تجنُّب الاعتماد عليها فقط وبدلاً من ذلك ينظرون إلى هذه التّقنيات على أنها جزء واحد فقط من عمليّة التّحقيق الأكبر. لكي تلعب المعلومات مفتوحة المصدر دورها، يجب على الصّحفيين التّعاون مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، المحقّقين في الموقع، وخبراء الأسلحة، والأخصائيين الجنائيين، والمحامين.
يجب على الصّحفيين أيضًا أن يدركوا القيود المفروضة على التّحقيقات مفتوحة المصدر. على سبيل المثال، فائدةُ هذه التّقنيات محدودة في تحديد نوع المعلومات التي كانت متاحةً للعسكريين في الوقت الذي قرروا فيه الهجوم. وبالمثل، فهي لا تساعد كثيرًا في فهم نوع المكسب العسكريّ المنشود خلال عمليّة استهداف واحدة أو سلسلة من عمليات الاستهداف، وهي عناصر ضروريّة عند إثبات وجود أنواع معيّنة من الجرائم الدّوليّة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الصحفيين النّظر في الأسباب القانونيّة أو الأخلاقيّة المهمّة التي قد تكون سببًا لعدم نشر المعلومات مفتوحة المصدر. وقد يحظر القانون الدّولي الإنساني استخدام هذه المعلومات علنًا (مثل استخدام الصّور ومقاطع الفيديو التي تحدّد هوية أسرى الحرب علنًا) أو قد تكون هناك مخاوف فيما يتعلق بعدم الخضوع للمعاملة اللاإنسانية أو المهينة أو الحق في الخصوصية للأفراد الذين يظهرون في الفيديو. إلى جانب ذلك، ومن الاعتبارات الأخلاقيّة، الخطر على الأفراد الذين تم القبض عليهم والذين يتم تحميل أو تصوير أشباههم في معلومات مفتوحة المصدر إذا تم نشر المحتوى من قبل مؤسسة إخبارية. يجب أن يتذكر الصّحفيون أيضًا أنه حتى في النزاعات المسلّحة، قد تنطبق اعتبارات حقوق النشر إذا كان المحتوى سيستخدم في العمل الصحفيّ.
بصرف النّظر عن هذه القيود على المعلومات مفتوحة المصدر بشكل عام، هنالك أيضًا قيود فنية.
جودة الصّورة. الصور ومقاطع الفيديو التي تُنشر على وسائل التّواصل الاجتماعي من تُضغط مما يخفّض جودتها الأصلية. وهذا يعني، على سبيل المثال، أنه قد يكون من الصّعب، إن لم يكن من المستحيل، التّحقُّق من الشّعارات أو الحروف على الزّي الرّسمي لوحدة عسكريّة، أو التمييز بين الأسلحة والأدوات الزّراعية، على سبيل المثال.
التّحليل الخاطئ. التّحليل الجغرافي المكاني هو مجال من مجالات البحث مفتوح المصدر التي تتطلّب تدريبًا لإجرائها بشكلٍ صحيح. وهو مجالٌ يمكن أن تؤدّي فيه المعرفة القليلة إلى استنتاجات خاطئة. لذلك، من المهم أن يفهم المحقّقون حدود ما هو مرئي في صورة القمر الصناعي وأن يكونوا قادرين على تحليل ما يرونه بشكلٍ صحيح. على سبيل المثال، من المهم أن يفهم الصّحفيون أن الأرض المنبوشة التي تُرى من الفضاء لا تعني تلقائيًا دليلاً على وجود مقبرة جماعيّة. يمكن أن تتحرّك الأرض لأسباب عديدة، ويمكن أن تتكوّن الحفر بسبب حوادث أخرى وقعت قبل الهجوم المزعوم.
نصائح وأدوات
العقلية أهم من مجموعة الأدوات
بينما نوضح أدناه نصائح وأدوات لاستخدام منصّاتٍ مفتوحة المصدر للتّحقيقات، فإن أحد أكبر تحدّياتِ استخدامِ المعلوماتِ مفتوحةِ المصدر هو أن أدوات وطرق البحث والتّحقُّق يمكن أن تتغير بسرعة كبيرة. هذا في الغالب لأن الكثير من هذه الأدوات مجانية، وتوفّرها منصّات التّواصل الاجتماعي نفسها. الأهم من الاعتماد على الأدوات هو أن يتمتّع الصحفيُّ بعقليّةِ محقّقٍ في المصادر المفتوحة. وهذا يعني أن تكون مبدعًا في إيجاد الحلول والتعلُّم المستمر والتّفكير بطرقٍ جديدة لإجراء البحوث أو جمع المعلومات. بدون هذه العقليّة، ستذوي مهارات المحقِّق مفتوح المصدر بسرعة.
البحث عن المحتوى
تتمتّع كلُّ واحدةٍ من منصّات التّواصل الاجتماعيّ بشعبيّةٍ متباينة بين مناطق العالم. لذلك، تتمثّل الخطوة الأولى المهمّة لفهم أنواع المعلومات مفتوحة المصدر التي قد تُنشر وكيفية عمل وظائف البحث للمنصّات المحلية المفضّلة. على سبيل المثال، في الصراع في أوكرانيا كانت منصّة تلغرام المنصّة الأهم إلى حدٍّ بعيد لاكتشاف النصوص والرسائل ومقاطع الفيديو والصّور التي نشرها الشهود والعسكريّون والمسؤولون الحكوميون. يمكن العثور على المعلومات المتعلّقة بتلك الحرب وكذلك الحوادث الفردية باستخدام مزيج من الكلمات المفتاحيّة الإنجليزيّة والأوكرانيّة والرّوسيّة. أنشأت المدن والبلدات في جميع أنحاء أوكرانيا قنوات Telegram التي تعمل كمجمعات حيث ينشر السكّان المحليون المحتوى الذين يريدون مشاركته. (ملاحظة: تمّ التنبيه من بعض هذه القنوات المحلية باعتبارها روبوتات أو مواقع تضليل روسيّة محتملة.) من خلال تحديد قنوات التّجميع هذه، تمكّن الصحفيون من جمع كمّياتٍ كبيرة من مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية التي تظهر قتلى أو جرحى مدنيين، وبنية تحتيّة مدنية مدمَّرة، وبقايا ذخائر، وتمكّنوا من التحقُّق منها.
جمع المحتوى
بالنّظر إلى حجم الصّور ومقاطع الفيديو المنشورة الآن على وسائل التّواصل الاجتماعي من النزاعات في جميع أنحاء العالم، فإن ضمان طريقةٍ قويّةٍ لجمع المعلومات وتحليلها أمرٌ بالغ الأهميّة. الفشل في ذلك يمكن أن يؤدّي بسرعة كبيرة إلى الشعور بالارتباك أو الإرهاق. رغم وجود أنظمةٍ لإدارة المحتوى صُمّمت للتّحقيقات مفتوحةِ المصدر، مثل True Media من Deutsche Welle أو Uwazi من HuriDocs، إلا أن من الممكن فعل الكثير من خلال جدول بيانات مصمّمٍ جيّدًا على Excel أو Google. تمكّن هذه الجداولُ الباحثَ من فرز البيانات بسهولة أكبر وإجراء تحليل على العناصر المنفردة، مما يمكّنه من اتّخاذ قرارات بشأن الأسلحة وأنماط الانتهاكات وما إلى ذلك.
أرشفة المواد
غالبًا ما تكون مقاطع الفيديو والصور التي تصور جرائم حرب، بطبيعتها، عنيفةً أو مزعجةً أو مؤلمة. لذلك ليس من المستغرب أن تختفي هذه المقاطع والصّور بسرعة عن المنصّات التي نُشرتْ عليها لعدّة أسباب. (تحظر شروطُ معظم شبكاتِ التّواصل الاجتماعي مشاركةَ المحتوى العنيف أو المزعج، مما يعني أن المنشورات المسيئة غالبًا ما تتم إزالتها بواسطة المنصّة نفسها) لذلك من الضّروري الحفاظ على المحتوى على الفور عند البحث عن الحوادث. أدوات مثل Internet Archive أو archive.today جيّدة للحفاظ على الصّور الفوتوغرافيّة أو النّصوص المنشورة على مواقع الإنترنت، والميزة أنّها تُحفَظ بعد ذلك للباحثين الآخرين أيضًا. ومع ذلك، تتطلّب مقاطع الفيديو حاليًا أن يخزّنها الباحثون بأنفسهم. المطّلعون على واجهات سطر الأوامر (Terminal command-line interfaces) يمكنهم استخدام أداة مفتوحة المصدر تسمّى YouTube-DL للاحتفاظ بمقاطع الفيديو. إذا كانت إحدى المؤسسات تستخدم الكثير من مقاطع الفيديو مفتوحة المصدر، فقد يكون من المفيد إنشاء واجهة مستخدم لـ YouTube-DL تحفظ المحتوى على خوادم المؤسّسة لأسباب أمنية. (ملاحظة: واجه YouTube-DL إغلاقات في الماضي بسبب شكاوى حقوق الطّبع والنشر المزعومة، ومؤخرًا قضت محكمة ألمانية بأن مضيف موقع الأداة قد يكون مسؤولاً عن انتهاكات حقوق المحتوى.)
التحقُّق من المعلومات مفتوحة المصدر
الإخفاق في التحقُّق من المحتوى مفتوحِ المصدر قد يترافق مع مخاطر عالية جدًا – ولا يوصى به. ويزداد هذا الخطر عند تقديم ادّعاءات حول أخطر التهم، مثل انتهاكات القانون الإنسانيّ الدّوليّ أو جرائم الحرب. لقد كُتبَ الكثير عن عمليات البحث العكسي عن الصور، والتحقُّق من البيانات الوصفيّة، وتحديد الموقع الجغرافي، وتحديد الموقع الزّمني، وكلّها أساسيّة لعملية التّحقُّق وتنطبق كلّها على هذا السياق. لكن التّحقيق في أنشطة الأطراف المتحاربة يحتاج إلى المزيد من خطوات التحقُّق. على سبيل المثال، إذا تم تحديد الموقع الجغرافي، فإن الأدوات التي ينشئها المستخدمون والتي ترسم خرائط المنشآت العسكرية مثل Open Street Map أو Wikimapia يمكن أن تساعد في تحديد ما إذا كان الهجوم الموثّق الذي أدّى إلى سقوط ضحايا مدنيين قريبًا من هدفٍ عسكريٍّ مشروع. تصف منصّة Camopedia نفسها بأنها قاعدة بيانات لـ “أنماط التّمويه العسكرية وشبه العسكريّة الرّئيسيّة التي تم استخدامها في جميع أنحاء العالم منذ بداية القرن العشرين” وهي ضروريّة للتحقُّق مما إذا كان الزّيّ العسكريّ الذي يظهر في جزء من المعلوماتِ مفتوحةِ المصدر يتوافق مع جيش البلد الذي يُفتَرض أنّهم منه.
دراسات الحالة
“أرسلنا الحلوى”: أشرطة قمرة القيادة تُظهر طيّارين الروس يقصفون المدنيين السوريين – نيويورك تايمز
استخدم تحقيق “نيويورك تايمز” لعام 2019 معلومات مفتوحة المصدر، بما في ذلك تحليل الفيديو وصور المُسيَّرات والتّسجيلات اللاسلكيّة لقمرة القيادة، لإظهار أن طياري القوّات الجويّة الرّوسيّة كانوا مسؤولين عن الغارات الجويّة التي قتلت مدنيين بشكل غير قانوني في مخيّمٍ للعائلات السّوريّة النّازحة في عام 2019. أمضى الفريق في صحيفة التايمز شهورًا في فك رموز تسجيلاتِ قمرةِ القيادة للطيّارين الذين يزعم تورّطهم في الهجوم.
الموت في المحطّة: هجومٌ روسيٌّ بالذّخائر العنقوديّة في كراماتورسك — هيومن رايتس ووتش وأبحاث SITU
قامت منظّمة هيومن رايتس ووتش ووكالة التّحقيقات البصريّة SITU Research ومقرها مدينة نيويورك بإعادة بناء هجوم الذّخائر العنقوديّة على محطة قطار في “كراماتورسك” شرق أوكرانيا، في أبريل/نيسان 2022. وفضح تقريرهم مزاعم وزارة الدّفاع الروسية بأن قواتها المسلّحة لم تنشر السلاح في ساحة المعركة الأوكرانيّة. واقترنت المعلومات مفتوحة المصدر والتّحليل الجغرافي المكاني بالبحوث الموقعية لتقديم أدلة دامغة على أن: المحطة كانت مركزًا معروفًا لإجلاء المدنيين؛ وأن القوّات الروسية قد نشرت هذا السلاح. وأن الذّخائر العنقوديّة ألحقت الضّرر بالمدنيين.
رصاصتان تكفيان – سي إن إن الدولية ومنظّمة العفو الدّولية
لإظهار قوة التّعاون في التّحقيقات مفتوحة المصدر، عملت هاتان المجموعتان معًا للتحقُّق من خمسة مقاطع فيديو قيل إنّها تُظهر قوات الحكومة الإثيوبية وهي تعدم عشرات الرجال على منحدرٍ بالقرب من بلدةٍ صغيرةٍ في مقاطعة تيغراي، في أوائل عام 2021. العنصر مفتوح المصدر المهم في هذا التّحقيق هو استخدام النمذجة ثلاثية الأبعاد وتحديد الموقع الجغرافي لمكان وقوع المذبحة.
سام دوبرلي هو المدير الإداري لـ”مختبر التّحقيقات الرقميّة” لدى منظّمة هيومن رايتس ووتش. قبل انضمامه إلى المنظّمة، كان “سام” رئيسًا لمختبر الأدلّة في منظّمة العفو الدّوليّة حيث أجرى وقاد مجموعةً واسعةً من الأبحاث مفتوحة المصدر لمنظّمة العفو الدولية، بما في ذلك التعاون الاستقصائيّ مع العديد من المنظّمات الإعلامية، منها CNN و NHK. سام زميلٌ في مركز حقوق الإنسان في جامعة إسيكس وكان زميلاً في مركز تاو للصّحافة الرّقميّة في جامعة كولومبيا. وهو محرّرٌ مشاركٌ لكتاب “الشّاهد الرّقمي: استخدام المعلومات مفتوحة المصدر للتّحقيق في حقوق الإنسان والتّوثيق والمساءلة” الذي نشرته منشورات جامعة أكسفورد في عام 2020.
باشاك تشالي أستاذة القانون الدّولي في كلية هيرتي ومديرة مشارِكة لدى مركز الحقوق الأساسيّة في الكلية. “تشالي” خبيرة في القانون الدّولي والمؤسّسات الدّوليّة، والقانون والسياسة الدّوليّة لحقوق الإنسان. ألّفتْ منشورات عن نظريّات القانون الدّولي، والعلاقة بين القانون الدّولي والقانون المحلّي، ومعايير المراجعة في القانون الدّولي، وتفسير قانون حقوق الإنسان، وشرعيّة محاكم حقوق الإنسان، وتنفيذ الأحكام المتعلّقة بحقوق الإنسان. وهي رئيسة شبكة التّنفيذ الأوروبيّة وزميلة مركز حقوق الإنسان بجامعة إسكس. عملتْ كخبيرة في مجلس أوروبا بشأن الاتفاقيّة الأوروبية لحقوق الإنسان منذ عام 2002. لديها خبرة واسعة في تدريب أعضاء السّلطة القضائية والمحامين في جميع أنحاء أوروبا في مجال قانون حقوق الإنسان. حصلت على درجة الدّكتوراه في القانون الدولي من جامعة إسكس في عام 2003.